(خالد محمد شمسان)
يوم ولدت قبل ثلاثة وسبعين عاما كانت مدينتي الشيخ عثمان عبارة عن مساكن في مربعات هي اقسام A.B.C.D هذا كان كل عالمي الذي اعرف واتحرك فيه..
في بيتنا في شارع غزة عشت مع أختين اكبر مني قبل ان يتدفق على بيتنا البنات والاولاد ليصبح عددنا احدى عشرة لاعبا فريق كرة قدم والمدرب امي والحكم ابي رحمة الله تغشاهما ..
كانت الشوارع كلها ترابية وكان شارعنا ينتهي الى كود ضخم بحجم جبل من التراب وكان موسم الغوبة هو الأسوأ اذا حل تأتي الرياح بالغبار والأتربة الى بيوتنا وطعامنا وافواهنا..
كانت الكهرباء عبارة عن نوارة في الجدار وفانوس متنقل لدخول الحمام والمياه ايضا يأتي بها الوراد ويسكبها في جحل وزير في بيتنا كنا مرتاحين بلا هموم ولا مشاكل..
وعلى الرغم من ذلك كنا فرحين نخرج الى الشوارع حد مغطي رأسة بمقرمة امه وحد بمشدة خفيفة لنمنع الغبار من التسلل الى عيوننا وكنا نلف الشارع نبحث في الارض عن فلوس كانت تطمرها الاتربة والغوبة تزيحها وكنا بالفعل نعثر على اشياء وفلوس ونعود بها الى البيت ..
كنا ناكل الطعام مع التراب ولانأبه ولا نتأفف حتى اننا لانمرض لدرجة اننا كنا نسبح ايام كثيره في بركة المياه الاسنه التي كانت تخلفها الامطار اما بيوتنا ..
مرت الايام حتى قررت السلطة المحلية سلفتة شوارع الشيخ عثمان ومنها حافتنا واذكر ان العمال والدكاكة وسيارة رش المياة كأنني اراها الان وهي تعمل ونحن نسوق سياكلنا على طبقة الاسفلت الساخن فرحين..
بدأت حركة العمران في المدينة وتنافس محمد على المقطري وعبده حسين الادهل في بناء المحلات التجارية والعمارات وبنيت سينما مستر حمود وبعدها سينما عبدالقادر والاخيرة كان أبي رحمه الله يعمل نجار حجار فيها وعند افتتاحها اخدنا لنتفرج على فيلم الافتتاح وكان اسمه عصافير الجنة..
ظللنا اسبوع راحين واجين السينما ببلاش وكان شارعنا مشهور فمنه يمر الناس الى السينما ويعودون اليه في طريقم الى بيوتهم وكنا نستمع لكلامهم وهم مروحين يتحدثون عن بعض اللقطات في الفيلم فيما بينهم والسبب اننا كنا ننام امام البيت نحن وكثير من الجيران ..
ونتيجة للحرارة المرتفعة كنا نقوم بعد المغرب بكنس المساحة امام بيتنا ونرش ماء ونفرش الهدمة وهي السليقة وفوقها مرقعيات كانت امي تحيكها لنا من بقايا الثياب البالية كان ابي الوحيد معه فراش عطب يعني قطن..
وعندما نتمدد كنا لاننام الا بعد مرور رواد السينما وكنا نتسامر مع جيراننا المفرشبن ايضا في الشارع حتى ننام ونصحى الصباح ندخل فرشاننا الى البيت ..
هكذا كانت حياتنا في الثالثة من عمري كنت اخرج ابيع مربى الدوم واحيانا دنجو ونارجيل وبرقوق وبعدها بعت البطاط حتى كبرت وقررت امي ان اذهب للمعلامة ..
كان الفقي جازم رحمة الله تغشاه اول من تعلمت على يديه القرآن ولكن مشكلتي ان معظم من هم معي المعلامة مؤذيون وروفلات وكنت يوميا اتشاجر معهم ولما عرفت امي هذا الامر سحبتني الى معلامة الفقي علي ..
كانت امي رحمة الله تغشاها مهتمة بتعليمي وتوفر لي اسبوعيا قيمة مجلة سمير وكنا نتبادل مع اصحابنا المجلات سمير وميكي وسندباد وغيرها وكنت مدمن قراءة وكنت معجب بالكشافة فلفل وباسل وتم تم والكابتن هادوك وعبقرينو وعم ذهب وبلوتو وبطوط وعصابة القناع الاسود وذهبوا كلهم الا عصابة القناع الاسود كبرت معنا ومازالوا يعيشون بيننا نص في المعاشيق والنص الاخر في جولد مور ..
لما وصلت للسابعة التحقت بالمدرسة الشرقية اسمها ردفان مؤقتا حتى انتهاء البناء في المدرسة الغربية حاتم حاليا والتي انتقلنا للدراسة فيها فيما بعد ..
قبل ذلك قامت سلطات البلدية بنقل كود الاتربة وتسوية المساحة حتى اننا كنا نروح للمدرسة والسينما دون ان نغوص في كود تراب الغوبة وبعدها قاموا باقتلاع اشجار السيسبان والمؤدية لمنطقة القاهرة وحل محلها بعد سنوات مصنع العزل والنسيج وهكذا دبت الحياة في مدينتي الشيخ عثمان ليظهر جمالها كمدينه رائعة لاتشبهها اي مدينة في هذا الكون..
لنا عودة ان شاء الله في ذكريات لاتنسى مع عمكم خالد..!!