آخر تحديث :الجمعة-26 أبريل 2024-04:22م

ملفات وتحقيقات


تقرير يتناول عوامل نجاح أو فشل الاتفاق الأخير الذي توصلت إليه الحكومة والانتقالي.. اتفاق الرياض.. هل يمر؟!

الأربعاء - 29 يوليه 2020 - 11:27 ص بتوقيت عدن

تقرير يتناول عوامل نجاح أو فشل الاتفاق الأخير الذي توصلت إليه الحكومة والانتقالي.. اتفاق الرياض.. هل يمر؟!

- هل حان وقت تطبيق اتفاق الرياض بالفعل؟

- ما هي أبرز التحديات أمام تنفيذ الاتفاق؟

- هل سينجح المحافظ الجديد في تحريك مياه عدن الراكدة؟

- ما هي مخاطر تعثر الاتفاق مجدداً؟

 

تقرير / بديع سلطان:

 

أخيرًا.. بعد نحو عامٍ كامل، بدأت بوادر تطبيق اتفاق الرياض تلوح في الأفق، عقب أنباء واردة من العاصمة السعودية الرياض؛ بقرب التوصل إلى توافقٍ حول مرحلة سياسية جديدة.

 

ويبدو أن هذا الماراثون الطويل من المشاورات التي بدأت في أكتوبر 2019، بعد حوالي شهرين من المواجهات العنيفة التي شهدتها عدن في أغسطس من نفس العام، وتوجت بتوقيع الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي اتفاق الرياض في الخامس من نوفمبر 2019، قارب على الوصول إلى خط النهاية.

 

كانت أبرز ملامح هذا الماراثون أنه مرّ بالعديد من المحطات البارزة، التي تسببت بعرقلة تنفيذ الاتفاق على الأرض، المبني على تفسير خاص لكل طرف وتأويله لبنود الاتفاق.

 

ولعل أبرز الإشكاليات تمثلت في أولويات التنفيذ، التي تراها الحكومة اليمنية متجسدة في البنود العسكرية والأمنية؛ ربما طمعاً في استعادة سيطرتها على عدن، بينما ينظر الانتقالي إلى البنود السياسية من الاتفاق؛ ربما لتكريس سعيه نحو مشاركة الشرعية في الحكومة.

 

وما تم تسريبه من معلومات حول تفاصيل الاتفاق الجديد- الذي لا يعدو عن كونه تكملة للاتفاق القديم- لا يعالج جميع تلك الاشكاليات فحسب، ولكنه أيضاً يوقف كل ما استجد من خطوات وإجراءات حدثت خلال فترة التعثر الماضية من كلا الطرفين.

 

فمنذ نهاية العام الماضي، والنصف الأول من العام الجاري استجدت الكثير من التطورات التي رأى رعاة الاتفاق ضرورة إزالة آثارها حتى يمضي الاتفاق نحو التنفيذ، وفقاً لبنوده الأصلية السابقة.

 

فلم تعد أحداث أغسطس 2019، هي المحور الأساسي التي بنيت عليه اتفاقية الرياض، فمنذ ذلك الحين، وخلال فترة سيطرة المجلس الانتقالي على عدن وما جاورها من محافظات، دفعت المجلس لاتخاذ العديد من الخطوات والإجراءات؛ ساهمت في مزيد من عرقلة تنفيذ الاتفاق.

 

كانت الإدارة الذاتية، وما تضمنتها من تحويل إيرادات المرافق الحكومية إلى حسابات خاصة بها، بالإضافة إلى احتجاز أموال الحاويات البنكية، كل ذلك فاقم في منع تنفيذ اتفاق الرياض.

 

ولم يكن الانتقالي وحده من قام بخطواتٍ معرقلة للاتفاق، القوات الموالية الشرعية هي أيضاً ساهمت في عملية العرقلة خلال الفترة الماضية، وتجلى ذلك في محاولتها تنفيذ الاتفاق بالقوة، عبر عمليات عسكرية متكررة على خطوط التماس بين الجانبين في جبهة أبين.

 

ما الذي رافق عملية العرقلة؟

تمسك كل طرف من الانتقالي والحكومة بمواقفه السياسية والعسكرية، ومضى ينتفخ ويدافع عنها طيلة تلك فترة العرقلة الماضية التي قاربت على العام.

 

بل أن كلا الطرفين ذهب إلى أبعد من ذلك، عبر تنفيذ إجراءات يصفها الطرف الآخر بأنها "متهورة" أو "تفاقم منع تنفيذ الاتفاق".

 

وترافقت كل تلك الإجراءات والخطوات مع انتكاسة وانهيار طال جميع القطاعات الخدمية والإنسانية والاجتماعية في عدن خصوصاً والجنوب عموماً، حتى بات المواطنون يترقبون مسألة تنفيذ الاتفاق هذه بكل فارغ صبر.

 

كانت الرواتب متوفقة، والخدمات منعدمة بشكل شبه كلي، والانقسامات المجتمعية كانت على أوجها، ليس فقط على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل إعلام كل طرف، بل حتى على مستوى الشعبي في أضيق درجاته.

 

في المقابل، كان كل طرف يُلقي باللائمة على الآخر، ويحمله مسئولية ما آلت إليه الأوضاع، والتعمد في عرقلة اتفاق الرياض، والهروب من الالتزامات، دون أن يأبه أحدهم بالمعاناة التي خلفها تمترس كل منهما خلف مواقفه السياسية والعسكرية.

 

هل الاتفاق مهم لهذه الدرجة؟

وفي ظل أجواء كهذه، بدا اتفاق الرياض كطوق النجاة، والأمل المتبقي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من مستويات الحياة المناسبة للمواطنين، وبعث بقايا الدولة التي بدأت تتلاشى وسط حالة اللا دولة التي سادت طيلة أكثر من خمس سنوات ماضية.

 

حتى أن بعض السياسيين وصف الاتفاق بأنه اللبنة التي يمكن أن تخلق وضعاً جديداً ودولة قوية إذا ما اتحدت الجهود وتوافق الجميع على صيغة مغايرة لإدارة شئون البلاد.

 

بل أن المبعوث الأممي مارتن غريفيث، وصف اتفاق الرياض بأنه النواة الأولى نحو إيجاد تسوية سياسية شاملة للحرب اليمنية والأزمة بشكل عام، وهو ما دفع مجلس الأمن الدولي لاعتماده ضمن وثائق الحل في اليمن، نظراً لأن الاتفاق أشار في حيثياته إلى المرجعيات الثلاث التي تستند إليها قرارات مجلس الأمن بشأن اليمن.

 

كما روجت المملكة العربية السعودية لاتفاقها الذي رعته بين المتصارعين في الجنوب، وحرص قادتها المسئولين عن الشأن اليمني بالتسويق للاتفاق، وتشجيع المتصارعين على تبنيه وتنفيذ بنوده، ولم تكن السعودية هي فقط من فعلت ذلك، بل حتى حليفتها الإمارات قامت بهذا.

 

وهو ما منح اتفاق الرياض اهتماماً ليس فقط إقليمياً بل حتى دولي، وجعل منه بداية لحل متكامل بشكل عموم اليمن؛ ولهذا كان سفراء الدول الكبرى يلتقون ممثلي الحكومة اليمنية ووفد الانتقالي للضغط نحو تنفيذه.

 

كيف نظر كل طرف للاتفاق؟

طرفا الاتفاق (الحكومة اليمنية والانتقالي) امتلك كل منهما نظرةً خاصة للاتفاق.

 

أنصار الانتقالي هللوا في بداية توقيع الاتفاق مطلع نوفمبر 2019، ووصفوه بأنه "انتصار سياسي" للانتقالي، منحه فرصة للتواجد والمشاركة في الحكومة اليمنية، كطرفٍ أصيل معترف به لا يمكن تجاوزه.

 

وهذه حقيقة انتزعها الانتقالي بجدارة، رغم أن بعض الإعلاميين كان يهاجم الاتفاق، ويعتبره مدخلا لسيطرة من أسموهم "الإخوان" على الجنوب بحكم سيطرتهم على الحكومة.

 

وعلى الضفة الأخرى، اعتبر أنصار الحكومة اليمنية أن الاتفاق يساعد الشرعية على بسط نفوذها وسلطانها على كامل الجنوب باعتراف الانتقالي نفسه الذي سيكون ضمن قوام الحكومة.

 

غير أن بعض إعلاميي الشرعية والسياسيين الموالين لها انتقدوا الاتفاق، ورأوا أنه بداية لانفصال الجنوب بسبب تسليم الحكومة رسمياً بوجود فصيل ذي نزعات انفصالية ضمن قوامها هدفه الأساسي فك الارتباط عن الدولة الواحدة.

 

وكلتا النظرتين- رغم اختلافها وتناقضهما- إلا أنهما تضمنان مكاسب لكل طرف، وتدفعهم نحو تنفيذ الاتفاق بطريقة لا يخلو منها الشغف والحماس؛ للفوز بأكبر قدر ممكن من المصالح.

 

ولعل المرحلة السياسية الحالية التي تمر بها عدن والجنوب، تحتم على كل الأطراف- بمن فيهم المواطن- القبول بأي صيغة للتوافق؛ بهدف الوصول إلى حالة من الاستقرار السياسي، الذي يعقبه استقرار أمني ومعيشي، وهو ما يهم الجميع بلا خلاف.

 

وقت التطبيق!

عطفاً على كل ما سبق من معطيات، يبدو أن الوقت قد حان لتطبيق اتفاق الرياض، بحسب محللين وخبراء.

 

لأن كافة العوامل السياسية والأمنية والمعيشية محلياً لتنفيذه توفرت، وباتت أكثر إلحاحاً كمطلب رئيسي، أكثر من أي وقتٍ مضى.

 

ولم يكن الأمر مناطاً فقط بالجانب المحلي والمتأثرين المحليين من عدم التنفيذ، بل أن المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمجتمع الإقليمي معنيون هم أيضا بكل ما يدور ويجري في اليمن.

 

ونتيجة لذلك فقد كان الوقت مناسباً بالفعل للحصول على صيغة مناسبة لاتفاق يلبي جميع كل تلك الظروف والاحتياجات، ويحقق توقعات كل الأطراف ويوفر تطلعاتها.

 

عامٌ كامل.. هو عمر الاتفاق، وهو ما يراه بعض المحللين وقتاً كافياً وحتى مبالغاً فيه لرؤية بنود الاتفاق واقعاً على الأرض بعد أن كانت حبراً على ورق.

 

كما أن الأمر لا يتعلق فقط بالتوقيت الطويل، ولكن يتعداه إلى التداعيات التي ترتبت على عرقلة وتأخير التنفيذ طيلة تلك الفترة، وهو ما يعتقد أنه سيكون أكبر التحديات أمام الحكومة الجديدة التي سيتمخض عنها الاتفاق.

 

تحديات أمام الاتفاق

التداعيات المترتبة على تأخير اتفاق الرياض خلال فترة عام كامل، كانت كبيرة، وأكبر بكثير من تلك التي استدعت إيجاد الاتفاق في أغسطس 2019.

 

من هنا تبدو فرص الاتفاق بالنجاح محفوفة بالمخاطر، خاصةً وأن الانقسامات والتشظيات في البنى الاجتماعية لأبناء الجنوب تأثرت عميقاً في نفوس الجميع، بعد سنة من المماحكات والإقصاءات من كلا الطرفين.

 

كل هذا يتجلى بشكل مرعب أمام قادم الاستحقاقات التي تقف في مواجهة تنفيذ وتطبيق اتفاق الرياض، وتعدها بالفشل إذا حاولت تجنب معالجتها أو تهميش قضية مهمة كهذه.

 

ناهيكم عن الاستحقاقات الخدمية والتنموية التي تنتظر منفذي اتفاق الرياض، في ظل انهيار شبه كامل لكل قطاعات الخدمات، وتدهور الأوضاع الإنسانية والمعيشية لدرجة مأساوية وكارثية.

 

ويكفي أن نرى مدينة مثل عدن وقد تحولت إلى ما يشبه القرية، عقب تردي كل شيء جميل فيها من بنية تحتية كالطرق والكهرباء والمياه، وافتقار المدينة لأي حلول ومعالجات ناجعة لكافة مشاكلها المتعلقة بحياة الناس.

 

هذه التحديات وغيرها، تجعل تطبيق اتفاق الرياض فرصة ذات حدين، إما أن ينجح الاتفاق في تغيير هذا الواقع المرعب، أو يفشل في ذلك ويفاقم المعاناة ويهوي بها إلى أسفل سافلين.

 

وضع عدن مع محافظ جديد

لا يخفى على كثيرين ما الذي تعيشه مدينة عدن، فكما أشار غير واحدٍ من الكتاب والسياسيين وحتى الناشطين والإعلاميين، فإن هذه المدينة تحولت بالفعل إلى ما يشبه القرية.

 

فهي من ناحية تعاني من موجة نزوح جماعية شهدتها عقب أحداث أغسطس 2015، نتيجة تدهور الأوضاع الأمنية وانتشار الأوبئة والحميات، ولكن أيضاً بسبب انعدام فرص العيش الطبيعية والاستثمار والتجارة.

 

وفي الوقت الذي يعتبر البعض أن عدن تتعرض لمؤامرة تسعى لإظهار أن الانتقالي فشل في إدارتها وتسيير شئونها، يرى آخرون أن المدينة ورثت تركة ثقيلة من العهود والأنظمة السياسية السابقة، وأن هذه المعاناة لم تكن وليدة اليوم أو حتى الشهور الثلاثة الماضية.

 

غير أن المدينة تنتظر من المحافظ الجديد، الذي تترقب تعيينه بناءً على اتفاق الرياض بصيغته الجديدة، أن يكون عند مستوى المسئولية، وعلى مستوى "الكارثة" التي تعيشها هذه المدينة.

 

وبحسب التسريبات التي حصلت عليها (عدن الغد) فإن الاتفاق نص على تولي الانتقالي مسئولية منصب المحافظ، وهو ما يضع مزيدا من الضغط والمسئولية على المجلس الانتقالي الجنوبي في مواجهة مطالب الناس في عدن.

 

وبرأي مراقبين، فإن المحافظ الجديد المنتمي للمجلس الانتقالي يتعين عليه القيام بحزمة إجراءات قد تساعده على النجاح بمهامه.

 

أولى تلك الإجراءات هي الانفتاح على كل الأطراف والأطراف الفاعلة في مدينة عدن، بمختلف انتماءاتهم وتياراتهم، فالمحافظ محافظ للجميع، وهو منصب عام وليس حزبيا أو مناطقيا.

 

كما أن المحافظ الجديد باستطاعته النجاح في واجباته، وبالتالي إنجاح اتفاق الرياض، من خلال التركيز على الجوانب الخدمية والتنموية، ورفع مستواها في عدن، والابتعاد عن الخوض في الجوانب السياسية أو العسكرية التي تُفرّق ولا تُجمّع.

 

وإن فعل المحافظ الجديد كل هذا فبإمكانه أن ينجح في تحريك مياه عدن الراكدة، ليس فقط على مستوى مياه الصرف الصحي التي امتلأت بها شوارع المدينة، بل على مستوى كل القطاعات الخدمية الأخرى.

 

فالركود قد سيطر على كل شيء في عدن، ولم يعد مقتصراً على مياه المجاري، فهناك ركود استثماري وآخر تجاري، وخدمي وإنساني، وغيره من حالات الركود والجمود التي طالت كل معالم الحياة في المدينة.

 

التوافق السياسي

يؤكد محللون أن نجاح أي اتفاق سياسي يحتاج إلى توافق كافة الأطراف المشاركة في هذا الاتفاق، وهذا التوافق يعني التكاتف والتعاضد في سبيل إيصال الاتفاق إلى التنفيذ الكامل والنجاح الشامل.

 

ورغم أن بعض المحللين السياسيين يشكك في نجاح تنفيذ اتفاق الرياض على الوجه الأكمل؛ نتيجة التركيبة المعقدة المشهد السياسي في اليمن، والجنوب تحديداً، وهو ما يؤكد المخاوف من حدوث مشاكل في عملية التطبيق، غير أن الضغوطات الواقعة على المتصارعين، من قبل المجتمع محلي وإقليمي ودولي، ستجبرهم على إنجاز الاتفاق بكافة بنوده السياسية والعسكرية، لإحداث تغيير جذري في المشهد العام.

 

وهو ما سيحسب في النهاية كاختراق سياسي يسجل باسم الطرفين، إذا فقهوا الواقع المتردي، وأدركوا أن الناس تنتظر منهم توافقاً وتآلفاً يغير واقعهم المزري، ويرفع من مستوى معيشتهم، بعيداً عن صراعات لم تجلب معها سوى الدمار والخراب والحرمان.