آخر تحديث :السبت-29 مارس 2025-09:44ص

الرأي والجدل ميزان الحكمة

السبت - 25 يناير 2025 - الساعة 03:46 م
محمد العنبري

بقلم: محمد العنبري
- ارشيف الكاتب


الرأي بحر والجدل غابة ولكل بحر أمواجه ولكل غابة أشجارها الكثيفة المتشابكة ففي بحر الرأي يسبح الإنسان بآرائه وأفكاره قد تكون هادئة ومتزنة تسير به نحو الشاطئ الآمن وقد تكون عاتية متلاطمة تجره إلى الأعماق حيث التيه والضياع والرأي في جوهره انعكاس لعقل الإنسان وثقافته وخبراته وتجاربه لكنه في الوقت نفسه ليس حكرا على أحد فقد يحمل الإنسان رأيا بسيطاً لكنه يصيب جوهر الحقيقة وقد يظن آخر أن رأيه نابع من علم واسع لكنه يغرق في الوهم والجدال العقيم.

في غابة الجدل تسكن الوحوش التي قد تكون منطقا وعقلا وقد تكون ضجيجاً وصراخا فحين يتشابك الجدل بين العقول يخرج منه نور الحقيقة أما إذا أُلقيت فيه حجارة التشنج والتعصب فإنه يتحول إلى معركة خاسرة لا غالب فيها سوى الفوضى الجدل ليس شرا مطلقا ولا خيرا مطلقا إنه كالنار قد يدفئ الإنسان وقد يحرقه يعتمد على كيفيته وأهدافه فمن يجادل بحثا عن الحقيقة كمن يسلك دروب الغابة حاملا مصباحا ينير الظلام ويكشف الطريق ومن يجادل لمجرد إثبات الذات أو الانتصار للباطل كمن يقطع أشجار الغابة ويتركها خرابا بلا حياة.

الرأي والجدل كلاهما أدوات إنسانية تصوغ الفكر والمجتمع ولكنهما يحتاجان إلى ضوابط أخلاقية وعقلية ليكونا بناءين لا هدامين ففي بحر الرأي يجب أن يدرك الإنسان أنه ليس الوحيد الذي يسبح وأن للآخرين أمواجهم أيضا وفي غابة الجدل يجب أن يحترم المسارات المختلفة ولا يحاول تدميرها لمجرد أنها لا تشبه مساره ولأن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه فهو يحتاج إلى أن يطرح رأيه ويشارك في الجدل لكن عليه أن يتعلم كيف يزن كلماته ويختار معاركه بحكمة فالجدل بلا هدف كالإبحار بلا بوصلة والرأي بلا تفكر كالشجرة بلا جذور.

حين يحسن الإنسان استخدام رأيه ويدخل الجدل بوعي وإخلاص يتحول كلاهما إلى أدوات تطور وبناء لكنه إذا أساء استخدامهما أصبحا سببا للانقسام والصراع ولأننا نعيش في عالم مليء بالاختلافات فإن الإبحار في بحر الرأي يتطلب شجاعة والخوض في غابة الجدل يحتاج إلى حكمه فالاختلاف في حد ذاته ليس مشكلة بل هو سنة كونية تثري الحياة لكن المشكلة تكمن في التعصب الأعمى للرأي والجدل الذي يهدف إلى الهدم بدلا من البناء.

الرأي بحر والجدل غابة وكل إنسان يحمل داخله قبطانا ومستكشفا ويجب عليه أن يختار كيف يبحر وكيف يتنقل بين الأشجار فالحياة قصيرة ولا تستحق أن تضيع في بحر من الآراء المتضاربة أو غابة من الجدالات التي لا نهاية لها وإذا أردنا أن نكون ناجحين في رحلتنا فعلينا أن نحمل معنا العقل كدفة والقلب كبوصلة لأن التوازن بينهما هو ما يصنع الفرق بين الغرق والنجاة بين الضياع والاهتداء.