آخر تحديث :الجمعة-26 أبريل 2024-04:22م

ملفات وتحقيقات


موسم الأعاصير القادم من سقطرى !!

السبت - 12 أكتوبر 2019 - 12:27 م بتوقيت عدن

موسم الأعاصير القادم من سقطرى !!

(عدن الغد)خاص:

تقرير/ سعيد نادر

تناولت وسائل الإعلام المحلية والعالمية، خلال الأيام الماضية، تقارير صحفية حول نية دولة الإمارات العربية المتحدة سحب قواتها من الجنوب، ومدينة عدن تحديدًا.

وعُززت تلك التقارير بتأكيدات عن وصول قوات العمالقة من الساحل الغربي إلى عدن، وإعادة انتشارها على طول المنطقة الممتدة من عدن وحتى مناطق سيطرة القوات الموالية للإمارات في أبين؛ لتحل محل تلك القوات.

واختلفت تحليلات المراقبين للشأن اليمني، فيما يتعلق بتطورات هذه الأوضاع العسكرية في عدن والجنوب، وعلاقاتها باحتمالات التوصل لاتفاق بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي، خلال حوار جدة.

غير أن ما لم يختلف عليه المحللون هو اعتزام القوات الإماراتية المنسحبة من عدن - في حالة صدقت بانسحابها - التوجه نحو جزيرة سقطرى، أكبر الجزر اليمنية والعربية، والكنز المليء بالثروة بالنسبة لأبو ظبي، اقتصاديًا وعسكرياً (بحكم موقعها) وبيئياً، وتهدف الإمارات إلى تعزيز وجودها العسكري، في ظل تفاقم التوتر الأمني هناك.

 

توتر الوضع الأمني في سقطرى

الوضع المتوتر في سقطرى منذ سنين، يأتي بعد توجه أبو ظبي نحو الجزيرة واستحداث قواعد عسكرية فيها، ومحاولة إنشاء تشكيلات أمنية وعسكرية موالية لها في الجزيرة على غرار النخب والأحزمة الأمنية في الجنوب.

هذا التوتر تفاقم مؤخرًا بعد تعيين الرئيس هادي مديرًا جديدًا لأمن محافظة أرخبيل سقطرى، قبل أيام، وهو ما رفض الانصياع له مدير الأمن السابق، الرجدهي المتهم بالتواطؤ مع الإمارات، التي تسعى لفرض نفوذها على الجزيرة.

الرجدهي تراجع عن موقفه، يوم أمس الثلاثاء، وقبل بقرار إقالته، مما مهد الطريق أمام الحكومة للسيطرة على كافة المقار الحكومية والأمنية بسقطرى.

لينهي مدير الأمن السابق علي الرجدهي بذلك تمرداً قاده لأكثر من أسبوع احتجاجًا على قرار عزله من منصبه.

حيث سلم المدير السابق، يوم أمس الثلاثاء، مهام عمله للمدير الجديد العقيد فايز طاحس.. وأكدت مصادر أن القوات الحكومية بسطت سيطرتها على كافة تراب الجزيرة ومراكزها الأمنية والحكومية.

وكانت شخصيات في الحكومة وجهت للرجدهي اتهامات للاستيلاء على مبانٍ ومقرات حكومية حيوية، وهو ما دفع الرئيس هادي للإطاحة بالرجدهي وتعيين فائز سالم طاحس بديلاً عنه.

 

توجهات أبو ظبي الاستراتيجية في الجزيرة

ويبدو أن توجهات أبو ظبي بسحب قواتها من عدن وبعض مناطق الجنوب يأتي في هذا الإطار، وبهدف تعزيز تواجدها الذي تراه استراتيجيًا في الجزيرة الغنية بالثروات البيئية والطبيعية ومكانتها وموقعها العسكري القريب من باب المندب، وعلى مفترق طرق تربط البحرين العربي والأحمر، بطرق التجارة الدولية الرابطة بين دول شرق آسيا وأووربا، وتواجد الجزيرة على تخوم ملاحة تجارة النفط مع الدول المصدرة للبترول في دول الخليج، والدول المستهلكة في أوروبا وشرق أفريقيا.

 

قوات الإمارات.. من عدن إلى سقطرى

مازالت سفن الإمارات المحملة بالمدرعات والدبابات والآليات العسكرية، رابضةً في ميناء الزيت بمدينة البريقة، غرب عدن، في انتظار توجهها نحو الأرخبيل الذي أسال لعاب أبو ظبي المستعدة للاستماتة في الدفاع عن تواجدها هناك.

المصدر أشار إلى مغادرة السفينة الإماراتية وهي تحمل معدات عسكرية ثقيلة ومتوسطة، بالإضافة الى ذخائر وجنود من ميناء الزيت بعدن، واتجهت نحو جزيرة سقطرى.

وبعد أن ضمنت الإمارات مم القوات الموالية لها، في الحزام الأمني وألوية العمالقة بالحلول بدلاً عنها في عدن والجنوب، تتجه بشراسة نحو الجزيرة التي كانت بعيدةً عن حرب التحالف ضد المليشيات الحوثية والتي كانت مبررًا لتواجد التحالف العربي في اليمن عموماً.

قد تملك الإمارات القوة العسكرية في محاولتها ليسط نفوذها على سقطرى، غير أنها تواجه حرصًا من السلطة المحلية بالجزيرة على مقاومة المشروع الإماراتي وأطماع أبو ظبي، بقيادة المحافظ رمزي محروس.

 

وطنية أبناء سقطرى تقف أمام أطماع الإمارات

استخدمت الإمارات أساليب الترهيب تارةً والترغيب تارة أخرى لكسب ود السقطريين الذين قاوموا محاولات الإمارات السيطرة على الجزيرة.

فحين كانت أبو ظبي تستخدم أعمال الفوضى والعنف، وتضغط على مواليها لتفجير الأوضاع أمنيًا، كانت في ذات الوقت تغري مواطني الجزيرة بمنحهم الجنسية الإماراتية، وجميع تلك الأساليب أثبتت عدم نجاحها في ظل وطنية أهالي سقطرى، واستماتتهم في الدفاع عن ثروات الجزيرة وانتماءها للوطن اليمني.

أبناء سقطرى نجحوا في عدم الإنجرار نحو الاقتتال الداخلي بين الأخوة، بعد رفض مدير الأمن السابق الانصياع لقرار إقالته.

السقطريون أمهلوا الرجدهي ومن يوليه وداعميه من الإماراتيين حتى يعود إلى صوابه ويجنب الجزيرة اقتتالاً هم في غنى عنه.

وهو ما أكدته الفعاليات الجماهيرية والشعبية، والمكونات العسكرية الموالية للحكومة، حين أثبتت استماتتها في الدفاع عن الجزيرة، كما حدث تمامًا مع قوات اللواء الأول مشاة بحري الموالي للشرعية والذي كان قد نشر معداته في مدينة حديبو مركز محافظة سقطرى بعد انتهاء المهلة والمفاوضات، يوم أمس الثلاثاء، مع القوات الموالية للامارات.

 

سقطرى ساحة نزاع بدلاً عن الجنوب

تلك القوات التي فجرت الوضع في سقطرى، تحصنت في معسكر الشامل، الذي يتواجد فيه مدير الأمن المقال أحمد الرجدهي وقوات موالية لأبو ظبي والمجلس الانتقالي الجنوبي، وباتت اليوم في مواجهة رغبة حكومية جامحة لاستعادة زمام الأمور لصالحها في الجزيرة.

وهو ما يرشح أن تتحول الجزيرة إلى ساحة نزاع بديلة للجنوب الذي انسحبت منه الإمارات، أو على الأقل تحاول الإيحاء بذلك، بعد النتائج الأخيرة لاتفاق جدة المحتمل.. وما قام به السعوديون من ضغوطات على الإماراتيون حتى تعود الحكومة الشرعية إلى عدن، وفق تسريبات محتوى اتفاق جدة.

وما يدل على ذلك استعدادات الجانبين، (الحكومي والإماراتي بأدواته المحلية)، في ظل حرص حكومي على الانتصار في سقطرى وفرض توجهها وتمسكها بواحدية البلاد، كما فرضتها في حوارات جدة، غير أن ذلك سيدفع أبو ظبي نحو التصعيد، وهو ما ينذر بتدهور الوضع الأمني نحو مزيد من السوء في سقطرى، باعتبارها ورقة التوت الأخيرة التي تحافظ على ماء وجه الإماراتيين.

 

تحالفات الضرورة اليمنية تبلغ نقطتها الحرجة

يرى مراقبون أن الأزمة الاخيرة في سقطرى تكشف "سيولة" الساحة اليمينة، مما يؤدي الى صراعات سياسية وعسكرية متلاحقة على أكثر من رقعة، وتبدل في التحالفات وفي تحديد المصالح، وضبابية في المشهد تزيد من استعصاء بلورة حل للوضع القائم.

دون أي مقدمات، قفزت الجزيرة الساحرة والمنسية في البحر العربي إلى صدارة الاهتمامات السياسية والاعلامية، باعتبارها رمزاً "للسيادة اليمنية"، وضحية للتجريف البيئي و"الأطماع التوسعية" من قبل دولة الامارات العربية المتحدة.

وعلى مدار أسبوع كامل، حبست الأوساط السياسية الإقليمية والدولية أنفاسها لمراقبة التصعيد الحكومي في وجه أبو ظبي.. ونظراً لما تحظى به الجزيرة من أهمية جيوستراتجية ومن قيمة بيئية، ولما ألقي عليها مؤخراً من حمولة ايديولوجية، فقد أرجع البعض نشوب أزمتها إلى حالة من "اليقظة الوطنية" تُحسب للحكومة اليمنية، بينما جادل آخرون بأن جوهر الصراع يتصل بأهمية الجزيرة بذاتها، لا باعتبارها جزءاً - فرعياً - من رقعة الأزمة اليمنية.. وبرزت رهانات تؤكد أن مآلات هذا التصعيد ستؤسس لتحوّل جوهري في صيغة العلاقة التي تجمع الشرعية اليمنية بدول التحالف العربي.

لم تكن أزمة سقطرى نقطة تحول جذري في الصراع، كما صوّرها إعلام أكراف النزاع،، بل هي ببساطة جولة جديدة لا علاقة لها بالسيادة اليمنية ولا بالأطماع الإماراتية، وإنما تتمحور حول هشاشة التحالفات التكتيكية التي فرضتها الأزمة اليمنية والتي تحولت لاحقاً إلى خصومات علنية زادت من تعقيد الصراع، وتراجع فاعلية القوى المحلية نتيجة ما يعتريها من ضعف مؤسسي أمام الحسابات الاقليمية التي أصبحت تتحكم بمسار أي صراع داخلي، فيما يبقى دور اللاعبين اليمنيين محدوداً وقاصر؟ا عند الحدود الدنيا، أي اشعال فتيل الأزمة من دون التحكم بمآلاتها.

 

نفوذ أميريكي وإقليمي يتحكم بمصير الجزيرة

إن مقاربة الصراع الأخير حول سقطرى يقتضي أولاً تحديد طبيعة التنافس الاستراتيجي على موقعها الحيوي في البحر العربي والمحيط الهندي.

فالجزيرة تندرج دولياً ضمن خارطة النفوذ الأميركي وذلك بفعل موازين القوى العالمية، قبل ان يكتسب نفوذ واشنطن غطاء سياسياً أكبر في العام 2010 بعد لقاء "صالح - بتريوس" الذي منح الولايات المتحدة امتيازات استثنائية في الجزيرة مقابل زيادة دعمها العسكري لليمن.

وقد أفادت مصادر صحافية أميركية أن ذلك الاتفاق بين الرئيس اليمني السابق وقائد القيادة الوسطى في الجيش الأميركي، تضمن البدء ببناء قاعدة عسكرية لم تكتمل حتى الآن، لكن واشنطن شاركت في بناء مطار الجزيرة المدني الذي يصلح ايضاً لتأدية بعض الوظائف العسكرية.

أما إقليمياً فقد اشتد التنافس الثنائي بين الدوحة وأبو ظبي منذ نهاية العام 2011، لكنه اقتصر على "أدوات ناعمة" كالجمعيات الخيرية والرحلات الجوية والمشاريع التنموية والزيارات الأميرية.

وأما بعد "عاصفة الحزم" فازدادت المنافسة خشونة وإن بقيت تحت المظلة السعودية، قبل أن يتحول التنافس إلى صراع سياسي وتشهير إعلامي بين دول الخليج عقب اندلاع الأزمة الخليجية.

أما الزاوية الثانية فتتعلق بسياق وحيثيات ومآلات الأزمة الاخيرة بين الشرعية وأبو ظبي، وجوهر التناقضات التي أدت الى تعميق الانقسامات داخل الحالة اليمنية وتحول الصراع الذي كان ثنائياً ومحلياً، بين الحوثي والحكومة الشرعية، إلى صراع متعدد يتداخل فيه المحلي والاقليمي وتتوزع ساحاته غرباً وشرقاً.

 

الإمارات تستغل عاصفة الحزم لرسم مستقبل اليمن

بدت دولة الامارات العربية المتحدة جاهزة سياسياً وعسكرياً ومالياً للمضي حتى النهاية في نهج تحالف الحزم السعودي، بما رفعها إلى مرتبة الشريك الاستراتيجي الذي لم يأتِ ليحزم حقائبه ويعود في اليوم التالي، ولكنه سيشترك في رسم مستقبل الصراع اليمني.

بيد أن هذه الشراكة لم تخلق بدورها رؤية استراتيجية مشتركة، وذلك بسبب محدودية الخبرة الخليجية في هذا النمط من الصراع، ونظرًا لما تحفل به البيئة اليمنية من غموض وتعقيد وتقلب.

تكشف أزمة سقطرى هشاشة التحالفات التكتيكية التي فرضتها الأزمة اليمنية، والتي تحولت لاحقاً الى خصومات علنية بين الرياض وأبو ظبي (كما هو في الجنوب) زادت من تعقيد الصراع، وتراجع فاعلية القوى المحلية نتيجة ما يعتريها من ضعف أمام الحسابات الإقليمية التي أصبحت تتحكم بمسار أي صراع داخلي.

ما تقدمه سقطرى، وحتى الموقع الحيوي للجنوب، من إغراءات يسيل لها لعاب أبو ظبي، لن يجعل من إمكانية رحيل الإمارات عن اليمن ممكنًا، فهي قد أهملت الجبهة الحوثية، وتفرغت حاليًا لجبهة مصالحها الاستراتيجية والقومية بالتسبة لها كدولة، ولن ترضى بأقل من رسم ملامح مستقبل اليمن، بما يحفظ أمنها ومصالحها، تمامًا كما هو حال تواجدها في الساحل الغربي وموانئ الجنوب وجزره.

 

الفعل والفعل المضاد بين هادي وأبو ظبي

ويبدو أن الرئيس اليمني هادي فطن لتحول أهداف الإمارات من تواجدها في اليمن، لهذا فقد بتغيير قواعد اللعبة لإضعاف النفوذ السياسي الإماراتي الذي كان يتمدد على الأرض.

وعمل الرئيس هادي على إقالة رجالات أبو ظبي الفاعلين في الحكومة وفي قيادة المحافظات الجنوبية، من السياسيين والعسكريين، بعد قرابة عامٍ من تحرير عدن وما جاورها من الحوثيين.

وفي المقابل عمدت أبو ظبي إلى دعم قوات أمنية وعسكرية رديفة للشرعية، كإنشاء النخب والأحزمة الأمنية في محافظات الجنوب اليمني، لم تشترك في عمليات مكافحة الارهاب فحسب، بل هي ذهبت أبعد من ذلك، بالاشتراك في عمليات "الرمح الذهبي" (يناير 2017) التي استهدفت تحرير الساحل الغربي وصولاً إلى ميناء المخاء.. وهي بهذا واجهت الإقصاء السياسي من الحكومة بإقصاء الشرعية من التواجد العسكري في الساحل الغربي، وهو الأمر الذي لا يزال قائماً إلى اليوم.

 

صراع سقطرى القادم

تغيير قواعد الاشتباك هذه المرة حوّل التنافس إلى صراع، أولاً من خلال تعديل ميزان القوى باستدعاء قوات عسكرية مرابطة في صعدة ونجران إلى عدن وضمّها إلى قوات الحرس الرئاسي، وثانيا بإقالة ما تبقى من حلفاء الإمارات الوازنين في الحكومة أو السلطات المحلية.

وفي الطرف الآخر.. أبقت الإمارات على جبهة الساحل الغربي تحت تحكمها، وحولت بعضًا من قواتها السلفية الموالية لها من الساحل الغربي إلى عدن، لتحل بدلاً عن قواتها، حتى تتفرغ هي - على ما يبدو - للصراع القادم في كنز الثروات والموقع الحيوي: جزيرة سقطرى.

قد تضحي الإمارات بحلفائها في الجنوب بعد أن ضمنت لهم تواجدًا في السلطة والحكومة بحسب اتفاق جدة.. لتصب تركيزها على سقطرى، وتدخل في صراعٍ جديد مع الحكومة، تدرك جيدًا أن باستطاعتها الخروج منه منتصرةً، في ظل ضعف أدوات وخيارات الحكومة، التي لا تعتمد سوى على التأييد الشعبي والجماهيري.. وبعض المسئولين المحليين الموالين لها بإخلاص.