آخر تحديث :الجمعة-26 أبريل 2024-04:22م

ملفات وتحقيقات


من مذكرات الرئيس علي ناصر محمد : يوم املجن يتوافد الضيوف من القرى والقبائل المجاورة لتقديم المساعدات للعريس .. فهل تكون من الأنعام أم الأموال ؟

السبت - 14 ديسمبر 2019 - 09:17 م بتوقيت عدن

من مذكرات الرئيس علي ناصر  محمد :  يوم املجن  يتوافد الضيوف من القرى والقبائل المجاورة  لتقديم المساعدات  للعريس .. فهل تكون من الأنعام  أم  الأموال ؟

عدن (عدن الغد ) اعداد / الخضر عبدالله :

"يوم املجن" 

ويقول علي ناصر في مذكراته :" ويمضي بنا العم سليمان عوض في حديث السمر تحت أضواء اللهب والنجوم الساطعة في السماء. ويقترب الحديث من نهايته عندما يصل الحديث عن "يوم املجن" وهو اليوم الذي تتم فيه الرفدة (1) وفيه يلبس العريس ثوب "مريكني" جديد وعمامة سوداء تلف حول رأسه وتطعّم بالرياحين والأزاب والشقر والحنّون. كما يلبس "مقطب" (2) أسود ويلف حول خصره حزام الرصاص (الشكة)، والجنبية التي تتحدد قيمتها حسب مكانة الشخص وثرائه، ويحدد قيمة الجنبية مقبضها إن كان مصنوعاً من قرن وحيد

القرن والذي يسمى "الصيفان" وهو أثمن الأنواع أو من قرون الوعول أو قرن الفيل أو بعض الحيوانات الأخرى. وتطعم الجنبية بالذهب والفضة من طرفيها وقد حافظت “الجنبية”، على حضورها في المجتمع رغم زحف الحياة العصرية، متكئة على تقاليد وأعراف لا تستطيع القفز عليها، فهي تعد رمزاً لـ”الرجولة”، والوجاهة، والقوة.

 ويتبارى اليمنيون بنوعية “الجنابي”، التي يحتزمونها على خصورهم، ومدى جودتها، وتاريخها، حيث يسود اعتقاد عند القدماء أن المرء يُعرف بـ”جنبيته”. وخصوصا “الجنبية الصيفاني”.

ويعود تاريج الجنابي إلى عام 3000 قبل الميلاد، وهي هلالية الشكل، وكان يرتديها السبأيون والحميريون. ويتداول الناس حكايات لمزايا وخواص اتصفت بها بعض الجنابي، أبرزها “البراقة”، و“العوراء”، وتروى حكايات عن مزايا هذه الخاجر تصل حد الخرافات  فالبراقة مثلا يمكنها قتل الخصم باصدرها ما يشبه البرق يصرع الشخص المستهدف والعوراء التي توقف النزف وثالثة لها القدرة على امتصاص السم من الشخص الذي يلدغه ثعبان غير تلك الجنابي المسموم نصلها والتي لا تشفى جروحها ابدا.

استقبال المهنئين

كما يرتدي العريس إلى جانب الجنبية "الحدوة" وهي مصنوعة من الفضة المصبوبة من الريالات الفضية، ويدل وجود الحدوة ووزنها وعدد الريالات الفضية التي استخدمت في صناعتها على درجة ثراء الرجل، وهي مصدر لتباهيه وفخره. ويضع العريس في يوم "املجن" (يوم استقبال المهنئين) في يده سيفاً أو فأساً وأحياناً سلاحاً نارياً، كما يلبس حذاءً جلدياً جديداً مقدماً من أم العروس ضمن جهاز ابنتها. وكان سائداً أن يتوافد في يوم املجن وهو نهار الرفدة الضيوف الذين يأتون من القرى والقبائل المجاورة، لتقديم التهنئة، وتقديم المساعدات المالية للعريس أو ما يعرف بالرفدة. 

رفدة الضيوف

وتقدم في شكل مبالغ نقدية ترمى إلى ثوب يفرش أمام العريس بعد تدوير هذه المبالغ فوق رأس العريس كناية على أن المبلغ يقدم فداءً لرأسه.

ويأتي "الرفًادة" من كل القرى والقبائل في صفوف طويلة مع طبولهم ومزاميرهم وشحذهم، ويتجمعون في مكان فسيح. كل قرية أو قبيلة تتجمع في مكان محدد وأهل العريس في الوسط وبعد أن يقوم الرفًادة بتقديم الرفدة يخرجون في طوابير وهم يرددون المراجيز والأهازيج والأشعار ويتقدم أول واحد منهم ويقول:

محف قبلي

"ليك بين يديك وأنا ذيب علة (3)".. ويقال أن علة من بني هلال التي نحن منها.

ويصدر صوتاً يشبه عواء الذئب ثم يتبعه آخرون حتى يتشكل طابور طويل يمر أمام القبائل الأخرى. وهم يرجزون ويرددون الأشعار.. وعندما ينتهون يعودون إلى موقعهم فتبدأ قبيلة أخرى بالرفادة والرجز.. ويوم "المحف" هو أجمل يوم وأهم يوم في العرس، ففيه تقام حلقات الرقص والرجز والمباريات الشعرية بين القبائل حول السياسة والقضايا الاجتماعية وتفاخر كل قبيلة بأصلها وفصلها ونسبها وكرمها وشجاعتها. وبعدها يعودون جميعاً إلى مواقعهم السابقة.. ويبدأ أهل العروس وأصحاب القرية والقرى المجاورة لها بحصر عدد الذبائح التي ذبحت وكل شخص يتقدم بحصاة أو حصاتين أو أكثر بحسب عدد الأغنام التي قدمها.. وبعد أن ينتهوا من حصرها يتم توزيع الضيوف بدءاً بكبار القوم فالسادة، فالمشايخ على مائدة كبار القوم.. وأحياناً يبدأ خلاف حول من يفوز بمقام الضيف الأول الذي هو أكبر مكانةً، وفي الأخير يؤخذ عن طريق القرعة حتى لا يتحول الفرح إلى مأتم، وأحياناً يحدث هذا فعلاً، ويتحول إلى عراك وخصام وإطلاق نار وقتل، ويهرب الأطفال الذين ينفذون بجلودهم من هذه المعركة وهم يلعنون هذا اليوم الذي جاؤوا فيه للزواج، فالأطفال يفرحون بالزواج والموت، فلا يهمهم من يتزوج ولا من يموت بقدر ما يهمهم أن يأكلوا بسبب الفقر والجوع. 

جلوس العريس على منحاز مقلوب وعلى رأسه " أملجن" طول نصف النهار

وعلمنا من العم سليمان أن "املجن" يوضع على رأس العريس يوم الزواج. واملجن عبارة عن مزيج لزج مصنوع من شجيرات اللجن "يشبه الملوخية بعد تحضيره" وتقوم بهذه العملية أم العريس، أو الرضّيحة، أو أحد قريباته، وتشارك فيها قريباته وأقرباؤه. وتتكرر عملية اللجن أو المرخ للعريس في يوم املجن عدة مرات، وخلال عملية تقديم الرفدة يجلس العريس على "منحاز" كبير بعد قلبه على وجهه المجوف طوال النصف الأول من النهار حتى تكتمل عملية الرفادة، بعدها يقوم العريس بالاغتسال ثم يذهب للدخول على عروسه.

العريس يزهو في يوم عرسه وسط فرح أصدقائه وأهل عشيرته

وقال برطم: كيف تقاليد العرس في أرض أهل عوذالله (العواذل) والبيضاء؟

فأجاب العم سليمان: في العواذل والبيضاء نفس التقاليد تقريباً، الموافقة بُن والتحية إطلاق نار، فالعريس يزهو في يوم عرسه وسط فرح أصدقائه وأهل عشيرته به، حيث يغني الجميع ويرقصون رافعين البنادق، ويقومون بتحيته وسط الأغاني والأهازيج التي تجسد مدى الحب والتكاتف الأسري والقبلي ليذهب مصحوباً في زفة  كبيرة إلى بيت العروس التي تأتي محاطة بصديقاتها وإلى جوارها امرأة تحمل بخوراً (4) في مجمرة يعطر أجواء العرس، ثم تقوم بتخضيبها وسط رقصات نسائية، ولا تلبث العروس أن تعود إلى خيمتها بعد أن تنتهي من عملية الحناء (5) ، ليعود بعد ذلك العريس وأهله وأصدقاؤه مرة أخرى إلى خيمة العروس ليتم استقباله والترحيب به.

-----------------------------------------------------

هوامش /

1- مبلغ من المال يدفع للعروسين كمساعدة، ويسمى في بعض البلدان العربية "النقوط".

 2- رداء كالفوطة أو المعوز.

3-   -علة: هم آل عمر ويتفرع عنهم العلهيين – آل حسين – آل علي – آل مردع – آل الصقرية – آل منصور – العواسج – آل امقيد – آل عرمان – آل فطحان – آل عرول – آل سليمان – آل حاتم – آل حميد ، ومن علة أيضاً آل حسنة والمياسر – وآل فضل وخاصة الجعادنة – وآل حنش – ولآل فشاشة والمحاثيث وآل المارم - ، أما آل السعيدي فداعيتهم إلى علة ويقال أن اخر حدود علة مسجد الاربعة بلودر باتجاه الشمال اما غربا فحدودهم حتى العلم كما يشير البعض .

4-البـخور: اشتهرت بعض المناطق بتجارة البخور واللُبان وتصديره الى الخارج ويعرف اللُبان باسم اللُبان العماني وشجرة اللُبان تنتشر في شبه الجزيرة وشمال الصومال واثيوبيا وكانت تعتمد على تجارة اللُبان حضارات قديمة مثل مملكة معين، كما ارتبطت تجارة اللُبان بطريق البخور وهو طريق تجاري يربط الهند بالجزيرة العربية ومصر .. تشير المصادر التاريخية إلى أن الملكة المصرية القديمة حتشبسوت (1500ق.م) كانت تجلب اللُبان المقدس من بلاد (ظفار) وجزيرة سقطرى نظراً لما كان يمثله اللُبان من أهمية للإمبراطوريتين الفارسية والرومانية في الطقوس الدينية.

5-الحنة: هي العشبة السرية التاريخية المقدسة، ولها إستعمالات كثيرة من دواء  إلى صبغة ونوع من العطر، الحناء ويستخدم الحناء لصباغة شعر النساء، والرجال وتستعمل الحناء في طقوس الزواج  حيث يقومون "بتحنية" العريس والعروسة وبعض الضيوف وهو يوم خاص يسمى "يوم الحناء" وهناك زفه وأغنية خاصة.. تقول: يا على امحنا .. يا على امحنا .. سعد يا مسعود .. سعد يا مسعود .. بخروا بالعود .. بخروا بالعود، يستعمل النساء الحناء في النقش على الكفوف وصبغ الشعر حتى الشابات من النساء يستعملن الحناء ليكسب الشعر لوناً جميلاً حيث يتمازج لون شفق المغيب وسواد الليل. وأعظم من خلد ذلك قصيدة يزيد بن معاوية بن أبي سفيان .. "نالت على يدها" .. إنها قصيدة الحناء الخالدة التي لحنها وغناها الفنان الراحل محمد جمعة خان :

نَالَتْ عَلَى يَدِهَا مَا لَـمْ تَنَلْـهُ يَـدِي        نَقْشاً عَلَى مِعْصَمٍ أَوْهَتْ بِهِ جَلَـدِي

كَأنـهُ طَـرْقُ نَمْـلٍ فِـي أنَامِلِـهَا           أَوْ رَوْضَةٌ رَصَّعَتْهَا السُّحْـبُ بالبَـرَدِ

وَأَمْطَرَتْ لُؤلُؤاً منْ نَرْجِسٍ وَسَقَـتْ      وَرْداً وَعَضَّتْ عَلَى العُـنَّابِ بِالبَـرَدِ