اليمن يمر بمنعطف خطير لم يسبق أن شهده في تاريخه الحديث فالعملة تنهار بشكل مخيف والكهرباء شبه معدومة والمرتبات لا تصل إلى موظفي الدولة إلا بشق الأنفس والاقتصاد يسير نحو الهاوية بينما المواطن يعاني الفقر والجوع والمرض في ظل غياب أي رؤية واضحة للخروج من هذا المستنقع مجلس القيادة الرئاسي الذي شُكِّل ليقود البلاد نحو مرحلة جديدة من الاستقرار تحول إلى كيان هش لا يجمعه سوى الاسم بينما تتفرق رؤاه ومصالحه في اتجاهات متناقضة حتى أصبح كل عضو فيه وكأنه رئيس دولة مستقلة بلا مشروع جامع ولا خطة واحدة تجمعهم على قلب رجل واحد ثمانية رؤوس تتنازع القرار يراقب كل واحد منهم الآخر فلا رئيس يأمر ولا نائب ينفذ ولا سلطة تحكم ولا دولة تحمي مواطنيها فكان الانهيار نتيجة طبيعية لهذا الشتات المدمر.
كان الأمل أن يكون هذا المجلس قيادة موحدة متماسكة تقود البلاد إلى التحرير والاستقرار لكنه تحول إلى ساحة للصراع السياسي وتصفية الحسابات حتى تلاشت من قاموسه مصطلحات مثل تحرير صنعاء واستعادة الدولة وتحولت القضايا المصيرية إلى ملفات مؤجلة بلا نهاية وتحولت الدولة إلى كيان بلا سيادة حتى صار المواطن عاجزاً عن تصديق أي وعود تصدر عن هذه المنظومة التي فشلت حتى في توفير أبسط مقومات الحياة في العاصمة المؤقتة عدن فالكهرباء معدومة والخدمات منهارة والوضع الأمني هش وكأن البلاد تعيش في فراغ سلطوي لا يعرف له رأس ولا ذيل.
لا يمكن تحميل المسؤولية على شخص واحد فقط حتى وإن كان رئيس المجلس لأن القرار أصبح مشاعاً بين ثمانية كل واحد منهم يرى نفسه الأحق بالقرار ويريد أن يكون الآمر الناهي فكانت النتيجة ضياع الدولة بين نزاعاتهم وتداخل صلاحياتهم وغياب أي قيادة فعلية تحسم الأمور وتمضي إلى الأمام القيادة الجماعية في ظل هذه الظروف لم تكن إلا وصفة للفشل فمن المستحيل أن ينجح مجلس بهذا الشكل في إدارة دولة تعيش حرباً في حين أن التاريخ يخبرنا أن القيادة تحتاج إلى رجل واحد يقود المسار ويتحمل المسؤولية وله نواب يساعدونه لا ينازعونه السلطة أما أن يتوزع القرار بين عدة أطراف متنافرة فذلك يعني أن لا قرار وأن الجمود سيظل سيد الموقف وأن البلاد ستظل أسيرة لهذا العجز القاتل.
المؤسف أن المجلس الرئاسي لم يستطع حتى فرض سلطته داخل مؤسسات الدولة فقد تمرد عليه صغار المسؤولين في المحافظات وتحولت بعض المناطق إلى كيانات شبه مستقلة تتصرف بثروات البلاد دون أي رادع بينما المجلس الرئاسي يتفرج عاجزاً عن استعادة زمام المبادرة حتى الحكومة التي يُفترض أنها الذراع التنفيذية للمجلس تحولت إلى مجرد هيئة شكلية بلا صلاحيات عاجزة عن مواجهة الفساد مستسلمة لحالة الشلل التي أصابت الدولة وأصبحت مؤسساتها كالجسد الهزيل الذي لا يستطيع الحركة.
أما مجلس النواب فهو في حالة يرثى لها لم يعد يمارس دوره الرقابي ولا التشريعي بل تحول إلى كيان بلا تأثير عاجز عن الدفاع حتى عن نفسه وكأن أعضاءه في انتظار إعلان وفاته رسمياً لم يعد للمجلس سلطة على الحكومة ولا على مؤسسات الدولة بل بات يستجدي صلاحياته من الذين منحهم الشرعية حتى استسلم للوضع القائم ورضي بدور المتفرج على انهيار البلاد دون أن يحرك ساكناً كان يُفترض أن يكون هذا المجلس حصن الدولة والمدافع عن حقوق المواطنين لكنه خذل الجميع وتحول إلى مجرد ذكرى من الماضي لا يذكره أحد إلا حين يتم استدعاؤه لإضفاء شرعية شكلية على قرارات تمررها السلطة التنفيذية.
والأحزاب التي كانت يومًا ما جزءًا من الحل تحولت إلى جزء من الأزمة فهي في موت سريري عاجزة عن تجاوز خلافاتها متفرقة كما لم تكن من قبل لم يعد لها مشروع وطني ولا رؤية سياسية بل أصبحت أدوات لصراع داخلي لا يخدم سوى المتنفذين وأصبح التناقض بين مكوناتها يشبه التناقض القائم بين أعضاء المجلس الرئاسي حتى باتت عاجزة عن تقديم أي حلول أو حتى عن الحفاظ على ما تبقى من الدولة المواطن الذي كان يرى في الأحزاب أملاً في التغيير أصبح يدرك أنها لم تعد قادرة حتى على التغيير داخل نفسها فضلاً عن أن تقدم أي مشروع وطني يعيد الأمل لشعب أنهكته الحروب والأزمات.
في ظل هذا المشهد الكارثي الجميع ينتظر الحل من الخارج وكأن البلد فقد قدرته على إدارة شؤونه بنفسه رغم أن الأشقاء، وخاصة المملكة العربية السعودية لم يقصروا في تقديم الدعم لكن الحل الحقيقي لا يمكن أن يأتي إلا من الداخل اليمن لن ينهض إلا بأبنائه ولن يستعيد عافيته إلا حين يتولى قيادة الدولة رجال قادرون على تحمل المسؤولية بعيدًا عن الحسابات الشخصية والتجاذبات السياسية البلاد بحاجة إلى قيادة تمتلك مشروعًا وطنيًا جامعًا ورؤية واضحة تنتشلها من هذا الوضع المتردي أما استمرار الوضع على ما هو عليه فلن يؤدي إلا إلى مزيد من الانهيار وسيظل المواطن وحده هو من يدفع الثمن.
التاريخ لا يرحم ولا يحابي أحدًا وسيكتب بكل وضوح من وقف مع الوطن ومن خذله ومن أوصله إلى هذا الحال ولن يكون هناك عذر لأحد فالجميع في موقع المسؤولية والجميع سيحاسب والوقت يمر والمأساة تتفاقم ولا حل إلا بتصحيح المسار قبل فوات الأوان فإما أن تنهض الدولة وإما أن نستمر في هذا السقوط الذي لا قاع له وحسبنا الله ونعم الوكيل.