آخر تحديث :السبت-27 أبريل 2024-02:52م

ملفات وتحقيقات


زنجبار وجعار.. مدينتان تاريخيتان احتضنتا الجميع!

الأربعاء - 06 مارس 2024 - 12:53 م بتوقيت عدن

زنجبار وجعار.. مدينتان تاريخيتان احتضنتا الجميع!

كتب/ المؤرخ سلطان ناجي، 1976م:

يعود نشوء مدينة زنجبار بمحافظة أبين وفقًا للكاتب إلى مشروع القطن برعاية هو بريان هارتلي الذي أقامه الإنجليز بعد الحرب العالمية الثانية، وكذلك مدينة جعار التي ازدهرت بشكلٍ كبير وذلك بفضل مشروع أبين وذلك بعد الحرب العالمية الثانية.
زنجبار!
إن أقدم إشارة إلى هذه التسمية يعود إلى بداية هذا القرن فقط.، فقد وجدتً أن إنجرامز كان أول من ذكرها في الثلاثينيات من هذا القرن عندما قام بزيارة المنطقة عندما كان مسئولاً عن قضية (عبر النازعة) في سكرتارية حاكم عدن .
فقد أشار إلى ذهابه إلى (شمس الدين قرب زنجبار) و التسميه هي نفس تسمية زنجبار في شرق أفريقيا التي كان يحكمها العرب من (عُمان) حتى قيام الثورة فيها عام 1963م . ولربما تكون هذه المدينة قد تسمت باسم الجزيرة تمجيداً لزيارة أو للعلاقة بين السلطانين.
فقد أصبحت جزيرة زنجبار منذ أواخر القرن الماضي ملجأ لبعض سلاطين الجنوب الذين فقدوا سلطاتهم كالسلطان الكسادي صاحب المكلا، وهناك إشارة إلى أن (الشيخ عبد الله إبن أبي بكر) سكرتير سلطان شقرة زار زنجبار و بعد أن عاد إلى أبين كان يجيد التكلم باللغة السواحلية، فالإحتمال كبير إذاً في أن التسمية كانت مرتبطة بزيارة الجزيرة. وكيفما كان الأمر فإن المدينة بُنيت قرب مكان عامر في الماضي. فقد أُكتشفت بقايا أدوات فخارية وخزفية في مكان أسمه ( قـرو) بالقرب من مدينة زنجبار يعود تاريخه إلى ما قبل الإسلام . و كما سبق و قلنا، فإن الكثير من المدن والقرى الجديدة قد تم بناؤها على أنقاض مدن أخرى مُنقرضة. وعموماً فموقع المدينة في أرض ترابية فيها الأحجار وطقسها ليس جميلاً و لكن المدينة مفتوحة.
وكان هناك إعتبار أن هناك عاملان رئيسيان السبب في إنشاء هذه المدينة وازدهارها في ذلك الموقع لتصبح فيما بعد عاصمة السلطنة ( وهي الآن عاصمة المحافظة الثالثة).
فأولاً بعد أن قرر الإنجليز، أيام الحاكم سيجر، تنحية سلطان شقرة و تعيين نائب له، قضت سياستهم أن يكون النائب قريباً منهم وبعيداً عن شقرة.
ولهذا بدأت زنجبار تكبر من قرية عشش إلى مدينة تنافس العاصمة شقرة حتى قضت عليها، وقد دعم الإنجليز الوضع الجديد عن طريق ضرب القبائل المناوئة للسلطان كالمراقشة وغيرها.
وأما العامل الثاني في نشؤ زنجبار فيعود إلى مشروع القطن في أبين الذي أقامه الإنجليز بعد الحرب العالمية الثانية. وقد بدأ المشروع أثناء سنوات الحرب عندما كانت هناك حاجة إلى الحبوب بسبب تعثر مجئ المواد الغذائية إلى عدن . وكان صاحب المشروع هو بريان هارتلي.
فقد استصلحوا أولاً حوالي (700) فدان . و لأنهم كانوا بحاجة إلى زراعة دلتا أبين فقد قام الإنجليز في الحال بفض نزاع عبر النازعة (قناة النازعة) بين السلطانين وهو النزاع الذي تُرك معلقاً حوالي المئة عام من سابق. ولما أنتهت الحرب و بسبب الحاجة إلى القطن طويل التيلة طور مشروع أبين و كونت لجنة أبين وتم استصلاح آلاف الأفدنة وتحولت الزراعة من الحبوب إلى القطن وأصبح المشروع يضم السلطنتين الفضلية واليافعية. وأصبحت العاصمة زنجبار من ذلك الحين.
ومع أن المشروع كان مشتركاً كما رأينا، فإن المنافسة بين السلطنتين كانت تظهر من بعض الترتيبات الخاصة التي كانت تتوافق مع رغبة السلطانين دون النظر إلى المصلحة العامة. فمثلا عندما تقرر إنشاء أول مستشفى، بُنى بعد أخذ ورد في الوسط بينهما في (المخزن)، وتذكرنا هذه الترتيبات بإنشاء عاصمة الإتحاد (مدينة الشعب حالياً) في مكانها الحالي وذلك لإعتبارات قبلية تناحرية دون النظر إلى صلاحيتها في تلك المنطقة.
وفي أوائل الستينات أصبحت زنجبار المدينة الثانية بعد عدن. و في سبتمبر 1967م و بعد أن سقطت منطقة أبين في يد الجبهة القومية، عقدت قيادة الجبهة أول مؤتمر علني في مدينة زنجبار و قد أشترك المقاتلون من تلك المنطقة و من مدينة زنجبار في الإستيلاء على الشيخ عثمان في 6 نوفمبر 1967م.
جعار!
جعار في اللغة العربية اسم للضبع (العرجى). ولقد سُمّيت هذه المدينة بجعار لأن الضباع كانت تجوب هذه المنطقة خاصة بعد أن دُمرت بسبب الحروب التي كانت مشتعلة بين سلطنة الفضلي وسلطنة يافع الساحل في المائة سنة الماضية قبل إنشاء لجنة أبين كما رأينا.
إن إسم مدينة جعار كإسم مدينة زنجبار حديث المنشأ. وسبب إزدهارها يعود أيضاً بدرجة أساسية إلى مشروع أبين بعد الحرب العالمية الثانية.
ولكن على الرغم من حداثة جعار إلا أنها قد بُنيت فوق مدينة خنفـر المشهورة في العصور الوسطى. فقد كانت خنفر في وسط سهل أبين وقد قال أبن الحائك: " خنفر مدينة بأبين..". وقد رأينا من العرض التاريخي لأبين أن خنفر قد عرفت إسم زعيمين يمنيين هما علي بن الفضل الخنفري القُرمطي (قبل أكثر من ألف عام) و عبدالله سليمان الطولقي ( قبل أكثر من ثلاثمائة عام ) فقد أنشأ الأول الدولة القُرمطية التي أمتدت من صنعاء الى عدن، و حكم الثاني عدن و أبين و المنطقة الجنوبية بعد أن طرد الأتراك العثمانيين في القرن السابع عشر بمساعدة البرتغاليين. ولا تزال تسمية خنفر إلى الآن، وعلى حصن خنفر في جعار كانت توجد إدارة مشروع لجنة أبين ومنازل كبار الموظفين الإنجليز.
وهناك دليل آخر بأن جعار قد بُنيت في منطقة كانت آهلة بالسكان في الماضي و ذلك أنه قد وجد على مسافة أربعة أميال غرب جعار في (أم جبلين) بقايا أواني خزفية فخارية تنم عن وجود مدينة كانت مزدهرة في ذلك المكان في العصور الوسطى. و عند إنشاء لجنة أبين كانت العاصمة ليافع السفلى هي مدينة الحصن، و لكن جعار سرعان ما بدأت تثبت على أنها المركز الإداري للسلطنة ثم أصحبت عاصمة ثانية.
ومن الطريف أن السلطنة كانت لها ثلاثة عواصم في آن واحد و هي (القارة) و (الحصن) و (جعار). و لأن إدارة مشروع لجنة أبين كانت في جعار فقد أصبحت المدينة أهم من زنجبار و أزدهرت أكثر في الخمسينيات بالذات.
وفي منتصف الخمسينيات أزدادت نقمة أهل المنطقة ضد أعمال لجنة أبين وموظفيها الإنجليز. فقد كان يرأس اللجنة المعتمد البريطاني نفسه. و كانت غالبية الأعضاء من المواطنين الإنجليز أما ممثلوا السلطنتين فكانوا قلة و لم يكونوا جبهة واحدة و لم تكن اللجنة توليهم إهتماماً يُذكر. و كان الأعضاء الإنجليز في خنفر يعيشون وكأنها مستعمرة داخل مستعمرة.
وبدأت المطالبة بزيادة الممثلين و إعطائهم صلاحية أكثر في شئون المشروع و أيضاً أسعار مقبولة أسوة بلحج على الأقل. و معظم هذه المطالبات كانت تأتي من جانب منطقة يافع السفلى أما جانب السلطنة الفضلية فقد أستطاع الإنجليز أن يوهموهم و بالذات نائب السلطنة بأن الغرض من معارضة أهالي يافع كان من أجل الإستئثار بالزعامة و بمشروع لجنة أبين على حساب السلطنة الفضلية، و في النهاية أنسحب جانب يافع.
وفي عام 1956م تم ما يشبه الغزو المسلح على اللجنة و أُخذت بعض أموالها و تم تحريك المغيرون وجميع الحرس إلى القارة وسادت الفوضى مدينة جعار. و قد قام الإنجليز بضرب مدينة القارة بالقنابل يومياً، و الواقع أن تلك الحوادث كانت بداية لحوادث أخرى في المنطقة. أما مشروع لجنة أبين ذاته فقد أستطاع الإنجليز في الأخير أن يسيطروا عليه أكثر و يختاروا ممثلين جُدداً فيه يرضون عنهم. و منذ ذلك الحين بدأوا يغلبون فيه نجم نائب السلطنة كجزء من سياساتهم المشهورة (فرق تسد).
ولما قامت الثورة المسلحة أزداد التلاحم بين أهالي مدينة جعار و زنجبار. وكانت المنطقة من أوائل المناطق التي سقطت بيد الجبهة القومية. و بعد الإستقلال أُنهى ذلك التقسيم المصطنع بين السلطنتين وأصبحت كل من زنجبار و جعار في محافظة واحدة هي المحافظة الثالثة. و لا شك أن مشروع دلتا أبين المقبل الذي سُتصرف عليه ملايين الجنيهات سياتي بالخير و الإزدهار على كل من هاتين المدينتين الحديثتين اللتين أرتبط مصيرهما منذ البداية بالتطور الزراعي للمنطقة.