آخر تحديث :الأربعاء-11 سبتمبر 2024-10:42م
مجتمع مدني

الشاعر القادري.. منار متوهج في الزمن الجميل

السبت - 17 أغسطس 2024 - 09:02 م بتوقيت عدن

الشاعر القادري.. منار متوهج في  الزمن  الجميل

(عدن الغد)خاص.

كتب/ صالح لجوري
في البداية إلى الحديث عن رمز من رموز الحركات الوطنية والأدبية والاجتماعية في وطننا الجريح الحزين الذي مزقته ويلات الحروب وأيادي العابثين لابد أن نترحم على هؤلاء الفضلاء وندعو الله أن يغفر لهم بعد أن رحلوا عنا مظلومين مهمشين ومحرومون من أبسط الحقوق
وتركوا أرث تاريخي لم يتم الاهتمام والاعتناء به أو حتى التذكير بما بذلوه من جهد وعطاء شكل بنية مجتمعية متماسكة في حينه
استطاعت أن تأسس قاعدة متينة للبناء والتطور ومواكبة العصر فالشاعر القادري كان أحد العمالقة هؤلاء في منطقة يافع والجنوب والحديث عن هذه الشخصية الفذة و المخضرمة متشعب ولأيمكن حصرة في مقال
كيف وهو ذلك المنار المنير الذي توهج في عالم الفكر والأدب الشعبي وإصلاح ذات البين وجبر خواطر المعدمين والمحرومين من الأيتام والارامل في فترة زمنية من تاريخ الجنوب التي يعتبرها الغالبية العظمى هي ذلك الزمن الجميل الذي يحن إليه المجتمع بكل أطيافه
وكان القادري في ذلك الزمن ممن يضيئون الدروب و للخير بشير وللحق نصير أنه المصلح الاجتماعي وسفير الإنسانية أين ما حل وارتحل الأستاذ الأديب والشاعر القدير علي عبدالقادر البكري(القادري ) رحمه الله ، ، فهو صاحب الأخلاق الراقية والثقافة المتنوعة والأيادي البيضاء التي لامسة الكثير من الجراحات بكل عطف وحنية لتدملها في احلك الظروف .
إنها تختنق الكلمات في يراع محابر التعبير قبل العبرات في اماقي الأحداق عندما نتذكر مثل هذه الهامات الشامخة في سماء الإبداع والثقافة ماذا عساها أن تقول في التعبير وفاءً وعرفانا لهذا الرجل العظيم.. لقد كان لكل من عرفه أوعمل لديه أو تعامل معه نوراً واباً واخاً وصديقا للصغير والكبير و الطفل وللقريب والبعيد، لن نستطيع أن نوفي هذا الرجل المصلح الكريم حتى في الكلمات أنها تعجز أن توفيه حقه
فقد كان مشعلاً منيرا يضيء المكان الذي يتواجد فيه، ويترك أثرا طيبا في الوجدان والمكان ..
عرفته يافع رجلا مصلحا شاعرًا أديبا وسفيراً للخير والإنسانية ، ومبادرا، إلى فعل الخير والصلاح منذ نحو 70عاما.
وكان من أهم أهدافه هذا الرجل رفع مستوى الوعي لدى المجتمع، وإصلاح ذات البين وترسيخ مبادئ الحب والسلام والتعاون والتكافل .
______
القادري الشاعر الذكي بالفطرة
___
لا يختلف أثنان ممن عرفوا القادري في زمنه من الشعراء والأدباء والمهتمين على أن القادري كان من أذكاء الشعراء الشعبيين بالفطرة يستطيع أن يوظف الحرف والكلمات حيث يشاء
وكان يمتاز بتغليف الكلمات بطابع شعبي من الامثال والجمل الدارجة والحكمة التي تؤدي غرضها في الهدف المراد تناوله والوصول إلى نتائج ممتازة ومثمرة
وكان عندما يرسل قصيدة كمساجلة لشاعر أو قصيدة يراد بها الإصلاح في قضية أو ما شابهها
كان يخشى الشعراء الرد عليه مباشرة إلا بعد حين ..
لا سباب عده منها أن القادري يعمل تصويف للكلمات ويجعل لها ابعاد وتأملات وتصوير بلاغي جميل بإحساس مرهف يترك القارئ يبحر في أمواج عاتية إلى أن يصل الى مرسى التفكير والاستقرار ر ليبني رد يستطيع أن يجاري ما جاء به القادري من هموم وطموح واستنتاجات حديث الساعة .
____
كيف عاتب الرئيس علي ناصر ومما حذرة
__
عند زيارة الرئيس الجنوبي الأسبق علي ناصر محمد إلى مديرية الحد كان القادري متواجد في المنطقة
ولأنه من الشخصيات الاجتماعية والاعتبارية واصحاب الحضور في استقبال الوفود والشخصيات الهامة وكان في قلب القادري غصة وألم لمقتل الرئيس الشهيد سالم ربيع علي وقوافل من الشخصيات الجنوبية و كما عرف عنه في اوساط الناس محبته للشهيد الرئيس سالمين وتواصله معه لأن الرئيس سالمين رحمه الله كان قريب من الجميع وسهل التواصل أو اللقاء به والقادري كانت علاقاته واسعة مع المسؤولين والشخصيات الهامة وكذلك الناس في مجتمعه فقد كتب قصيدة فيها عتاب للرئيس ناصر وتحذير مما يدور حوله ولم يلقيها القادري بحضور ناصر لضيق وقت الرئيس وانشغاله في والوفد المرافق له في في افتتاح المستشفى العام بمديرية الحد من ثم انتقاله ومرافقيه للإطلاع على الشأن العسكري في حينه .. بل ارسلها للفنان سالم البارعي واستمع اليها الرئيس ناصر مغناه بصوت الفنان البارعي والقادري يبدو من خلال العتاب المباشر انه كان يثق بالرئيس ناصر ويرى فيه القدرة والامكانيات لتجاوز مايدور في البلد والرئاسة .
_ ولماذا القادري عاتب الرئيس؟!
_ لأنه يرى أن على الرئيس ناصر مسؤولية جراء سكوته وقبوله بما قام به الرفاق ضد الرئيس سالمين. حيث قال له قد كنت على ظهر خيل يقصد بجانب الرئيس سالمين حيث كان الرئيس ناصر رئيسا للوزراء قبل 26يونيو1978 و
تم الانقلاب على الرئيس سالمين في 22 يونيو 1978 وإعدامه في 26 يونيو 1978 وعمل الرئيس ناصر رئيس مجلس الرئاسة من 26 يونيو، 1978 حتى 27 ديسمبر، 1978 الفترة الرئاسية الأولى وكرئيس للجمهورية في أبريل 1980 بعد استقالة الرئيس السابق عبد الفتاح إسماعيل وذهابه للمنفى في موسكو.
(ياجمال ضاعت جمالك )هي من اشهر قصائد القادري رغم بساطتها وعدد ابياتها القليلة قيلت في الرئيس علي ناصر كعتاب مغلف على مقتل الرئيس سالمين وفيها تحذير للرئيس ناصر من مغبة السكوت عن ما يفعله الدخلاء واصحاب الافكار والمشاريع الهدامة التي استهدفت كوكبة من الكوادر الجنوبية بهدف القضاء على الإنسان المتعلم والمثقف والسياسي الجنوبي للوصول الى اسقاط الدولة بدولة مركبة تمهد الطريق للاستيطان وإحلال مجتمعات ونخب بديله في عملية ممنهجة لتغيير شامل لديمغرافيا الأرض والإنسان وهذا ما حصل بالفعل ولازال الجنوب يعاني من ذلك العبث الى هذه اللحظة.
القادري شبه الرئيس ناصر بمسؤول القافلة من الأبل
حيث قول :
القادري قال. ياجمال ضاعت جمالك ..
مابين صبحك وليل
ضاعت ( بلشعاب1 )والبياع (عمك وخالك2)
وجدهم بن (سهيل_ 3)
قد خير لك كنت ترعى في( الخضيرة_4 )لحالك
وأنته على (ظهر خيل _5)
واليوم أصبحت لا مكسب ولا رأس مالك
حملتها الحمل( ميل 6)
اصحى من النوم ياجمال زرزر حبالك ..
يتوازنين (العديل 7)
لاتأمن الغير مهما بان لك في خيالك ..
أهل الحيل (والجعيل 8).
ما قصده إلا يضيع من أمامه رجالك ..
(بايذلحك _9) وسط سيل.
ذي حبك اليوم مدري إيش قلبه
(خباء10)لك.
قد بعرفه من قبيل
ليغرك إنسان مهما قالك أو حكى لك ..
حكيه معي حكي ويل .
ياقلب كم تشتكي والناس ماحد رثاء لك ..
خلوك مافيك (حيل11)
كلن بيحسب لنفسه وانت ماله ومالك..
في خير ولا بويل
ياهاجسي لاهنا يكفيك اختم مقالك..
يكفي الكلام القليل .
وللقادري العديد من القصائد والمساجلات الشعرية داخل يافع وعموم اليمن أهمها مع صديقة الشاعر شايف محمد الخالدي الذين كانا صديقين ولهم مساجلات فيها الجد والنقد والمزح الساخر بطريقة ذكيه حيث يمتاز الاثنين بالذكاء وتطويع الحروف والكلمات حسب مايريدوا رحمهم الله .
قبل حرب 2015 وبالتحديد اواخر 2013كتب القادري قصيدة شعبية طويله رائعة يتحدث فيها عن الأوضاع وما ستاول إليه بحسب توقعاته وكانت من القصائد التي كتبها في نهاية حياته مطلعها يقول
(القادري قال انا والوقت ذا محرب ..
ماكر وعياب يلعب لعبته ملعوب ..
لا أنه طلع (عوبلي12)صافي
من (الجعدب13)
ولا طلع لونه اسود واتركه مصروب
باليل له لون والباكر بيتقلب .
مثل الهواء كل ساعة الى جهة مقلوب .
وفيها ايضا يقول القادري قال ما بجلس كذا اتعذب
من بين لا صحاب مبقى كلمة المعتوب .
وفي إشارة هنا بهذا البيت إلى الشعب يقول كفى إلى هذا الحد ويجب التحرك لفعل شيء
وهنا ينادي وجاهات وقيادات الجنوب
بقوله :
ياراعي البوش احذر ذيبها لجرب .
(أي الأجرب)
(رع _14)قد بشوف الحداحد فوقها( بتلوب _15)
يشتوني اجلس بسجن القلعة اتعذب ..
من شان بطلع واسمي بالسجل مشطوب ....إلخ .
ومن القصائد العاطفية والاجتماعية يقول :
اخو صالح لمه يالعين تبكين (دموعش _16) قطعت قلبي بسكين
ولو باتدمعي كم با تصبين
ولا حد با يجيب اللي تحبين
امانه ياعيوني لاتخبين ..
على ايش البكاء بالله قولين
وقالين البكاء كله على الزين .. فراقه حط وسط القلب جرحين .
____
مات محروم حتى من الوظيفة
____
رغم علاقات الشاعر القادري
الواسعة مجتمعيا وعلى مستوى الصف الأول من قيادات البلد إلا أن القادري لم يتم الاهتمام به من قبل الدولة وحرم حتى من الوظيفة وترك البلد فترات زمنية متفاوته وفضل الاغتراب والعمل في دول الجوار بحثا عن لقمة العيش وبقي على ذلك الحال
حتى اقعده المرض وتوفاه الله في مارس 2023م عن عمر ناهز 75عاما رحمه الله واسعة.
هامش :
__
_(1)الأشعاب..الشعاب.
(2) يقصد السياسيين
من الجنوبيين. (3)
يقال له نجم يماني أو يمني واتخذه الشاعر رمز كناية لخطر قادم من الهضبة الزيدية بصنعاء ونظامها.
(4)البستان الغني بالخضرة ..تشبيه للمنظومة السياسية والازدهار الذي كان في الجنوب والاستقرار.(5 )كنت مشدود العضد بجانب الرئيس سالمين.
(6) المقصود بالميل: ميلان، وانحناء الحمل الى جهه واحدة على ظهر الجمل.(7) العديل جهتي الاحمال أو الحمل .(8)الرشوة للسياسيين . (9)يرميك أو يرمي بك.(10)أخفى الشيء في صدرة.(11) نحيل الجسم منهار القوى.(12)الذرة البيضاء ناصعة البياض.(13) السنابل الخدج ذات لون أسود. (14)
كلمة دارجة في يافع تعني: تراء، وأراء ..أنتبه ، وتقال عند الجزم بمشاهدة الشيء فعلا ، وجزم ما بعدها مثل : بل مؤكد بالفعل؛(15) تدور بحثا عن شيء.(16)دموعش.. دموعك وتستخدم الشين للتأنيث في اللهجة الدارجة بيافع .