آخر تحديث :الجمعة-26 أبريل 2024-06:23م

الرز حليم.. والبرسيم صحة!

الإثنين - 03 مارس 2014 - الساعة 10:03 ص

مشاري الذايدي
بقلم: مشاري الذايدي
- ارشيف الكاتب


في مقالين متتاليين كتب الأستاذ علي سالم في هذا المكان، بسخرية مُرّة، حول تفشي «النصب والفهلوة»، تارة باسم الدين، وتارة باسم الوطنية، وأخرى باسم العِلم، رغبة في الشهرة الكاذبة. في مقاله المعنون بـ«خالي عبده»، توقف «المسرحجي» الدقيق عند شخصية شاء أن يطلق عليها هذا الاسم، مستعرضا ملامح سلوكها ومهارات البقاء لديها. الخال عبده هذا ذكي، وجريء إلى حد التهور، ومغامر، لا يتلفت للوراء، ولا يملّ من التجريب، ولا يحفل أبدا بصدق ما يقول من عدمه.

عمل لسنوات طويلة ممرضا في مستشفى قصر العيني، ثم استقال وتفرغ للطب البديل وعقاقير الدعوات والنفثات والرقى والأعشاب، وكل ما لا يحتاج إلى دراسة وبحث علمي محكم، حتى تسبب بوفاة شخص مريض نصب عليه بطبه هذا، ولم يستطع القاضي إدانته لأنه أحرجه بالدين. ويحدثنا الكاتب عن تطور مواهب الخال عبده إلى درجة أنه تفرغ للبحث العلمي، فالتحق بمؤسسة «علمي علمك الشهيرة»، وبعد سنوات قليلة أعلن عن اختراعه الأول «ك.ع.ب»، وهو كرسي يجلس عليه المريض فيشفى بعد ربع ساعة من البواسير، وذلك بفضل أنواع من الأشعة الكونية غير المعروفة، وهنا تنافست عليه الدول الأوروبية وعرضت عليه مبلغ ملياري جنيه.

في مقاله التالي بعنوان «عصير الربيع الصحي»، توقف عند خبر انتشر في الخمسينات عن اكتشاف فلاح بالصدفة أنه حينما أكل البرسيم شعر بالصحة وغابت الأمراض عنه، وتلقّف هذا الخبر فهلوي من فهلوية ذاك الزمان في القاهرة، واخترع عصيرا «برسيميا»، وكان الأمر مدعاة للسخرية حينها في منافسة الحمير على طعامها. ثم يستخلص الكاتب من هذا كله أن «الإنسان بوجه عام لديه رغبة دفينة وقوية لأن يكون حمارا». لست أدري عن هذه الرغبة الحمارية الدفينة، لكن حقا المشكلة ليست بوجود من ينصب على الناس، بل في مَن يصدقه بحماس وعمى.

الاحتجاج بالمقدس لترويج النصب سلوك قديم. وثمة أحاديث مكذوبة وضعت لترويج بعض المنتجات.. من ذلك أحاديث مثل: «لو كان الأرز رجلا لكان حليما.. ما أكله جائع إلا أشبعه». وحديث: «لو يعلم الناس ما في الحلبة لاشتروها بوزنها ذهبا». وحديث: «الباذنجان لما أُكل له».

أظن أن «القابلية للاستحمار»، كما ذكر الأستاذ علي، هي المشكلة الفعلية، وإلا فكيف نفسر تهافت أطباء على أدوية المدّعين الذين صدرت تحذيرات رسمية من وزارات الصحة بشأنهم، ومع ذلك جمهورهم يزداد، وبضاعتهم تروج، مثل مدّعي الطب صاحب قناة «الحقيقة»، محمد الهاشمي؟ علي سالم كتب ما كتب معلقا بـ«صمت» على مهزلة وبطولة اكتشاف علاج للإيدز والتهاب الكبد (فيروس c) الذي ذاع في مصر هذه الأيام، والمصيبة أن هذه المهزلة صادرة من طبيب في الجيش. غير أن الأمر يتجاوز هذا كله، والمشكلة تعم الجميع، حتى الساخرين أنفسهم.

نعم، ففي كل حين يصدّق الناس نصابا جديدا، بصورة جديدة.. وعليه فهناك استدعاء نفسي جمعي دائم لهؤلاء الفهلوية.