آخر تحديث :الجمعة-26 أبريل 2024-06:23م

ملفات وتحقيقات


"عدن الغد " تنفرد بنشر مذكرات ( ذاكرة وطن جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية 1967-1990) للرئيس علي ناصر محمد الحلقة ( الثامنة )

الجمعة - 14 أغسطس 2020 - 08:54 م بتوقيت عدن

"عدن الغد " تنفرد بنشر مذكرات ( ذاكرة وطن جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية 1967-1990) للرئيس علي ناصر محمد الحلقة ( الثامنة )

عدن(عدن الغد ) متابعة وترتيب / الخضر عبدالله :

شهد باب المندب في السنوات اللاحقة عدة أحداث ونزاعات. في  يونيو 1971م .. ما الاسباب ؟

تنفرد ( عدن الغد ) بصحيفتها الورقية وموقعها أللالكتروني بنشر أبرز وأهم المذكرات االتي سبق لــ" عدن الغد " أن قامت بنشر ها ( ذاكرة وطن - والطريق إلى عدن - القطار .. رحلة إلى الغرب- وعدن التاريخ والحضارة  ) للرئيس علي ناصر محمد .

وفي هذه المرة ستقوم " عدن الغد " بنشر مذكرات جديدة من حياته ( جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية 1967-1990 ) .

وتعد هذه المذكرات الجزء الخامس  من محطات وتاريخ الرئيس الأسبق علي ناصر محمد رئيس جمهورية اليمن الديمقراطية .

حيث يذكر لنا في مذكراته  عن  وقائع وأحداث وتغيرات  المت  بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية من عام (67- 90م )  حيث يقول الرئيس ناصر :" لا شك في أنّ قارئ هذه المذكرات سيجد نفسه مشدوداً إلى الماضي ومستغرقاً فيه، وربما تولّد لديه انطباع قوي بأنّ تجربة اليمن الديمقراطية لم تكن سوى صراعات عنيفة من أجل السلطة أو في سبيلها، وأنّ صفحات هذه التجربة لا تحمل ما يمكن الاعتزاز به، فضلاً عن أنْ ليس في تقديمها ما يمكن الاستفادة منه والتعويل عليه أو التفاؤل به... بقية التفاصيل من المذكرات  نسردها في أثناء السطور  وإليكم  ما جاء فيها ..

شهد باب المندب في السنوات اللاحقة عدة أحداث ونزاعات. في  يونيو 1971م .. ما الاسباب ؟

النَّسر الأميركي والدُّب الروسي

يحدثنا الرئيس الأسبق لليمن الجنوبي علي ناصر محمد في هذا العدد عن الأحداث التي شهدها بـ( باب المندب )  حيث يقول :" شهد باب المندب في السنوات اللاحقة عدة أحداث ونزاعات. ففي 11 حزيران/ يونيو 1971م، بينما كانت الباخرة الليبيرية كورال سي، المؤجَّرة من طرف إسرائيل، وحمولتها 30,000 طن، متجهة نحو ميناء إيلات، تعبر مضيق باب المندب، اعترض طريقها زورق صغير بقيادة تيسير قبعة، وقذفها بالـ"آر بي جي"، فدُمِّر الزورق. وقد تبنّت هذا الهجوم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ووجدت إسرائيل في ذلك ذريعة لإخراج بعض سفنها الحربية إلى هذا البحر. وفي حرب أكتوبر 1973، أُغلق مضيق باب المندب باتفاق بين مصر وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، ولم يُفتَح إلا في الثالث عشر من شهر كانون الأول/ ديسمبر من السنة ذاتها، بعد اتفاق وقف إطلاق النار بين مصر وإسرائيل المؤرخ في 11 تشرين الأول/ نوفمبر 1973م(*)، وقد انتقلت بعض السفن الحربية المصرية إلى عدن والى جزيرة بريم لنقل المياه والمواد الغذائية للقوات التابعة لمصر في الغردقة وشواطئ البحر الأحمر. بعد هذا الموقف، استقبل الرئيسُ المصري أنور السادات، الرئيسَ سالم ربيع علي ليشكره على موقف اليمن الديمقراطية في حرب أكتوبر، وأبدى استعداده لتطوير الجزيرة وتوفير الماء لها، وبناء التحصينات الدفاعية، وقد أرسل وفداً عسكرياً رفيع المستوى من مختلف الأسلحة لهذا الغرض إلى عدن وإلى جزيرة بريم، لدراسة أوضاعها ومتطلباتها. لكنّ الأمور توقفت عند هذا الحد، بعد أن دخل على الخط النسر الأميركي في مواجهة الغزل المصري والدب الروسي (1) .

موسكو وملاحقة الملاحة الدولية لباب المندب

وحول اساليب دولة موسكو في البحث عن ملاحقة الملاحة البحرية الدولية يقول الرئيس ناصر :" كانت موسكو قد بدأت هي الأخرى تلتفت إلى الأهمية التي يشكلها باب المندب للملاحة الدولية، وأهمية موقع جزيرة بريم الاستراتيجي، فأخذت هي الأخرى تبدي اهتماماً متزايداً بالجزيرة، ووعدت بتقديم مختلف أشكال الدعم العسكري لبناء تحصينات ودفاعات في الجزيرة، وتحويلها إلى قلعة لا تُخترَق أمام التهديدات الإسرائيلية والأميركية.

في لقاء جرى بيني وبين وزير الدفاع السوفياتي حينها، الماريشال جريتيشكو في مكتبه بوزارة الدفاع في موسكو، قال لي:

"أنتم بعيدون عنا، ولكن ذراع الاتحاد السوفياتي طويلة. عليكم حماية البر، وعلينا حماية البحر" (في إشارة إلى الجُزر).

وأشار إلى الهاتف الأحمر على مكتبه، وقال:

"لقد أصدرنا أمرنا عبر هذا الخط باحتلال براغ، وفي ساعتين كانت قواتنا هناك، إذ حميناها من الانحراف، وحافظنا على خطها ونهجها الأممي". كان يشير بذلك إلى الأحداث التي جرت في تشيكوسلوفاكيا في ما عُرف في العالم بربيع براغ، عام 1968.

حضر اللقاء معي صالح أبو بكر بن حسينون، ومحمد مفتاح عبد الرب، وقد علّق بن حسينون بعد ذلك على اهتمام السوفيات بجزيرة بريم، قائلاً: "لبوهم الراعة(2) كأنها - الجزيرة - طلعت من البحر فجأة بعد حرب 1973م".

من ميون إلى كمران

بعد الحديث عن  احداث باب المندب يقلنا الرئيس ناصر إلى زيارته إلى جزيرة كمران حيث قال :" بعد أربعة أيام أمضيناها في بريم (3)، حان موعد المغادرة إلى جزيرة كمران والجزر الأخرى. كانت الساعة العاشرة من مساء 13/12/1967م، وضوء القمر المنعكس على صفحة مياه باب المندب الزرقاء يرسم لوحة زيتية جميلة يعجز أيّ فنان أن يبدع مثلها. وقفنا جميعاً على سطح الزورق نرمق بأنظارنا جزيرة ميون التي أخذت تختفي تدريجاً في لجّة من البحر الأزرق وسواد الليل، ومعها الأضواء الخافتة في الجزيرة.

أخذت تظهر بين وقت وآخر أضواء السفن، عابرةً المحيطات، وبعض السفن والزوارق الصغيرة التي تعبر مضيق باب المندب والبحر الأحمر، ذلك الشق الهائل الذي يجمع بين البحر المتوسط والمحيط الهندي من طريق قناة السويس ومضيق قوبال Gubal ومضيق باب المندب، ومن طريقه تصل البواخر إلى خليج عدن والمحيط الهندي. ويُعَدّ من أدفأ البحار في العالم، وأكثرها احتواءً على تنوع كبير من الموارد الحيّة (4)  .

المخاطرة مع الرياح والامواج المتلاطمة

حول رحلة المخاطرة مع الاواج  المتلاطمة والرياح الشديدة في البحر يشير بالقول :" يبدو أنّ الرياح والأمواج قررت هذه المرة مشاكستنا، مشاكسة محفوفة بالمخاطر، وكأنها تختبر جلَدنا في هذه الرحلة الليلية، وكدنا نتعرض للغرق عندما أوكل قائد الزورق دفة القيادة إلى أحد مساعديه، فعجز عن مواجهة عاصفة مفاجئة من الأمواج. لكنّ ذلك لم يدم إلا لوقت قصير، إذ سرعان ما عاد إلى البحر صفاؤه وهدوءُه الجميل، إلى درجة أننا خلدنا إلى النوم بلا خوف. ولأن الجوّ كان حاراً في جوف الزورق، انتقلتُ إلى السطح أبحث عن نسمة هواء بحرية أملأ بها صدري. كان هدير محرك الزورق، وهدير أمواج البحر، وصوت المياه التي يحركها في الأسفل، هي الوحيدة التي تعكّر سكون الليل.

فرحة بحارة الزورق بالوصول إلى جزيرة أرخبيل ( زقر )

وعن الوصول إلى جزيرة أرخبيل ( زقر ) يردف قائلاً :" بعد تناول طعام السَّحور خلدنا إلى الراحة، ولم أفق إلا على صوت بحارة الزورق وهم يصيحون بفرح: "نحن في أرخبيل حنيش وجبل زقر". صعدتُ إلى السطح، ورأيتُ "الفنار". لم تكن حنيش ضمن مهمتنا، لكننا كنّا نحمل رسائل لعمال الفنار، أرسلها أهاليهم معنا، وبعض المواد الغذائية والوقود حيث أنزلناها. كانت فرحتهم كبيرة بنا نحن القادمين من عدن الحبيبة الخارجة من معارك حرب التحرير ضد الاحتلال، والتي تعيش أفراح الاستقلال وأعراس النصر. أما عمال ذلك الفنار الذين يتبعون مصلحة ميناء عدن، فقد احتفلوا بهذه المناسبة الغالية على طريقتهم الخاصة.

ويضيف :" تقع مجموعة جزر حنيش، التي تُسمى أيضاً أرخبيل حنيش، عند المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، في مواجهة باب المندب، وتخضع لسيادة جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية. يوم زرتها لم تكن هناك دعاوى لإريتريا بتابعية الجزيرة لها، إذ لم تكن هناك دولة بهذا الاسم، بل كانت إريتريا جزءاً من الإمبراطورية الإثيوبية التي لم تُثر في يوم من الأيام أية مشكلة مع اليمن بشأن هذا الأرخبيل. وفي تلك المنطقة أيضاً مجموعة أخرى من الجزر الأقل أهمية، مثل جزيرة "أبو عيل"، وجزيرة "زقر" التي مررنا بها، وجزيرة "كمران" التي كنا في الطريق إليها.

لكن فيما بعد، وبعد انفصال إريتريا عن إثيوبيا، واستقلالها عام 1991م، أقدمت على احتلال جزيرة حنيش الكبرى اليمنية في كانون الأول/ ديسمبر عام 1995م. وهذا الأرخبيل لا يقلّ أهمية بالنسبة إلى الملاحة عن باب المندب وجزيرة بريم .(5) .

انطلاق الغزال

ويتابع في الحديث مسترسلاً :" انطلق بنا "الغزال" من جديد وسط أمواج شديدة تكبر وتكبر، ورفرفة نوارس البحر التي ودعتنا حتى مسافة محددة قبل أن تعود إلى الشاطئ. وكان الصيام والحرّ الشديد يزيدان من عطشنا ومن صعوبة السفر، فنال منّا الإرهاق أبلغ حدّ، لكنه لم يثننا عن مواصلة رحلتنا نحو جزيرة كمران. كنّا ما بين الشمس والبحر، لكن بين حين وآخر كانت بعض الجزر الصغيرة تطل برأسها وتخرجه رويداً رويداً. ومن بعيد كانت تتراءى لنا بعض القُرى والمدن المتناثرة على الشاطئ، وأهمها مدينة الحديدة التي كانت بيوتها تبدو من بعيد جميلة.

كانت الشمس تأفل نحو المغيب، لكنها حين اختفت خلّفت وراءها غسقاً أحمر، كأنها ذاهبة لتستحمّ في قعر البحر، وهي تفعل ذلك هنا منذ آلاف السنين.

الوصول إلى ميناء الصليف

وحول الوصول إلى ميناء الصليف يقول :" أخذنا نقترب من جزيرة كمران (6)، وعلى يميننا كنا نشاهد ميناء "الصليف"، واستقرّ الزورق في مرساه الجديد في الميناء الصغير، حيث كان في استقبالنا مسؤولو الجزيرة ومواطنوها وهم يهتفون للثورة، ويلوّحون بأيديهم ترحيباً بنا. وكالعادة، كان حرس الشرف يصطفّ في طابور طويل. وفي مقدمة الجميع الشاب المناضل الفدائي عبد الله محمد الكمراني، الذي قدم من عدن مع أخيه إبراهيم الذي أصبح قائداً ــ فيما بعد ــ للواء الصواريخ، والذي استُشهد (رحمه الله) في أحداث كانون الثاني/ يناير 1986م.

ويقول :" كان عبد الله الكمراني يلبس ملابس كاكية، وقبعة ليس لها علاقة بزيّ الجيش أو الشرطة أو الأمن أو الميليشيا. وبعد مراسم الاستقبال والترحيب الشعبي الحارّ الذي خفّف من متاعب الرحلة والإرهاق الذي كنا نعانيه، صحبنا مضيفونا إلى "دار الضيافة"، وكان هو نفسه سكن الضابط البريطاني، أو ما يطلق عليه "الملك غير المتوج" (7)  في الجزيرة.    ( للحديث بقية ) .

------------------------------------------------------------

هوامش /

(*) د. إدريس الضحاك: قانون البحار وتطبيقاته في الدول العربية، الطبعة الاولى، 1987م، ص 434.

(1) كان ذلك في أوج الحرب الباردة بين الشرق والغرب، التي بدأت عام 1949م حين أعلن تأسيس حلف شماليّ الاطلسي (الناتو)، وانتهت عام 1991م من القرن الماضي، حين أعلن حلّ حلف وارسو. 

2- لبوهم الراعة : مصيبة.

3- التي كانت مقسَّمة الى ميون سركالي وميوني كومبني، وفيها مقرّ الحاكم البريطاني، وميون بتون حيث يقع الفنار. وهذه التسميات استمرت حتى الاستقلال، واستُبدلت بها لاحقاً تسمية ميون الشعب وميون الثورة وميون بتون.

4- يبلغ طول البحر الأحمر من الشمال الغربي عند السويس (عند 300N) إلى مضيق باب المندب (عند 120 300  نحو 1200  ميل، أي نحو1930  كيلومتراً. أما عرضه، فيراوح ما بين 280كم2 - 360كم2. أما مساحته الكلية فتبلغ43000   كيلومتر مربع.

5-هي أهم الجزر الاستراتيجية في المنطقة، إذ إنها تشطر المجرى المائي إلى قناتين: قناة شرقية عرضها ميلان، وعمقها أقل من 1000 قدم، وقناة غربية عرضها 9 أميال، وعمقها 1000 قدم، تسير الملاحة عبرها غالباً. 

6- كان عدد سكانها عام 1967م 4500 نسمة، غير أنه انحدر في عام 2006م إلى 2512 نسمة، بحسب آخر تعداد سكاني، ويعود ذلك إلى هجرة الأسر من الجزيرة نحو اليابسة والبر، ولو كانت الأوضاع مطمئنة لمّا هاجر الناس. المصدر: عرفات مدابش، موقع التغيير "كمران جزيرة منسية": 4/12/2006.

7- يوجد في الجزيرة ثلاث تجمعات سكانية ، فإلى جانب العاصمة كمران يوجد قرية مكرم عند الساحل الغربي وتبعد 8 كم عن العاصمة وهي موقع لتجمع الصيادين ، وفي اقصى الجنوب تقع قرية اليمن وفي نهاية الجنوب الغربي يوجد واحد من اجمل المواقع الشاطئة في الجزيرة وهو عبارة عن واحة من اشجار النخيل والدوم ، وشواطئها رملية صافية ومياهها زرقاء.