أما في هذا الصباح فلن أتحدث عن صورة تختص بالبحر ، أو مايرتبط به من طبيعتنا الجميلة ؛ حتى لايمل القارئ من الصور المتقاربة ، والجمل المتجانسة ، والألفاظ المتشاكلة ، والمعاني المتشابهة ، والإيقاعات المتناغمة ، إذ استلفت نظري على شاطئ البحر صورة غريبة عجيبة !
رأيت شيخين مسنين ؛ رجلا وامرأة ، يأتيان كل صباح تقريبا إلى الشاطئ ، ويمارسان - بشكل متكرر - الطقوس نفسها يوميا ؛ يأت الاثنان صامتان ، ثم تجلس الشيخة القرفصاء على تماس مع المياه ، فتضرب الأمواج قدميها وكفيها عند الإقدام ، وتبتعد عن أطرافها قليلا في أثناء القهقرى ، أما عيناها فقد تسمرتا إلى الأمام نحو امتداد سطح البحر ، لكن بعلها يتكئ خلفها على خشبة قارب عتيق ، مبتعدا عنها وعن البحر بحوالي 20 مترا ، وعيناه شاخصتان نحو ظهر حليلته ، والصمت المقيم عليهما هو القاسم المشترك بينهما.
الأمر الذي خلق لدي سؤالا كبيرا ، بل أسئلة كثيرة تحتاج إلى إجابات ؟؟؟ لأن مرحلة الشيخوخة قد تنتزع من قلبيهما التصابي ، وشيئا من مباهج الغنج ، وقهقهة الغزل والدلال ، لكنها يستحيل أن تجتث منهما الحديث الثنائي ، والتشاكي لبعضهما من قسوة الدهر ، ومروق الأبناء ، وتمرد الشباب . كذلك نقرأ من تلك الصورة أن كلا المسنين لم يعد يرغب في مشاركة الآخر شيئا مما يفكر فيه ، أو مما يجول بخاطره ، لعل هوة كبيرة قد نشأت بينهما ، ولا أظن أن للزمن علاقة بذلك ، فتقدم الوقت بين الزوجين إنما من شأنه أن يزيد من مشاعر الرحمة والود والألفة . بقي أمر آخر وهو ربما تلك الحرب الظالمة التي جثمت 8 سنوات عجاف على صدور الآباء والأمهات ، واستوطنت منازل البسطاء والمعدمين ، وأكلت كثيرا من أبنائهم وفلذات أكبادهم ...
أرجو أخي القارئ أن ترفدني بشيء من قراءتك لتلك الصورة ، أو تصورك لذلك المشهد .