آخر تحديث :الجمعة-26 أبريل 2024-11:52م

أخبار وتقارير


في ذِكرى وصوله للسلطة على سجاد مخملي .. هادي الرئيس اللغـــز

السبت - 22 فبراير 2020 - 02:41 ص بتوقيت عدن

في ذِكرى وصوله  للسلطة على سجاد مخملي .. هادي الرئيس اللغـــز

عدن (عدن الغد ) كتب | صـــلاح السقـــلدي:

 صادفَ يوم الـــ 21  مِــن شباط فبراير الجاري، الذكرى الثامنة لوصول الرئيس عبدربه منصور هادي لسدّة الحكم في صنعاء - و أن كان حُـكمٌ افتراضي-، في استفتاء شعبي أخذ له جزافا اسم انتخابات، انتخابات مثيرة للجدل - دستوريا وسياسيا- أوصله من خلالها فرقاء ثورة 2011م الى القصر الجمهورية بشارع الستين بصنعاء كرئيس توافقي لمدة عامين، حاز فيها على الاغلبية الساحقة ،متفوقاً على نفسه بنسبة كاسحة في الشمال بالذات، فيما الجنوب الثائر حينها آثر العزوف عن تلك الانتخابات، بل وتصدّى لها على نطاق واسع.

  ففي عام 2011م وجدَ الرجُــل المحظوظ  نفسه وقد أوصلته الظروف للمرة الثانية الى العلالي بسلاسة صوب دائرة الحكم، بعد أن كانت قد أوصلته الى هناك  من قبل غداة انتهاء حرب 94م الى منصب الرجُــل الثاني، نظير مشاركته الفاعلة بتلك الحرب. فظروف تلك الحرب وإرهاصات وصوله الى منصب نائب الرئيس يعرفها معظم الناس ولا ضرورة لتكرارها هنا.

  في غمرة ثورات  الربيع العربي فرع اليمن عام 2011م، وبعد تفاقم الاوضاع الداخلية على خلفية تلك الثورات الى درجة بلغ فيها بقاء الرئيس صالح على رأس الحكم أمر بالغ الصعوبة بعد أن جعلت تلك الثورات نظامه كعصفٍ مأكول ،خائر القوى يقفــز كبار رجاله من  سفينته الغارقة. حينها هرعت المملكة العربية السعودية لوأد تلك الثورة المتشكّلة لتوها على بوابتها الجنوبية, ولإنقاذ الرجُــل أو بالأحرى إنقاذ ما يمكن إنقاذه من أركان نظام حكمه المتداعٍ، بعد أن انقذت حياته من محرقة جامع النهدين التي تعرض فيها لعمل إرهابي قضى بسببه بعض رجاله نحبهم، و لئلا يكون البديل عنه هو حزب الإصلاح الذي ظلت الرياض وما زالت  ترى فيه " ذراع حركة الإخوان المسلمين باليمن"، الإرهابية- وفقا للتوصيف السعودي-، خصوصاً بعد أن جهرَ هذا الحزب بإخوانيته وأخرج للمملكة لسانه ساخرا ومتحديا، وبالذات بعد وصول الحركة الإخوانية للحكم بالقاهرة فقد سارعتْ المملكة الى هندسة حل لهذه الأزمة- وفقا للمفهوم السعودي للحل - ، فكانت المبادرة الخليجية هي ذلك الحل، الذي مثّــل قارب النجاة لقوم صالح, وحصان طروادة السعودي للنفاذ به الى قلب ثورة 2011م ونسفها من الداخل، وكان لها ما أرادت.

وبعد أن وجدَ قطبا الصراع اليمني: نظام صالح ومعارضوه  ألّا غلبة لأحدٍ منهم على الآخر، سيما بعد أن أتت السعودية بقضها وقضيضها الى صنعاء حاملة بيدها عصائها وجُــزرتها" المبادرة الخليجية" التي ازاحت بها صالح من الحكم إنفاذا لرغبة خصومه، وابقتْ له  نصف حكمه مقابل نصفه الآخر لخصومه إنفاذا لمطالبه ولمقتضيات المصلحة السعودية.

 

وإعمالاً ببنود هذه المبادرة كان لا بد من اختيار بديلاً لصالح يستوي على العرش بالقصر الجمهوري وليرقص على رؤوس أفاعيه إن أراد ..وبسهولة  وجَــدَ الفرقاء البديل المطلوب، فكان الرجل الثاني "عبدربه منصور هادي"،هو الرئيس بدل فاقد... فكل طرف كان يرى في هادي المعروف بشخصيته الودودة المشوبة بالضعف جدارا قصيرا يمكن القفز من فوقه عند أول فرصة، ويمكن توجهيه الوجهة المطلوبة بسهولة، هذا علاوة على أن جنوبيته كانت مطلوبة  لدى تلك القوى لخطب ودّ الجنوبيين بها ولقبولهم بوضع مع بعد صالح ،وإجهاض بها ثورتهم.

 إذاً فكل مواصفات الرئيس المؤقت قد توفرت به تماما..ولكن أتت الرياح بما لا تشتهيه سفن هؤلاء جميعا، فقد خيّــب الرجُــل ظنهم بعد أن اكتشفوا انه أشبه بقفل لمفاتيح عدة موزعة بيد الكل، و سلاحٌ ذو حدين ..ففي الوقت الذي كان يمثّــل لهم صمام أمان الوحدة فقد بات  في نظرهم الخطر الداهم عليها بعد ذلك، بقصد أو دون قصد.

  ولم يلبث الرجُـــل كثيرا بقصر الستين الوثير حتى وجد نفسه في خضم متلاطم  من صراع قوى تقليدية عنيدة تجر خلفها تركة ثقيلة ملغومة من مخلفات الماضي السياسي والحزبي والقبلي والعسكري والجهوي، ناهيك عن الفكري، وفوقها أيضاً تداعيات أم الأزمات: القضية الجنوبية, وافرازات ثورة 2011م.

 الرئيس الذي أتته الرئاسة منقادة على سجاد مخملي دون عناء ،سرعان ما أكتشف أنه سيــقَ الى مغارة موحشة تقوده  بالنهاية الى جــحر خرب لا قصر رئاسي رغيد . جــحر تسكنه ثعابين صالح وفئران الزنداني وسناجب الحوثي، قد حشرته بركنه القصي ،وأضحى لا حول له ولا قوة يضرب أخماسه بأسداسه  ولا حراك به، حتى أتته الليلة الكبيرة التي أسرَتْ به ليلاً من صنعاء الى عدن. من صنعاء التي انتخبته وبايعته وغمرته بردا وسلاما -أو هكذا أعتقد-، إلى عدن التي أعرضتْ عن صناديق انتخابه، وقتلت قواته وجرحت فيها العشرات من الجنوبيين بالذكرى الأولى لتتويجه بالعرشِ الافتراضي.

  وبعيدا عن تفاصيل ليلة الإسراء الكبيرة وما تلاها من أحداث دراماتيكية عاصفة، أفضت الى حرب شاملة ما زالت تدور رحاها حتى اللحظة، ولم تُــبقِ ولم تذر للجميع  شئيا شمالاً وجنوبا يختلفون حوله، بل ها هو هادي وربعه اليوم في الرياض محكوماً فيها لا حكاما في صنعاء، ولا في عدن.

 نقول أنه بعيدا عما جرى  بتلك الليلة، فثمة حالة فريدة تستحق التوقف إزائها لما فيها من دلالات ومفارقات وتناقضات صارخة .فالرئيس الذي حاز على ملايين الناخبين بالشمال أكتشف بعد أقل من عامين  أن ذلك الشمال قد غدا سجنه الكبير ومصدر خطر داهم على حياته، فيما الجنوب الذي ارتكبت قوات هادي فيه مجزرة مروعة في خورمكسر قد صار بالنسبة لهذا الرئيس هو الملجأ والمنجى الذي يعصمه من طوفان ناخبيه وحلفائه الوحدويين. ما يعني ذلك سقوط خرافة الولاء الوطني وتهاوي أكذوبة حب الشعب للرئيس واسطورة حماية الجيش الوطني له ولجمهوريتة الاتحادية المزعومة.

 فقد كشفت لنا تلك الحالة الفريدة حقيقة صادمة - صادمة على الأقل لصاحب هذه المقالة-، حقيقة أن الجهوية هي المتراس الأخير الذي يلوذ إليه هادي وغير هادي كلما أزمة أزَمتْ به ، و أن الجغرافيا  للأسف تصير فوق كل مسميات من أول لحظة اختبار وتحدّي . فالجنوب الذي كان هادي واحدا من صُــنّــاع مأساته طيلة عقود طويلة،وظل أي الجنوب يتنفس ثورة ويقتات كرامة منذ عام 94م بكل أرجائه من المهرة شرقا الى باب المندب غربا تحت ثورة شعبية بوجه نظام سلطة 94م الاستعمارية الذي ظل هادي جزءاً منها إلّا أنه  لم يتردد في أن يلوذ إليه من خطر حزبه وجيشه وناخبيه ودولته الاتحادية سداسية الاقاليم ، لمعرفته أن الجغرافيا هي الترس والمتراس الواقي، وأن التسامح الجنوبي هو الحصن الحصين له ولسواه من غوائل السياسة وكيد الضغائن. وبالمقابل اكتشف هادي أن الشمال برغم ملايين أصواته الانتخابية لم يكن سوى كذبة كبيرة ظل  يصدقها، أو يتظاهر بتصديقها. والمصيبة أن لم يكن قد اكتشف ذلك بعد كل ما جرى .!