آخر تحديث :الأحد-24 نوفمبر 2024-03:23م
أخبار وتقارير

في أربعينية التربوي عادل عبد الله ..أيقونة الإخلاص في محراب التعليم

الخميس - 13 يناير 2022 - 06:51 م بتوقيت عدن
في أربعينية التربوي عادل عبد الله ..أيقونة الإخلاص في محراب التعليم
عدن ( عدن الغد ) كتب/عبد الحليم سيف:

 في جو مشحون بالغربة والفقد والوجع والأنين والإحباط والقنوط ، الناجم عن قاتم راهننا الكارثي الذي لايرحم..، فقد فجع الوسط التربوي في عدن صباح ذلك الأربعاء الحزين الثامن من ديسمبر 2021م ، بخبر وفاة الأستاذ عادل عبد الله محمد غالب، المعرف بالوسط التربوي العدني ب "عادل غالب"..مدير مدرسة ثانوية لطفي جعفر أمان النموذجية للبنين في كريتر/ عدن ، وهو في ذروة نضوجه، وفورة عطائه الخلاقة، وحيويته المتواصلة، وتألقه المتوهج ، وحضوره الفاعل كمدير ناجح..وتربوي كبير ..وإداري محنك..، تحمل مرض قلبه بصمت، خلال فترة طويلة..، فدخل المشفى في عدن مساء الثلاثاء، وفي اليوم التالي استيقظ أهله و محبوه على وقع نبأ رحيله الصادم؛ ليخرج جسده الطاهر، محمولا على أكتاف زملائه وأصدقائه وتلامذته وأهله، في موكب جنائزي مهيب؛ ليورى الثرى في "مقبرة القطيع" بعد الصلاة عليه عصر ذات اليوم (الأربعاء) في مسجد "خواص" في كريتر.

شمعة لا تنطفي*

رحيل الأستاذ عادل غالب المباغت إلى رحاب الخالق عز وجل، أبكى محبيه..ففي تعازيهم الطافحة باللوعة والألم - المنشورة على منصات التواصل الاجتماعي ، والمواقع الإخبارية والصحف العدنية..وعلى رأسها الصفحة الفيسبوكية لثانوية لطفي جعفر أمان - فقد نعته إدارة وأساتذة وطلاب مدرسة لطفي.. ومكتب التربية والتعليم في مديرية صيرة .. وأسرة مدرسة بازرعة للبنات في كريتر - وغيرها ..، عبروا عن عميق حزنهم إزاء الفقد الفادح..لرجل نذر حياته للتعليم والمعرفة ..ووصفوه بواحد من رواد التعليم في عدن واليمن من الأجيال الشابة..، ولم تخسره ثانوية لطفي أمان، كأحد أبنائها وقادتها ومعلميها ومربي أجيالها فحسب ، بل مثل رحيله خسارة فادحة للتربية والتعليم..، ومع ذلك سيبقى شمعة مضيئة لا تنطفي .

  وفي هذا الإطار المتشح بسواد الأسى، نقرأ نعيا من تفاصيله: "ودعت مديرية صيرة في كريتر ، القامة التربوية الأستاذ الفاضل عادل عبد الله محمد غالب مدير ثانوية لطفي جعفر أمان للبنين عصر الأربعاء الموافق 8 ديسمبر..بعد معاناة مع مرض عضال ألم به صابرا محتسبا ..لم يعلم بمرضه حتى أكثر طاقم المدرسة الذين يعملون معه ؛ لأنه كان قمة في العمل بإخلاص وتفان في سبيل أعظم رسالة - بعد النبوة - فقد استمر في عمله إلى آخر يوم مكتوب له في هذه الحياة..". 

ويمضي الخبر :

" غادرنا صاحب الابتسامة والقلب الطيب الحنون والخبرة في الإدارة والعمل.

 رحل عنا في موكب جنائزي مهيب، حضره عدد لا يحصى من طلاب الثانوية وطاقمها من المعلمين وأغلب التربويين في مديرية صيرة مع حضور قيادات في التربية والتعليم، وكذا قيادات السلطة المحلية في المديرية ..وهذا العدد الكبير في جنازة الأستاذ عادل دليل على حب الناس له". 

فطر قلوب محبيه

 وأنا أواصل كتابة هذه الأسطر الموجعة في ذكرى أربعينية الفقيد الأخ والصديق عادل عبد الله محمد ، تحاصرني عاصفة من الأحزان، مذ لحظة تلقي خبر وفاته، وها أنا أستدعي من الذاكرة العديد من المواقف التي تميز بها..، يحدث أنني في كل مرة كنت أتواصل معه للاطمئنان عليه..، وحين أسأله عن صحته وحاله وأسرته، فإذا به يردد : الحمد لله ..الحمد لله على كل حال يابن العم.. ويذهب ليسأل عن أحوال وشؤون غيره من الأحباب، ما استلفت نظري في هذا السياق ، أنه كان يتحدث بحرارة واعتزاز عن مدرسته حتى كدت أشعر أحيانا أنه يتنفس عشقا لثانوية لطفي جعفر أمان النموذجية للبنين..المؤسسة التربوية العريقة ..وقد مثلت بطلابها ومعليمها أسرته الثانية ، وأصبحت مع مرور الأعوام جزءا منه.. وملتصقا بها..دون أن يبوح لأحد - بما في ذلك أقرب الناس إليه - عن قلبه المثقل بالهموم والمواجع.

    بمعنى آخر، الرجل مزج بين الخلق الكريم وسمو الروح..ومزج الصدق والوفاء بنكران الذات حتى وإن كلفه ذلك حياته..، ففي يوم وفاة الراحل عادل.. تواصلت مع ابن أخيه العزيز عمار عبد الواحد عبد الله ؛ لنتبادل معا مشاعر العزاء والمواساة في هذا المصاب الفاجع، وكان أن سألته عن سبب وفاة عمه..خاصة وقد كنت أتحدث معه قبل أيام، وقال لي - أي عادل- أنه بصحة وعافية مع أمه الفاضلة وزوجته وأولاده الأربعة..، فجاءت نبرة العزيز عمار عبر الهاتف مخنوقة بالحسرة، قائلا : موت العم عادل رحمه الله، فطر قلوبنا..وسبب وفاته اعتلال وضعف عضلة القلب ، كما قيل لنا في المستشفى الذي أسعف إليه..الخبر نزل على رؤوسنا كالصاعقة..وصدمنا بقوة وبلا شفقة.. لكن هذه مشيئة الله ولا راد لقضائه وقدره...، فكان قلب العم عادل عامرا بالحب للجميع .. حياته اتسمت بالنقاء والصفاء.. كان عصاميا عزيز النفس ..فجل نشاطه كرسه لثانوية لطفي ...كانت المدرسة شغله الشاغل . وفي خضم ذلك نسي نفسه .. وصحته.. لايشكو لأحد..حتى لو كلفه الإيثار الجود بالنفس.. وذاك أقصى غاية الجود كما يقولون. 

النشاءة والتعليم

أعود واتصفح بعضا من صفحات سيرة فقيد التربية والتعليم - كما وافتني بها ابنته الرائعة آيات عادل عبدالله.. الطالبة في سنة ثانية بكلية الطب بجامعة عدن ..، عادل من مواليد قرية الأكسر / الأعبوس في 11 يناير 1970م،..ومثل أترابه المواليد في تلك السنوات..التحق بمدرسة الفلاح النموذجية غليبة/ أعبوس..وفيها تلقى تعليمه الابتدائي والإعدادي والثانوي بتفوق.. وفي عام 1989م، أدى امتحانات شهادة الثانوية العامة/ القسم العلمي في مدينة تعز؛ لعدم وجود مركز امتحاني في عزل ناحية القبيطة وقتذاك.

 ولم تخل الحياة من مفاجآت عائلية قاسية...فبينما كان الفتى عادل يحتفي مع أبناء أخيه في تعز بنجاحه في الثانوية العامة..صدم بوفاة والده العم الفاضل عبد الله محمد، وذلك يوم العاشر من شهر يوليو 1989م.و كان لهذا الحدث الكبير تأثير على حياته المبكرة.. حتى شعر بأن يترك التعليم.. ويذهب للعمل لتأمين لقمة العيش له ولأمه الفاضلة.. ، بيد أن البيئة الأسرية التي ولد فيها ونشأ وترعرع في كنفها، شجعته على تجاوز الصعاب، فعقد العزم على مواصلة مشوار التعليم الجامعي ، فيمم وجهه شطر عروس البحر الأحمر، حيث أقام في منزل إبن عمه محمد أحمد محمد غالب رحمه الله..، فالتحق الطالب عادل بكلية التربية بجامعة الحديدة،ودرس فيها علوم الفيزياء ، وتخرج عام 1993م، حاملا شهادة البكالوريوس تخصص فيزياء.

في حالمين والحبيلين

وبعد تخرجه من جامعة الحديدة في العام 1993م، تبدأ مرحلة جديدة في حياة الفتى عادل عبد الله، سنتئذ انخرط لأول مرة في سلك التربية والتعليم، الذي كان له تأثير مهم في تحديد مساره فيما بعد، ليصبح أحد رواد التعليم من جيل تسعينيات القرن الفائت، كما سنرى بعد قليل.

 تقول سيرته : في 16 ديسمبر 1993م..عُيِّن عادل في منطقة بعيدة عن مسقط رأسه، لم يألفها من قبل..، لكن لم تهمه البيئة ، التي سيعمل بها ..فلديه القدرة على الصبر والتأقلم مع مايستجد في حياته ، بقدر اهتمامه لخدمة أبناء وطنه في أي مكان كان..، فقد التحق بمدرسة محمد ثابت سفيان في مديرية ردفان بمنطقة حبيل ريدة..(الواقع بين الحبيلين .. الضالع وحالمين/محافظة لحج) حيث عمل مدرسا لمادة الفيزياء..، وخلال تلك الفترة، وبحنكته وسمو أخلاقه وإخلاصه لرسالته السامية في تربية النشء، تمكن من نسج علاقة طيبة مع تلميذته وزملائه، وكان لتقدير أهالي المنطقة للمدرسين القادمين من مختلف أرجاء الوطن مظاهر ايجابية، تجلت في: توفير التسهيلات.. كتأمين مقر لإقامة المعلمين وشيء من هذا القبيل ، وشكل هذا التقدير عاملا مساعدا لعادل وزملائه المعلمين؛ لأداء مهمة التدريس على الوجه الأكمل، مع الإسهام في الأنشطة المدرسية الثقافية والرياضية والاجتماعية..، بحسب ما نقله لي عن الفقيد عادل إبن أخيه صادق عبد الواحد عبدالله، مدير مدرسة الوحدة الأساسية الثانوية في الحريم/أغابرة .

النموذج والقدوة

   ويكمل الصورة السابقة ..،الأستاذ عبدالله بجاش جعفر علي - يعمل حاليا كمعلم بمدرسة عبدالرحمن الغافقي، مديرية التعزية محافظة تعز - أحد الأصدقاء المقربين لعادل عبدالله وتزامل معه في مدرسة محمد ثابت سفيان في بداية حياتهما العملية، في السني الأولى من العقد التسعيني، يروي ذكرياته مع صديقه ..ومما قاله: 

  " أول لقاء لي مع الصديق العزيز الأستاذ عادل عبد الله محمد - رحمه الله..كان بمدرسة محمد ثابت سفيان ..حيث عملنا سوية إلى جانب زملاء لنا من تعز ولحج و عدن، كنا نعيش في السكن الداخلي، التابع للمدرسة لمدة ثلاث سنوات كمجموعة منسجمة، كان الأستاذ عادل يتميز عن غيره بصفات جميلة منها: روحه الجميلة، ونقاء سريرته، ومحبته لزملائه..كان بحق أنموذجا لنا و قدوة للجميع.. في كل أعماله .. يستلم الجدول المدرسي..ويقوم بمراجعته مع الإدارة ومع زملائه، يأخذ حصصه بالكامل ..و يضيف إذا احتاج لذلك.. كان يضع تصورات لكل ماسيفعله، سواء داخل المدرسة أو خارجها".

ويضيف الأستاذ عبد الله بجاش متحدثا عن صديقه :   "عرفت الأستاذ عادل كإنسان طيب القلب.. لا يجرح أحدا ، يقدر مشاعر الآخرين ، يبذل جهده الكامل في خدمة عمله و زملائه وتلامذته ، له القدرة على التذكر حتى أدق التفاصيل.. وكان يضفي علينا البهجة لكل السمرات التي كنا نعيش فيها.".. "حتى أدواته الشخصية والعامة، يرتبها وينظمها بدقة" - يستطرد بجاش متابعا - ثم يضيف: أتذكر استخدام عادل لمسواكه وابتسامته الدائمة. أي لم اشهاده يوما منزعجا رغم الظروف الصعبة ..من ذكرياته، كنا نخرج للعب كرة القدم أو التمشي بجانب الخط الرئيسي مع بعض الزملاء..و كان مرحا وبشوشا ..يضفي علينا أجواء الطمأنينة والأمل بالمستقبل وحب الحياة".

في رحاب ثانوية لطفي 

في ضوء ما ألمعت سالفا..، يتضح أن سنوات الحبيلين - حالمين ، التي امتدت به حتى عام 1997م تقريبا ، كانت بعيدة الأثر في بناء شخصية عادل عبد الله، فانعكس ذلك على مسار حياته العملية والتربوية والإدارية، وهذا ما يفصح عنه ملفه الذي، يحتوي على كم كبير من شهادات الوفاء والتقدير والعرفان، التي تلقاها من الإدارات الرسمية المعنية في شؤون التربية والتعليم ،ومؤسسات إشاعة ثقافة الحوار والسلام وحماية الآثار والمعالم التاريخية لمدينة عدن، حتى شهادات شكر عرفان من طلابه، الذين عبروا له عن عميق تقديرهم لما قدمه لهم معلما ومديرا .

 وهذا يقودنا إلى إلقاء بعض الأضواء في الجزء القادم على تجربته التالية، التي امتدت نحو ربع قرن من الزمان.، وهي فترة تساوي نصف عمره، قضاها في رحاب أضخم وأعرق مدرسة ثانوية للبنين في عدن ، تحمل اسم الأديب والشاعر الأشهر الأستاذ لطفي جعفر أمان، طيب الله ثراه. وهي المؤسسة العلمية والتربوية النموذجية، إحدى المعالم التاريخية والحضارية البارزة في شارع أروى بكريتر عدن..لكونها المدرسة الوحيدة في مديرية صيرة ..ومنها تخرج المئات من الطلبة ، واصلوا دراستهم الجامعية في الداخل والخارج في مختلف التخصصات ، وأصبحوا بعد حين من خيرة الكوادر الوطنية، ينتشرون في أجهزة الدولة وغيرها من المؤسسات العامة والخاصة..ومنهم أيضا الذين يواصلون دراستهم حاليا، وهؤلاء وأولئك تتلمذوا على أيدي كبار أساتذتهم في ثانوية لطفي جعفر أمان، منهم عادل عبد الله منذ التحاقه معلما في (1997/9/10) ثم وكيلا فنيا (2002/9/ 21) ومديرا للمرة الأولى بين عامي 2014/2013، ثم اختير مستشارا أكاديميا للمدرسة..؛ ليعود مجددا لإدارة ثانوية لطفي للمرة الثانية في 2020/10/18 م. حتى وافاه الأجل يوم 2021/12/8 م.

عرفان ووفاء..ولكن

 هكذا إذن غيب الموت عادل عبد الله في زمن أغبر، زمن الجحود والنكران والتجاهل والنسيان، لكل إنسان أعطى أعز ما يملكه من معارف وقيم إيجابية في خدمة أبناء وطنه بصدق الانتماء.. دون أن يأخذ شيئا، الذين يعرفون المرحوم عادل على حقيقته، يعلمون أنه عمل بصمت وسخاء دون ادعاء أو ضجيج أو تزلف، بيد أن اسمه وإنجازاته وبصماته التي تركها، ستبقى شاخصة داخل جدران صفوف ثانوية لطفي أمان ..وإدارتها..وساحتها وأبوابها ومقاعدها..، كما هي حية في ذاكرة تلميذته وزملائه من المعلمين .. وأيضا محفورة في أذهان من خبره، وعمل معه، سواء داخل المدرسة أو خارج أسوارها...تذكره بالخير والاعتزاز كلما جاء الحديث عن سيرته.

ولعل من مفارقة القدر وقسوته، أن يخطف الموت عادل عبد الله، مدير ثانوية لطفي جعفر أمان..عن مشهد احتفالي، لطالما كان يتصدره مساعدوه وزملاؤه من المعلمين ..حين كان يقف خلف منصة تكريم المبرزين علميا ورياضيا وثقافيا وسلوكا..وللمعاقين من طلاب الثانوية نصيب من التكريم والدعم والتشجيع..وهي مظاهر ترصدها الصور الفتوغرافية ، بيد أن هذه المرة.. وبمناسبة فعاليات تكريم أوائل ثانوية لطفي للفصل الدراسي الأول من العام الدراسي 2022/2021م. الذي نظمته إدارة المدرسة بقيادة مديرها الجديد..... صبيحة يوم السبت الثاني من يناير الحالي..يغيب عادل جسدا..، ليحضر بصورته البهية الباسمة في قلب المشهد الاحتفالي.. وبروحه التي رفرفت في سماء المدرسة وبين جوانحها.. وكرمته إدارة المدرسة "بدرع شكر وتقدير " تسلمه نجله عبد الله عادل.. فيما رثاه زملاؤه شعرا ونثرا بكلمات مليئة بمشاعر تفيض حبا وتقديرا. وتبجيلا..لأستاذ وتربوي ومدير.

رحل عادل دون تكريم

   من تلكم الكلمات البلغية أبيات شعرية..وضعت كأيقونة أو كخلفية لمنصة الاحتفال مع صورتين لعادل، لهما معنى ومغزى..مصاحبة لقصيدة الأستاذ نبيل الوحش، يرثي فيها المدير الراحل .. ويذكر بمناقبه..وجاءت بعنوان " مدير ثانوية لطفي عادل ".

يقول الأستاذ الوحش في مطلع قصيدته: 

" مديرثانوية لطفي عادل ...رحل إلى ربه الرحيم العادل

كان للقرآن مبجلا وعامل ...وللأمانة والعهدة وفي كامل "

ويضيف:

" كالأكسجين والنتروجين شديد التفاعل ...مع الطلاب على الترفع قادر

معادلة بسيطة مركبة حلها ...في أصلها وجذورها التربيع قائم" 

ويمضي إلى القول: 

"خلية حية وجيناتها وحمضها ...النووي المحب والتواضع للعلم ناشر 

تاريخها ناصع بالجد والاجتهاد ...وفلسفة كل التربويين لها شاهد:

وختم الوحش قصيدته بالتعبير عن تجاهل ما قدمه التربوي عادل عبد الله في محراب التربية والتعليم، حتى أن كل إنجازاته لم تشفع له بكلمة شكر وتقدير من قبل الجهات الحكومية ، على الأقل :  

 "رحل ولم يُعطَ حقه من التكريم...فالأجر والتكريم عند الرحيم العادل".

رسول علم ومعرفة

ولعل أبلغ ما قيل نثرا عن رحيل عادل عبد الله ما تضمنته كلمات الأستاذ القدير أحمد صالح جراد - ألقاها في ذات المناسبة - الذي تزامل مع الراحل عادل قرابة نصف قرن من الزمن.ففي كل فقرة وجملة، زاخرة بكل معاني الصدق والوفاء والعرفان، نقش في سطورها مآثر عادل عبد الله ..وكانت -أيضا- بمثابة تحية جميلة .. وقراءة منصفة لسيرة وتجربة فقيد ثانوية لطفي بخاصة والتربية والتعليم بعامة..أورد فيما يلي بعض المقاطع:

  استهل الأستاذ أحمدجراد كلمته مستحضرا أجواء يوم الرحيل فيقول .." كم هي قاسية لحظات الوداع والفراق، التي تسجل، وتختزن في القلب والذاكرة، وكم نشعر بالحزن وفداحة الخسارة والفجيعة، ونختنق بالدموع، ونحن نودع واحداً من جيل المربين والأساتذة الأفاضل، المؤمنين بالرسالة التربوية العظيمة، الناكرين للذات، من ذلك الزمن الجميل البعيد، أستاذنا جميعاً، المربي المرحوم عادل عبدالله محمد غالب ، " أبو عبدالله"، الذي فارق الدنيا، بعد مسيرة عطاء عريضة، ومشوار حياة في السلك التعليمي والعمل التربوي، تاركاً سيرة عطرة، وذكرى طيبة، وروحاً نقية، وعبق أريج نرجسة، وميراثاً من القيم والمثل النبيلة.

وفي جزء آخر من الكلمة، يقول الأستاذ جراد:  

"عرفنا الفقيد معلماً هادئاً، متسامحاً، راضياً، قنوعاً، ملتزماً بإنسانيته، كما هو ملتزم بدينه وواجباته الدينية. حمل الأمانة بإخلاص، وأعطى للحياة والناس جهده وخبرته وتجربته وحبه لهم. تمتع بخصال ومزايا حميدة، جلها الإيمان، ودماثة الخلق، وحسن المعشر، وطيبة القلب، متميزاً بالدماثة، والتواضع الذي زاده احتراماً وتقديراً ومحبة في قلوب الناس والطلاب، وكل من عرفه والتقى به. وهل هناك ثروة يبقيها الإنسان بعد موته أكثر من محبة الناس..؟!

ثم يمضي مسترسلا بقوله:

"خمسة وعشرون عاما أمضاها في ثانوية لطفي النموذجية، التي شرفها وتشرفت به، فكان رسول علم ومعرفة، وجدول عطاء وتضحية، ونعم المعلم والمدير والأب الحنون، والأخ الودود والصديق الصدوق. فكان قدوة ونموذجاً ومثلاً يحتذى في البساطة والوداعة، والرقة والعطف والحنان، وعمل الخير وسمو الأخلاق وطهارة النفس والروح، ونقاء القلب والعفوية والتسامح. وأعطى كل ما لديه بلا حدود، ودون كلل أو ملل، في مهنة ورسالة هي من أصعب المهن، وأهم الرسالات، رسالة العلم والتربية، بكل ما تحمله في طياتها من المعاني، التي في صلبها بناء الإنسان، وبناء الوطن، وبناء المجتمع..

لقد غيب الموت أستاذنا ومعلمنا الحبيب الغالي، ومديرنا الوفي "أبو عبدالله" لكنه سيبقى في قلوبنا ما بقينا على قيد هذه الحياة، ولن ننساه، وسيظل بأعماله ومآثره وسيرته نبراساً وقدوة لنا."

ويختم الأستاذ أحمد صالح جراد مرثاته مخاطبا الفقيد عادل عبد الله بقوله : " نم مرتاح البال والضمير، فقد أديت الأمانة، وقمت بدورك على أحسن وجه، والرجال الصادقون أمثالك لا يموتون."

أما بعد ..

أعود وكما بدأت وأقول قبل أربعين يوما..رحل المعلم والمدير و الإنسان عادل عبد الله محمد عن عمر ناهز 51 عاما ، أكثر من نصفها - ثلاثة عقود من الزمن - أنفقها في حمل راية التربية والتعليم والعمل الإنساني، فقد نذر حياته لإضاءة عقول بني وطنه بقيم المعرفة، والجد والاجتهاد، والتنافس الشريف و والإبداع والصدق والأمانة ، أنهي الموت عادلا، دون أن يأخذ معه شيئا..فلا ثروة مالية تركها لأسرته الصغيرة، المكونة من أم وزجة وأربعة من الأبناء. بنتان: آيات وبشرى ..وولدان :عبد الله وعمرو ..إلا من قيم التعايش المشترك والوئام والإخلاص.. القدوة والنبل والسمعة العطرة، وحب تلامذته النجباء في مدرسة محمد سفيان في حالمين وعدن ومحبة زملائه من التربويين والمعلمين وأصدقائه وتلامذته النجباء في مدرسة محمد ثابت سفيان حالمين / والحبيلين /لحج.. وثانوية لطفي جعفر أمان النموذجية للبنين في كريتر عدن.

فرحم الله فقيدنا الطيب عادل عبد الله محمد غالب العبسي ..وأسكنه فسيح جناته، ونفع به وطوى سيرته العطرة مثلما نفع بعطائه وعلمه حيا..فالرجال يخلدون بخلود قيمهم النبيلة وأعمالهم المفيدة .

 ولروحك الحية ياعادل كل المحبة السلام.