آخر تحديث :الجمعة-26 أبريل 2024-08:37ص

ملفات وتحقيقات


تقرير: من أوقف صرف الرواتب؟

الأربعاء - 16 سبتمبر 2020 - 10:47 ص بتوقيت عدن

تقرير: من أوقف صرف الرواتب؟

(عدن الغد)خاص:

تقرير يبحث في مسئولية التحالف والشرعية والانتقالي بتوقف صرف مرتبات العسكريين والمدنيين..

كانت الرواتب مستمرة قبل وخلال حرب 2015.. فلماذا توقفت الآن؟

لماذا انتظمت الرواتب بعد نقل البنك المركزي إلى عدن؟

ما الذي حرص عليه بن دغر ومعين حتى تستمر المرتبات؟

التحالف.. الشرعية.. الانتقالي.. جميعهم في قفص الاتهام؟

ما هي الحلول الممكنة لصرف الرواتب؟

من أوقف صرف الرواتب؟

تقرير / بديع سلطان:

اندلعت الحرب في اليمن (مارس 2015) ولم تتوقف مرتبات كافة موظفي الدولة العسكريين والمدنيين على السواء، رغم استمرار القتال على مختلف الجبهات.
وتدخلت المملكة العربية السعودية في ما عُرف بـ(عاصفة الحزم)، في ظل صرف الرواتب بشكل متواصل وطبيعي وسلس في مختلف محافظات البلاد.
حتى أن سنوات ما بعد تحرير المحافظات الجنوبية من الحوثيين، شهدت انتظاماً لعمليات صرف المرتبات، دون أن يكدرها أي طارئ.
بل أنها كانت أكثر انتظاماً وسلاسة خلال الحرب؛ نظراً لما ارتبط بها من معاناة إنسانية وتدهور معيشي رافق جميع قطاعات الحياة، حتى انتشر لدى الناس حينها أن الأطراف المتصارعة تُراعي حرمة الراتب، ولم تزج به في أتون صراعاتها السياسية والعسكرية.
مثلت الرواتب وقتها سلاحاً مهماً في مواجهة الأعباء والتداعيات الاقتصادية والمعيشية للحرب، وشكل استمرارها أحد الأسباب التي ساعدت اليمنيين على مواجهة تبعات هذا الصراع.
ولم يدر في خلد المواطنين، وموظفي الدولة المدنيين والعسكريين، أن يأتي يوم عليهم، أو يمر شهر دون أن يتسلموا مرتباتهم ومعاشاتهم، كان ذلك في خضم اشتداد القتال على كل الجبهات.

إيقاف ثم تأرجح!
استمر صرف مرتبات موظفي الدولة في اليمن، ما دامت خزينة البنك المركزي اليمني الذي يسيطر عليه الانقلابيون الحوثيون مليئة.
غير أن استنزاف المليشيات لموارد البنك، وتوظيفها في مجهودهم الحربي والعسكري، صفّر عدادات البنك، وتوقفت بسبب ذلك مرتبات نسبة كبيرة من موظفي الدولة، خاصةً أولئك القابعين في مناطق سيطرة الحوثيين.
هذا الوضع تطلب تحركاً حكومياً لمواجهة هذه المعضلة التي لم يتعود عليها اليمنيون، فالمرتبات لم تتوقف أو تنقطع حتى مع استمرار الحرب.
كانت الأزمة عاتية على أغلب موظفي الدولة ممن لم يتوقعوا أن تنقطع مرتباتهم في ظل الحرب والأوضاع المعيشية الصعبة التي نتجت عنها، خاصةً التربويين والمعلمين في مناطق سيطرة الانقلابيين.
فكان لزاماً على الحكومة الشرعية ممثلةً برئاسة الوزراء أن تعمل على نقل المركز الرئيسي للبنك المركزي اليمني من صنعاء إلى العاصمة المؤقتة عدن (سبتمبر 2016)، أو هكذا ارتأت أن تعمل حكومة الدكتور أحمد عبيد بن دغر حينها.
ومنذ ذلك الحين، تأرجحت عملية صرف المرتبات، غير أنها لم تتوقف مرةً أخرى بعد ذلك، عقب نقل البنك إلى عدن وتعيين مجلس إدارة جديد؛ لتسيير شئونه.

ما الذي تحقق بنقل البنك؟
برر رئيس الحكومة اليمنية بن دغر الإجراءات التي اتخذتها السلطات السياسية، والمتعلقة بإعادة هيكلة البنك المركزي ونقل مقره من صنعاء إلى عدن، بأنها جاءت لإنقاذ الاقتصاد اليمني من الانهيار.
ومن المؤكد أن عبث الحوثيين حينها بخزينة الدولة هو ما دفع نحو هذا الإجراء، الذي لاقى معارضةً عديدة وكبيرة من قبل خبراء الاقتصاد والمختصين.
غير أن بن دغر، ربط هذه الخطوات بمرتبات الموظفين، حين علل هذه الخطوات الحكومية بأنها جاءت نتيجة قيام سلطات الأمر الواقع في صنعاء بإيقاف مرتبات الموظفين في المناطق المحررة، إلى جانب إيقافهم النفقات التشغيلية للمؤسسات الحكومية.
وأكد أن قرار البنك المركزي، جاء استشعارًا من الحكومة لمسؤوليتها تجاه جميع فئات الشعب اليمني، وقال وقتها: "إن البنك ومنذ أشهر عديدة لم يرسل مرتبات الموظفين في المناطق المحررة وأن الميليشيا الانقلابية استنزفت أموال الدولة في تمويل المجهود الحربي، وأن الحكومة سوف تعمل على إعادة ترتيب إدارة البنك ورفده بالموارد اللازمة لتغطية الاحتياجات والنفقات لموظفي الدولة، مدنيين وعسكريين".
معارضو عملية نقل البنك المركزي اليمني إلى عدن يحملون الحكومة الكثير من المشاكل الاقتصادية التي تحدث اليوم؛ ويقولون إنها حدثت بسبب عملية النقل هذه.
غير أنهم أغلفوا عملية انتظام صرف المرتبات منذ ذلك الحين، والتي لم تتوقف إلا قبل نحو ما يزيد على عام، ولعل هذا أبرز ما تحقق بنقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن، وهو استمرار صرف الرواتب مدنياً وعسكرياً، رغم وجود العديد من المشكلات الاقتصادية الأخرى.

استقرار مستمر
إحدى علامات وجود الدولة، في أي مكان من العالم، قدرتها على تأمين معاشات شهرية منتظمة لموظفيها والمنتسبين للجهاز الإداري والخدمي الحكومي.
ولعل هذا ما نجحت به حكومة الشرعية اليمنية، بغض النظر عن الكثير من الممارسات والإجراءات الاقتصادية التي انتهجتها ونتج عنها معضلات هنا أو هناك.
لكن الراتب ظل مستمراً، وحقق استقراراً ليس فقط في عهد حكومة بن دغر، بل واصل مسيرة الاستقرار حتى في عهد خلفه الدكتور معين عبدالملك.
وبحسب اقتصاديين فإن الحكومتين جعلتا من أقصى أولوياتهما توفير وتأمين المرتبات بحيث لا يشعر المواطنون ومنتسبو أجهزة الدولة بأي فراغ في هذا الشأن، خاصةً في ظل أزمات إنسانية ومعيشية؛ تسببت بها الحرب.
وتوازى عمل الحكومتين مع اتهاماتٍ عديدة طالت أعضاء في الحكومتين ووزراء بالتورط في تجاوزات مالية وفساد، إلا أن كل ذلك لم يؤثر على عملية انتظام المرتبات، التي كانت منتظمة دون أية منغصات.

ما بعد أغسطس 2019
مثلت أحداث أغسطس 2019 الدموية نقطة فاصلة في مسيرة مرتبات الموظفين اليمنيين المدنيين والعسكريين، حيث أن ما قبل هذا التاريخ ليس كما بعده، ليس فقط على المستوى السياسي والعسكري، بل وحتى الاقتصادي والمعيشي.
فسيطرة قوات المجلس الانتقالي الجنوبي على مدينة عدن، وإخراج (أو طرد) الحكومة الشرعية منها؛ أدى إلى إحداث تغير عنيف في الشئون الخدمية، هذا التغير كان نحو الأسوأ.
حيث تردت أوضاع الخدمات والاحتياجات الأساسية، وعلى رأسها المرتبات، وتراجعت إلى درجة الانعدام، خاصةً فيما يتعلق برواتب العسكريين ومنتسبي الوحدات الأمنية في مدينة عدن ومحافظات الجنوب.
وفي الوقت الذي كان الانتقالي وقواته وإعلاميوه يحملون الحكومة الشرعية مسئولية توقف المرتبات وتأخر صرفها لشهور عديدة، كانت مفاوضات الرياض بين الجانبين تجري على قدمٍ وساق، حتى انتهت بتوقيع اتفاق سُمي باسم العاصمة السعودية (نوفمبر 2019).
تعددت بنود اتفاق الرياض، ما بين عسكرية وسياسية واقتصادية، غير أن البند الوحيد الذي تم تنفيذه، أو سمح بتنفيذه الانتقالي، هو عودة فريق مصغر من الحكومة اليمنية إلى عدن، على رأسها رئيس الوزراء الدكتور معين، ووزراء المالية وبعض الوزارات الخدمية، وكان هدف الفريق المصغر صرف المرتبات المتوقفة حينها.

توقف المرتبات من جديد
صرف المرتبات حينها بعد عودة الفريق الحكومي المصغر لم يدم طويلاً، فما هي إلا شهور حتى اندلعت مواجهات أبين، ومحاولات القوات الحكومية العودة مجدداً إلى عدن، بعد تعثر تنفيذ كافة بنود اتفاق الرياض.
وهو ما دفع الفريق الحكومي المصغر لمغادرة عدن، وتوقفت المرتبات مرةً أخرى، وهو ما كان جلياً منذ بداية العام الجاري 2020، حيث لم يتسلم منتسبو المرافق المدنية والعسكرية على السواء مرتباتهم.
وهو ما دفع قدامى المحاربين، أو العسكريين المتقاعدين إلى تنظيم اعتصام مفتوح، مستمر حتى اليوم، أمام بوابة مقر قيادة التحالف العربي في مديرية البريقة غرب عدن، مهددين بالتصعيد ما لم يستجب لمطالبهم، وعلى رأسها صرف المرتبات المتأخرة منذ بداية العام.
وهذا الاعتصام للعسكريين أمام مقر التحالف العربي، يقودنا إلى تساؤلات عديدة، حول هوية الجهة المسئولة عن إيقاف صرف المرتبات، والتي تشترك فيها ثلاث جهات أساسية تشكل مثلث الأزمات والصراعات في اليمن منذ ست سنوات.
فهل هي حكومة الشرعية اليمنية، أم هو المجلس الانتقالي الجنوبي، أم التحالف العربي؟.

الشرعية.. ما لها وما عليها؟
هناك العديد من المتابعين يحملون الحكومة اليمنية مسئولية توقف رواتب كافة الموظفين المدنيين، ومنتسبي الجيش والأمن، من منطلق التزامها السلطوي كحكومة.
حتى أن البعض تطرف في هذا الاتجاه، ومضى بعيداً ليتهم الحكومة بأنها تعمدت إيقاف المرتبات على المواطنين، ومعاقبة كل من وقف مع الانتقالي وقواته حين سيطر هذا الأخير على عدن، عقب أحداث أغسطس 2019.
وهذا الطرح الذي تبناه إعلاميو وأنصار الانتقالي، وجد له صدى واسعا بين أوساط شريحة كبيرة من المواطنين، باعتبار أن الحكومة عليها التزام أخلاقي وقانوني؛ نظراً لصفتها الشرعية تجاه الوطن والمواطن.
غير أن هناك في المقابل من يفند كل تلك المسئولية وينفضها عن كاهل الحكومة الشرعية، ما بعد أحداث أغسطس 2019، حيث يتبنى هؤلاء الرأي القائل أن الحكومة كانت ملتزمة ومستمرة في صرف المرتبات حتى تم طردها من مؤسساتها ومرافقها في مدينة عدن.
ويبرر أصحاب هذا الرأي أن الوزارات والمؤسسات الإيرادية أصبحت خارج سيطرة الحكومة، وأنها أصبحت بيد الانتقالي وقواته، فعلى هذا الأخير تولي هذه المسئولية ما دام ممسكاً بزمام تلك المؤسسات.
ويزيد آخرون بالإشارة إلى أن اتفاق الرياض أسقط عن الحكومة أية التزامات، نتيجة أن بنود الاتفاق تنص على عودة الحكومة إلى عدن لصرف المرتبات وتولي مهام مؤسساتها هناك.
وما لم يتم تنفيذ هذا البند، فمن الطبيعي أن تبقى الأوضاع كما هي عليه حتى يتم التنفيذ، أو حتى تتوصل الأطراف إلى اتفاقٍ يقضي بتشكيل الحكومة الجديدة، التي ستتولى مهمة صرف المرتبات، بحسب آراء كثيرين.
وحتى ذلك الحين- وقت تشكيل الحكومة الجديدة- لا يمكن اتهام هذه الحكومة بالتقصير في صرف المرتبات، لأنها مجرد حكومة تصريف أعمال.

قدرة الانتقالي على صرف المرتبات
يُحمّل كثيرون- بينهم جنوبيون- المجلس الانتقالي مسئولية توقف صرف المرتبات وتأخرها، كما يحملونه مسئولية التردي الخدمي والتنموي الذي تعيشه عدن وما جاورها.
ويستغرب مراقبون من قيام الانتقالي باتهام الحكومة بإيقاف المرتبات بينما هو من أخرجها وطردها من عدن، وسيطر على مؤسساتها الإيرادية، بل وأعلن الإدارة الذاتية، وحول إيرادات المرافق العامة إلى حسابات خاصة في البنك الأهلي بدلاً عن حساباتها في البنك المركزي.
ولهذا اقترح اقتصاديون أن يقوم الانتقالي بصرف مرتبات العسكريين والأمنيين وحتى قدامى المحاربين من تلك الإيرادات المالية التي بلغت بحسب مصادر إعلامية مليارات الريالات، هي حصيلة ثلاثة أشهر من الإدارة الذاتية.
بينما يتحدث أنصار الانتقالي عن عدم مقدرة المجلس على صرف المرتبات في كلا القطاعين العسكري والمدني، نظراً لالتزاماته الكثيرة تجاه الأوضاع الخدمية والتنموية، وهو ما تم الترويج له بالفعل من قبل إعلاميي الانتقالي بداية إعلان الإدارة الذاتية.
كما أن المجلس الانتقالي عبارة عن مكون سياسي له أهداف وغايات مختلفة عن مهام والتزامات حكومة تجاه رعاياها، بحسب طرح البعض.

قدرات التحالف العربي
الضلع الثالث في أضلاع مثلث المسئولية يتجسد في التحالف العربي، هذا الكيان الذي جاء إلى اليمن، وتدخل في حربها، وأطلق ما أسماها عملية (إعادة الأمل)، يتعرض دوره هو الآخر لانتقادات.
فباعتبار التحالف المسيطر الأول على مقدرات البلاد، ومنافذه الجوية والبحرية والجوية، والمتحكم في مرافق الاستيراد والتصدير، لاقى الكثير من اللوم والاتهام من قبل المواطنين، قبل خبراء الاقتصاد.
حيث يرى محللون أن التحالف العربي ملزم ومسئول بصرف المرتبات؛ نظراً لمسئوليته الأخلاقية، كنتيجة لتورطه وتدخله في الحرب، واعتباره أحد الأطراف المعنية بهذه المشكلة.
وحتى وإن لم تكن المسئولية مباشرة، أو أنه ليس مطالباً بصرف المرتبات من أمواله، فعلى الأقل بإمكان التحالف أن يضغط على الحكومة الشرعية أو المجلس الانتقالي للإفراج عن المرتبات وصرفها للأمنيين والعسكريين.
خاصةً وأن قائدة التحالف العربي، المملكة العربية السعودية، تتكفل- ومنذ عقود طويلة- بمرتبات الجيش اليمني منذ نهاية ستينيات القرن الماضي، وبعد اتفاق تقاسم السلطة بين الملكيين والجمهوريين في شمال اليمن.
كما أن الرياض مستمرة في دفع مرتبات العسكريين ومنتسبي الأمن التابعين للحكومة الشرعية، ما بعد 2015، في مختلف محافظات البلاد، شمالها وجنوبها.
ويبدو ان هذا الإرث هو ما جعل عسكريي الجنوب القدامى يتجهون للاعتصام أمام مقر التحالف العربي؛ للحصول على مثل هذه الفرصة.
فالأمر ليس جديداً على التحالف إذن، لتحقيق استقرار دائم في مرتبات العسكريين وحتى المدنيين، فقدراته المالية تسمح له بمثل هذه المبادرة التي ينتظرها الكثيرون.

في انتظار الفرج
ثمة الكثير من الحلول الممكنة التي يمكن من خلالها إعادة الانتظام إلى مسيرة صرف المرتبات في اليمن، والجنوب تحديداً.
أول تلك الحلول هو أن تعود الحكومة إلى عدن، وتباشر إدارة وتسيير إيرادات المرافق الحكومية، وتوجيهها لصرف الرواتب المتأخرة، مع الحرص على رقابة العملية من سيطرة وتغول الفاسدين.
لكن هذا الحل يحتاج إلى قبول وموافقة الانتقالي وقواته، المسيطرة على مؤسسات الدولة ومرافقها.
كما أن هناك رؤية أخرى تكمن في تسريع الفرقاء في الرياض بالتوصل إلى اتفاق يفضي إلى تشكيل الحكومة الجديدة، التي ينتظرها الجميع لتعديل الأوضاع المتدهورة في مختلف المجالات الخدمية والتنموية، وتحديداً ما يتعلق بصرف المرتبات.
ومن الحلول الممكنة أيضاً تكفل التحالف العربي بصرف مرتبات الموظفين كافة، مدنيين وعسكريين، عطفاً على مسئولياته.
وبين الأطراف الثلاثة الرئيسية يبقى الموظفون المدنيون والعسكريون في انتظار الفرج، لعل القادم يحمل معه بشارات التوصل إلى حلول واتفاقات تنهي حالات الصراع، وتؤسس لاستقرار دائم.