آخر تحديث :الثلاثاء-03 ديسمبر 2024-07:48م
ملفات وتحقيقات

العبسي.. الصحفي الذي غاص في ملف النفط فاغتاله الهوامير بمركب كيميائي

السبت - 27 أبريل 2024 - 09:36 ص بتوقيت عدن
العبسي.. الصحفي الذي غاص في ملف النفط فاغتاله الهوامير بمركب كيميائي
مركز فري ميديا للصحافة الاستقصائية
يعد الصحفي محمد عبده العبسي، أكثر الصحفيين اليمنيين الذي غاصوا في ملف الفساد المستشري في قطاع النفط، وعلى امتداد سنوات عمله في الصحافة، أنتج العبسي سلسلة من التقارير المعمقة حول صفقات فساد بين شركات أجنبية ونافذين حكوميين في عهد الرئيس الأسبق علي صالح، مثل صفقة بيع الغاز إلى حكومة كوريا الجنوبية بأسعار زهيدة مقابل امتيازات شخصية وعمولات لمسؤولين يمنيين، وفي العام 2010، أسَّس العبسي “التحالف الوطني لمناهضة صفقة الغاز المسال والصفقات المشبوهة”.
وبعد استيلاء جماعة الحوثي على مؤسسات الدولة سنة 2014، تمكن الصحفي الذي كان يبلغ من العمر 33 سنة وقتها، من الوصول إلى معلومات خطيرة للغاية خلفها مجموعة من أباطرة النفط الفاسدين، وإثر ذلك تعرض العبسي لعملية اغتيال احترافية عبر مركب كيميائي في 20 ديسمبر/ كانون الأول 2016، في العاصمة اليمنية صنعاء.
وكان العبسي، ومن خلال نشاطه المهني الاستقصائي، قد كشف عن نشوء شبكة جديدة من تجار النفط تابعة لجماعة الحوثي “أنصار الله”، وعندما كان ينشر المواد التي تؤكد ذلك، كان يتعرض لمضايقات مثل تهشيم زجاج السيارة أو تنفيس العجلة بثقب الإطار.
بدأ القلق يدب في نفس الصحفي العبسي، وفي أيامه الأخيرة أبلغ مجموعة من أصدقائه بذلك، وكان يمدهم بمعلومات حول الفساد في ملف النفط مخففاً من النشر باسمه، ومع ذلك لم يتوقف عن تتبع خيوط الفساد في سوق المشتقات النفطية، غير أنه كان تحت المراقبة، من أجهزة الحوثي وغيرها، لتمتد المضايقات إلى روحه وتسلبها فيما بعد.
بحسب التفاصيل التي وثقها مركز فري ميديا للصحافة الاستقصائية، فقد كان العبسي يعمل على تحقيق له علاقة بأمن الدولة، وكان ينتظر أن تصله وثائق مهمة عن تهريب الأسلحة والمساومة على ناقلة نفط ومواد سامة وخطيرة تستخدم في تصنيع الأسلحة وصلت للحوثي عبر هذه الناقلات.
دخل الحوثيون في خلاف مع شركة تابعة لأولاد رجل الأعمال الراحل توفيق عبدالرحيم، أحد أسباب الخلاف الرئيسية تدور حول صفقات نفط تذهب إلى دولة خليجية عبر شركة تابعة لناطق الحوثيين المدعو محمد عبدالسلام، في تلك الفترة احتجزت جماعة الحوثي شحنة نفط تابعة لعمار توفيق عبدالرحيم وطلبوا مبلغاً ضخما مقابل السماح بتفريغ الناقلة.
تدخل العبسي لمعرفة ما يدور بين عمار توفيق والحوثيين، كان “م،أ”، الإعلامي الحوثي الذي سيفتح قناة فيما بعد، يعمل على موضوع شحنة النفط المحتجزة للحصول على مبلغ مالي، بالإضافة إلى أحد الممثلين عن ناطق الحوثيين، وشخص يدعى “ش،أ” وآخر يدعى دغسان، وآخرون، لم يتفق الحوثيون مع عمار توفيق وإثر ذلك تم اختطافه.


كان عمار توفيق، أحد المصادر الذين يمدون الصحفي محمد العبسي بوثائق متعلقة بفساد النفط، لم يعرف العبسي أن الحوثيين اختطفوا رجل الأعمال ولذا ظل يرسل الرسائل إلى هاتف عمار توفيق بينما هواتف الرجل بيد القيادي الحوثي المعروف، أبو علي الحاكم، لم يكن عمار يرد ما أثار استغراب العبسي الذي تلقى رسالة متأخرة: شكل محمد العماد برم الموضوع وبلغ عليك.
يبدو أن الحوثيين عرفوا الملفات التي يعمل عليها العبسي، وضعوا عمار توفيق تحت الإقامة الجبرية، وقبل اغتيال العبسي بيوم تم استدعائه إلى منزل أبو علي الحاكم، وهناك قابل عمار توفيق والقيادي الحوثي، حسب المصادر، لكن لا أحد يعرف ماذا دار.

يوم الاغتيال

يلتقي الصحفي العبسي بأصدقائه خارج المنزل، عادةً. يلوك القات في منزل صديق أو في استراحة معروفة وسط صنعاء. بعد القات يتناول كأس شاي حليب في بوفية محددة يرتادها شبه يومياً، ثم يذهب إلى أحد المطاعم ليتناول العشاء ويعود إلى المنزل.
وهذا ما حدث بالفعل، يوم 20 ديسمبر/ كانون الأول 2016، خرج العبسي مع أحد أقربائه قبيل المغرب من الاستراحة، واتجه إلى البوفية، طلب كأس الشاي ودفعه إلى قريبه وطلب من النادل كأسًا آخر “دبل”.
عقب ذلك ذهب لتناول العشاء ثم عاد إلى المنزل، بعد وقت قصير، “كان يتعرق بشكل غير مألوف في ظل برد الشتاء الشديد في صنعاء”، كما تقول شقيقة الصحافي في إفادتها لمركز فري ميديا، بعد ذلك: “سمعنا صراخ زوجته، فأسرعنا إلى غرفته فرأيناه متشنجاً، وعيناه مفتوحتان، حاولنا مساعدته لكنه لم يكن يستجب لنا”.
تضيف العبسي أن “رغوة شديدة لونها أصفر كانت تخرج من فم محمد، ولم نستطع حمله من دون مساعدة، لأن جسمه أصبح أثقل، وحين وصلنا إلى المستشفى القريب من المنزل، كان جسده أزرق، أخبرَنا الطبيب أنه توفي”.
خبر إصابة قريب العبسي بالأعراض المشابهة التي حدثت للصحفي، شككت العائلة بأن تكون الوفاة طبيعية، رغم نصائح مشبوهين وضغوطاتهم على الأسرة لدفنه، إلا أن الأسرة رفضت..
أحد الذين كانوا يجلسون مع محمد في الفترة الأخيرة، قال لشقيقة الصحفي: «أخوك مات من الله، لا تفتحي هذه الموضوع، لو اتضح أنه مات بسبب الشراب ستكون فضيحة» أصرت الأسرة على تشريح الطب الشرعي: «دعنا ننفضح». آخرون قالوا للأسرة بأن العبسي لم يكن يملك تلك الملفات التي تستدعي قتله، وأن محمد مات طبيعياً، ومنهم من طلب من شقيقات الصحفي إغلاق الموضوع: «يمكن أن تُقتلن بعد اخوكن».
عند تشريح جثمان محمد، كان جسمه محترقاً من الداخل، أخذت الأسرة عينة من الجثة لفحصها في العاصمة الأردنية عمان، وأظهر الفحص احتواء دم الصحافي على مادة “كاربوكسي هيموغلوبين” بنسبة 67 في المائة، وهي كمية كافية للوفاة. أشار الفحص بأن محمد العبسي مات بأول أكسيد الكربون.

لم تقم المباحث الجنائية التابعة للحوثيين بالإجراءات اللازمة للتحقيق في اغتيال العبسي، ضابط في البحث الجنائي ذهب ذات يوم إلى الاستراحة التي كان يجلس بها الصحفي لمضغ القات، في اليوم التالي، جاء الضابط ليخبر شقيقات العبسي: «خلف المكان الذي يجلس فيه أخوكن، مولد كهرباء، يخرج أول أكسيد الكربون، وأخوكن استنشقه». لكن الضابط لم يقل لماذا لم يمت أحد أو يصب من مرتادي الاستراحة بالأعراض غير العبسي وقريبه.
بحسب تحليلات خبراء واستنتاجات توصلنا إليها، فإن العبسي اغتيل عبر مركب كيميائي وضع في الأكل أو الشاي، مع بذل الجهد يتم استقلاب المادة الكيميائية في الجسم وتتحول إلى أول أكسيد الكربون تؤدي إلى الوفاة.
النيابة العامة التي يديرها الحوثيون في صنعاء، أبلغت عائلة العبسي وهيئة الدفاع بشكل غير رسمي، أنها أصدرت قراراً بحفظ ملف القضية لعدم كفاية الأدلة، وقال أحد المحامين المشاركين في هيئة الدفاع (نتحفظ عن ذكر اسمه لأسباب أمنية) أنهم وإثر إبلاغهم بالقرار «تقدمنا بطلب لوكيل النيابة بتسليمنا نسخة من القرار كي يتسنى لنا اتخاذ إجراءات الطعن فيه، فإذا بنا نجد إفادات المختصين متناقضة بين من ينفي صدور أي قرار في القضية ومن يفيد بعدم وجود ملف القضية أصلاً».
الجدير بالذكر بأن النيابة لم تستجوب أسماء مشبوهين محسوبين على قيادات نافذة في جماعة الحوثي..