الأربعاء - 18 نوفمبر 2020 - 10:59 ص بتوقيت عدن
(عدن الغد)خاص:
قراءة استشرافية لما بعد اتفاق الرياض في حالة فشله وسط المستجداتالعسكرية والسياسية الأخيرةكيف سيتعامل الانتقالي مع تعثر جهود تشكيل الحكومة وفشل الاتفاق؟هل سيعود إلى الإدارة الذاتية ويتحمل مسئوليات صرف المرتبات وتوفير الخدمات؟هل ستكون هناك مناطق سيطرة مطلقة للانتقالي؟لماذا سيصبح التقسيم الحالي للجنوب أمراً واقعاً؟هل ستعزز الشرعية قواتها وسيطرتها وتدير الحكومة من شبوة؟الانتقالي.. أمام مفترق طرق!القسم السياسي (عدن الغد):يبدو المشهد على الأرض في جبهة أبين (جنوب اليمن) ترجمة واقعية لما يدورفي دهاليز مشاورات العاصمة السعودية حول تشكيل الحكومة الجديدة، بينالشرعية والمجلس الانتقالي.فمتى ما توافقت الأطراف هناك في الرياض على إجراءات تشكيل الحكومة، كانتجبهة أبين أكثر هدوءً، غير أن الاختلاف على تفاصيل التشكيل الحكومي يقودإلى اشتعال الجبهة وتجدد الاشتباكات فيها، وهو ما يؤكد أن ثمة شيئا غيرطبيعي.وهذه الأجواء من عدم الاستقرار، سياسياً وعسكرياً، تكشف عن أن تشكيلالحكومة اليمنية الجديدة يعتريه الكثير من المشكلات والعثرات، التي قدتعصف باتفاق الرياض برمته، وليس فقط بمصير الحكومة الجديدة.واقع جديد صنعه اتفاق الرياضأسس اتفاق الرياض لتفاهماتٍ جديدة، وواقع مغاير لما كان قبل 5 نوفمبر2019، وخلقت الأحداث والمواجهات التي أنتجت الاتفاق مشهداً عسكرياًوسياسياً مختلفاً عما كان قبل أحداث أغسطس 2019.حيث أضحت المحافظات الجنوبية تعيش تشظياً واضحاً وانقساماً ملموساً،صنعته الأحداث العسكرية، جعلت الجنوب موزعاً على جزر منفصلة تتقاسمهاالأطراف السياسية وفق ما آلت إليه الأوضاع.ووفق هذا الانقسام الموجع للجنوب، علقت الأطراف السياسية وحتى المواطنونآمالهم على اتفاق الرياض، في لمّ شمل المحافظات الجنوبية التي توزعت بينالمتصارعين، وبين القوى الخارجية حتى.فكان الأمل في أن يخرج اتفاق الرياض بصيغة توافقية تجمع الشتات، غير أنهوبعد مرور عامٍ كامل من التوقيع على الاتفاق لم تنفذ بنوده الجوهريةوالحيوية، خاصةً فيما يتعلق بانسحاب قوات الانتقالي من المؤسسات التيسيطرت عليها في عدن، أو في ما يخص تشكيل الحكومة اليمنية.وهذا التعثر في عملية تنفيذ الاتفاق رسّخ إلى حدٍ بعيد الانقسام علىالأرض، فباتت محافظات الجنوب موزعة تحت سيطرة الأطراف المتصارعة، فيمايشبه الحكومات المصغرة المنفصلة عن بعضها، ليس فقط على المستوى الجغرافي،بل حتى على المستوى الاجتماعي الذي طغت عليه حالة من التمزق الخطير.ويخشى مراقبون أن يستمر هذا الواقع الجديد، الذي يبدو أن اتفاق الرياضعززه، حيث لم يكن هذا الاتفاق كما بدا أول الأمر أنه يسعى إلى إنهاءالانقسام، وهي اتهامات للاتفاق صدرت من قبل متابعين للمشهد على الأرض، لايؤكدها سوى التأخير الذي استغرقته عملية التنفيذ والتي تجاوزت عاماًكاملاً.هل فشل الاتفاق؟وفي حقيقة الأمر فإن اتفاق الرياض أصبح عقب التطورات العسكرية والسياسيةالأخيرة على المحك، حتى أن بعض السياسيين والمراقبين أعلنوا "وفاةالاتفاق" سريرياً على الأقل، في ظل تطورات أبين العسكرية الأخيرة.فمرور عام كامل، دون تحقيق أي تقدم فعلي أو حقيقي على المستوى السياسيوالعسكري، يوحي بأن اتفاق الرياض صعب التنفيذ، كأقل ما يمكن أن توصف بهعملية التعثر والعرقلة التي اعترت الاتفاق.كما أن هذه الفترة- الطويلة في نظر الكثير- تعتبر إحدى المثالب التي تؤخذعلى رعاة الاتفاق، من خلال عدم قدرتهم على إجبار الطرفين المعنيينبالاتفاق على الانصياع لبنوده وسرعة تنفيذها.لهذا يذهب كثير من المراقبين إلى التأكيد على أن الاتفاق دخل مرحلة "موتإكلينيكي", وربما تقود هذه المرحلة إلى فشله نهائياً في حالة استمرارهوفق هذه الآلية من عدم التنفيذ الفعلي.وفي هذه الحالة، فإن فشل الاتفاق يعني البحث عن سيناريو جديد لإدارةالمناطق المحررة، بعيداً عن التفاهمات السابقة، فبعد مرحلة الحكومةالشرعية من 2015 وحتى 2019، يبدو أن مرحلة اتفاق الرياض ستعقبها مرحلةسياسية مغايرة تماماً.الخيارات المتاحة أمام الانتقاليلا يتوقع مراقبون أن تنتهي مرحلة اتفاق الرياض قريباً، فقد تطول وتستمربناءً على الرغبة الإقليمية والدولية في بقاء الوضع كما هو.فبعد تحرير عدن والجنوب، كانت هناك عدة مراحل متداخلة مرت بها المنطقة،الأولى سيطرة الحكومة الشرعية بالمطلق (2015 - 2017)، تلتها مرحلة الصراعبين الشرعية والانتقالي (2017 - 2019)، وحالياً نعيش مرحلة اتفاق الرياض،التي يبدو أنه لن تقف عند حاجز العام، وهي عمر الاتفاق حالياً.وأبرز ملامح هذه المرحلة، هي (اللا دولة) إلا في جزر وأماكن محدودة منالمناطق المحررة، ومرحلة اللا دولة هذه، مجسدة بوضوح في عدن ومحافظاتالطوق التي تحيط بها.لهذا يقترح مؤيدو المجلس الانتقالي التحول إلى مرحلة "الإمساك بزمامالأمور" في ما يقع تحت سيطرته من محافظات.بل أن الكثيرين ذهبوا إلى أبعد من ذلك، حين نصحوا المجلس الانتقالي بتركاتفاق الرياض وشأنه، والانسحاب من مشاورات الحكومة الجديدة، والشروع فيتشكيل حكومة جنوبية مستقلة، لا علاقة لها بالشرعية.ويمكن لهذا الاقتراح إذا تحقق أن يثير الكثير من التساؤلات، حول قدرةالمجلس الانتقالي على الأخذ بزمام المبادرة، والإقدام على خطوة جريئةكهذه، قد تخلط الأوراق السياسية والعسكرية في الجنوب بشكل كامل، وتكرسلواقع يختلف حتى عن ذلك الواقع الذي رسخه اتفاق الرياض، قد لا يخلو منمزيد من الصراعات والمآسي الجديدة، وفق مراقبين.وواقعياً، فإن التأخير في تنفيذ اتفاق الرياض، قد يقود إلى مثل هذهالخطوة التي يفكر بها المجلس الانتقالي كثيراً، ويدفع مؤيديه منالسياسيين إلى والإعلاميين إلى "جس نبض" الشارع، من خلال تسريبها والحديثعنها عبر وسائل الإعلام، لمعرفة مدى تقبل المجتمع والمحيط، محلياًوإقليمياً، قبل اتخاذ الخطوات التنفيذية الفعلية.العودة إلى الإدارة الذاتيةولعل من أبرز الخيارات المتاحة أمام المجلس الانتقالي الجنوبي، باعتبارهالمسيطر الفعلي على محافظات عدن، لحج، الضالع، سقطرى، وأجزاء من أبين، هيالعودة إلى خيار "الإدارة الذاتية" للجنوب، والتي كان قد اتخذها أواخرأبريل الماضي.وهو الإجراء الذي اتخذه الانتقالي بعد المماطلة في تنفيذ اتفاق الرياض،بحسب قياداته ومؤيديه، الذين هللوا للخطوة التي سرعان ما تراجع عنهاالانتقالي بعد ثلاثة أشهر من الإقدام عليها.كان تبرير الانتقالي يكمن في أن الآلية الجديدة لتنفيذ اتفاق الرياض منشأنها التسريع في تطبيق بقية البنود، غير أن شيئاً من ذلك لم يحدث، وهوما قد يُغري الانتقالي بالعودة إلى هذا الخيار، الذي يبدو ممكناً جداً فيظل هذه الظروف الحالية.وخطوة الإدارة الذاتية تعتبر إحدى الخطوات التي تقترب من آلية وأسلوبالحكومة، لكنها لا ترتقي إليها، غير أنها أحد الأساليب التي يمكنللانتقالي من خلالها أن يشغل الفراغ الذي تركته الحكومة الشرعية وغيابشكل الدولة.ورغم أن الانتقالي وقواته هو المسئول عن طرد الحكومة من عدن، وبيده يكمنالحل بعودتها، إلا أن بإمكانه- بحسب مؤيديه- أن يضطلع بالمسئوليات التيتتطلب منه القيام بها، خاصةً في الجوانب الخدمية والمعيشية.وفي الوقت الذي يطالب أنصار الانتقالي بالإقدام على مثل هذه الخطوة، بلوأبعد منها من خلال تشكيل حكومة جنوبية ذاتية تفرض على المنطقة واقعاًجديداً، يختلف عما سبقه، ويُدخل الجنوب مرحلة مختلفة تماماً، إلا أنمناهضي الانتقالي ومعارضيه يشككون في قدرة الانتقالي على القيام بذلك.مسئوليات جسيمةومنطلق الطرح الذي يتبناه المشككون في قدرات المجلس الانتقالي الجنوبي،أن هذا الأخير لم يقدم أي جديد يذكر خلال الشهور الثلاثة التي أعلن فيهاالإدارة الذاتية، ولم ينجح في توفير أي من احتياجات المواطنين.ويشير منتقدو الانتقالي إلى أن ثمة صعوبة في النجاح، خاصةً وأن المجلس مازال متمسكاً بشماعة الحكومة اليمنية الشرعية، حتى وهي خارج إطار سيطرته،وما زال يعلق عليها مشكلات انعدام الخدمات وتوقف صرف المرتبات.وجميعها مسئوليات جسمية عجز عنها الانتقالي خلال فترة إعلان الإدارةالذاتية، بحسب المشككين، بل أنهم يذهبون إلى أبعد من هذا، من خلال مساءلةالمجلس عن الأموال التي كانت تورد إلى حسابات الإدارة الذاتية في البنكالأهلي، بدلاً من توريدها إلى البنك المركزي.وتلك الأموال التي كانت عبارة عن إيرادات عدد من المكاتب التنفيذية فيمديريات عدن وبقية المحافظات الخاضعة لسيطرة الانتقالي، والبالغة ملياراتالريالات، وفقاً لتقارير مالية مؤكدة، إلا أن الانتقالي لم يستطع القيامبواجباته الخدمية أو صرف المرتبات، بحسب معارضي الانتقالي.وظلت الخدمات العامة، كالمياه والكهرباء والمرتبات منعدمة تقريباً، منذخروج الحكومة في أغسطس 2019، وحتى اليوم تمر بحالة من عدم الاستقرار، بلأن خدمة الكهرباء ما زالت تنقطع في ظل شهور الشتاء، التي لم تعرف تردياًفي التيار الكهربائي إلا خلال فترة سيطرة الانتقالي.قدرات الانتقاليفي المقابل، يؤكد مؤيدو الانتقالي أن هذا الأخير بإمكانه أن يخوض غمارهذه الخطوة "الجريئة"، كما يصفونها، وأن يقوم بما هو أكثر من مجرد "إدارةذاتية"، وينتقل إلى ما هو أبعد منذ ذلك.حيث يقترح أنصار المجلس أن يعلن عن "حكومة انتقالية مصغرة"، تغادر عباءةاتفاق الرياض ومشاورات تشكيل الحكومة الجديدة، وينفرد المجلس بقرارهالذاتي والسياسي.ويرى أصحاب هذا الرأي أن الانتقالي قادر بما لديه من كفاءات وقيادات أنينفذ هذه الخطوة، وأنها لن تكون شبيهة بخطوة الإدارة الذاتية، التي قدتكون مجرد مناورة وضغط سياسي للتسريع بتنفيذ اتفاق الرياض، كما يقولون.ورغم أنهم يعتبرون تشكيل حكومة انتقالية "هروباً إلى الأمام"، إلا أنهالو تشكلت ستلتزم لجميع المواطنين بتوفير الاحتياجات والخدمات الأساسية،من خلال إيرادات المكاتب التنفيذية المختلفة، الواقعة في مناطق سيطرةالانتقالي.ويستشهد مناصرو المجلس بما يحدث في محافظات شرعية عديدة، مثل شبوة ومأربووداي حضرموت، والتي تعمل على إدارة مواردها بشكل ذاتي، وتوفير الخدماتوالاحتياجات الأساسية، وتحقيق التنمية التي يريدها المواطنون.وبإمكان الانتقالي- وفق رؤية مؤيديه- أن يضطلع بمسئولياته في محافظاتعدن، لحج، الضالع، وسقطرى، بل والتفوق على شبوة ومأرب، من خلال سيطرتهعلى أكثر من محافظة، وليس مجرد محافظة وحيدة.تكريس الانقساميؤكد متابعون للشئون المحلية، أن المشهد السياسي في حالة فشل اتفاقالرياض سيكون أكثر انقساماً وتشظياً، من خلال تكريس الانعزال الداخليللمحافظات اليمنية، الخاضعة تحت سيطرة المكونات السياسية المتناحرة.فبالنظر إلى خارطة المحافظات الجنوبية، وحتى بعض المحافظات الشمالية،سنرى أن ثمة تفككاً في الوحدة الجغرافية للبلاد، ففي أقصى الشرق تقعالمهرة بانعزالية تامة عن محيطها، فيما تعيش حضرموت "صراع الانتماء" بينالساحل والوادي، بينما تتميز شبوة بتنميتها وتطورها عن بقية جيرانها.وفي المقابل، تدفع أبين ثمن كل هذا الصراع باحتضانها لجولات القتالالمتلاحقة، بينما تقع الضالع ولحج وعدن تحت سيطرة المجلس الانتقالي في ظلتردٍ واضح للخدمات والاحتياجات.وهذا هو المشهد الذي من المتوقع أن يستمر وأن يظل طويلاً في حالة فشلاتفاق الرياض، وفشل رعاته في إجبار الأطراف الموقعة عليه بتنفيذه وتطبيقبنوده.وفي الوقت الذي لن يضير الحكومة الشرعية من تعزيز نفوذها وسيطرتها، فيشبوة ومأرب ووادي حضرموت، وتنمية تلك النواحي وتطويرها بالموارد التيتستخرجها والخاضعة لإدارتها، بل وجعل شبوة مقراً حكومياً يتوسط تلكالجهات الثلاث من معاقل الحكومة، سيبقى الانتقالي منعزلاً في قوقعتهالجنوبية، محاولاً النجاح في تجربته.وبذلك يكون الجنوب مقسماً بشكل رسمي، ما بين جهتين، شرقية وأخرى غربية،بينما تغرق كل من المهرة وسقطرى في الانعزالية التي تغري أطرافاً إقليميةودولية عديدة.وهو مشهد مأساوي، بالنظر إلى مستقبل الخدمات التي ينتظرها الناسوالمواطنون من تشكيل الحكومة الجديدة، حيث لا يتمنى أحد منهم أن يسقطاتفاق الرياض؛ باعتباره الأمل الباقي في عودة الحياة بكل طبيعتها إلىالجنوب.