في الأسبوع الماضي تم في عدن العاصمة اليمنية المؤقتة اشهار التكتل الوطني السياسي للأحزاب والمكونات السياسية والذي لقي ترحيباً كبيراً من الحكومة اليمنية وقيادتها.
وحمل الكثير من الآمال للمواطن اليمني الذي مازال يَصْلَى بنار الأزمة الطاحنة التي تتعرض لها البلاد منذ عقد مضى من بداية اندلاعها، لعلّ وعسى أن تصل قيادة الأحزاب والمكونات السياسية لحلول ناجعة تتخلى في بداياتها عن النرجسية والمصالح الذاتية وتنظر الى مفهوم الوطن بنظرة عميقة وشاملة تضع الخلافات الجانبية بعيداً جداً إن لم يكن بالإمكان دفنها في حفرة عميقة بحيث لا تصلها أيادي أي نابش في يوم من الأيام،
ومن محفزات الآمال لدى المواطن اليمني أنه تمّ اختيار الدكتور احمد بن دغر رئيساً للمجلس الأعلى فهذه الشخصية التي فرضت نفسها خلال الفترة الماضية بتوازنها وعقلانيتها بعيداً عن الشطط السياسي أو الحزبيات الضيقة فهو مدرك للحال الذي وصلت اليها البلاد من وضع متردٍ لا تجمّله بعض الرتوش والمساحيق،
وإذ ألقينا نظرة سريعة لخطاب الدكتور احمد بن دغر في حفل اشهار التكتل فهو خطاب تاريخي بحق، فنجده أنه قد شخّص الحالة اليمنية بقوله إنها
(تتسم بالتعقيد وحالة من انعدام الوزن، مصحوبة بقدر غير قليل من العنف والتناحر، سمته الأساسية تمردٌ على الدولة، واضطراب شامل في مناحي الحياة)،
وقد أكّد المؤكّد في كلمته أن علاج هذه الأعراض
(لا تكفيها وحدة المكونات السياسية وإنما وحدة كل قوى المجتمع والدولة) وبالتأكيد على قاعدة التصالح والتسامح والقبول بالآخر،
وفي نظر الدكتور احمد (أن هذا الأمر قد توافقت عليه معظم القوى الوطنية في مخرجات الحوار الوطني،
وبالتالي يكاد يكون هو المخرج الوحيد لكن بالإمكان تطويره ضمن الاستراتيجيات المستقبلية ليلبي طموحات الشعب وحقه في حياة حرة كريمة)،
وسبق لي أن تحدثت وكتبت وتحدث الكثير غيري أن من تآمر على مخرجات الحوار الوطني وحال بينها وبين التطبيق على أرض الواقع هو الذي أوصل البلاد والعباد الى ما وصلت اليه، ناهيك عن تراخي أو صمت بعض القوى السياسية حيث تسببت هي الأخرى بالوصول الى هذا الحال بسبب صمتها وتراخيها الغير مقبول،
ومما أشار اليه الدكتور في خطابه أن هذه التجربة لم تأتِ بما لم يأتِ به الأوائل، بل هي امتداد لما قبلها ومنبتة عما حولها من تحولات،
والخطاب مدركاً للمخاطر والمنزلقات المحيطة بنا، فقال: (لقد آلينا على أنفسنا الخوض في الصعب من واقعنا وننتقل ببرامجنا من مكون إلى آخر بأفق أوسع ورغبة حقيقية في التعاون والعمل المشترك، بعيداً عن روح التعصب أو القفز على واقع تهددنا فيه المخاطر والمنزلقات)
ومما أشار اليه أن مقومات النجاح لهذا التكتل بعد توفيق الله سبحانه وتعالى دعم الجماهير التواقة للخلاص والخروج من حالة التيه والعنف الى حالة من الاستقرار وإعادة البناء، وفعلاً فبدون الدعم الجماهيري والقناعات الشعبية سنبقى محلك سر،
وأشار بما هو مهم أيضاً الى ركن آخر وهو من مقومات النجاح ألا وهو دعم الأشقاء في التحالف العربي بقيادة الشقيقة الكبرى المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة،
وكذلك الأصدقاء في المجتمع الدولي،
ومن مرتكزات الخطاب الرئيسية التأكيد على مقاومة الانقلاب الحوثي كوفاء لمبادئ ثورتي سبتمبر وأكتوبر المجيدتين كتأكيد لرفض الامامة العنصرية السلالية وكافة قوى الاستعمار والحفاظ على منجز مايو العظيم،
وايضاً ركّز على هدف تعزيز الاستراتيجيات والاجماع الوطني للوصول الى حلٍ شاملِ وعادلٍ ينهي الانقلاب ويستعيد الدولة، ويؤسس لعهدٍ جديد،
ومن النقاط المهمة أيضاً هي الدعوة لمن ترددوا في الانضمام الى اللحاق بهذا التكتل مذكراً إياهم بالثوار الأوائل الرافضين للإمامة السابقة فعليهم رفضها في صيغتها الحديثة المخاتلة والمخادعة، والتي ما هي الاّ عبودية تاباها النفس الإنسانية السويّة ويرفضها العقل الحر،
ومن أجمل ما قاله لمن ترددوا دعوتهم لتبوؤا مقاعدهم فيه، (فهي مقاعد ومواقع شاغرة لا يملؤها غيرهم)،
فهذه الثقافة السويةّ التي ترفض التهميش والاقصاء والاعتراف بالجميع وحرية رأيهم ومواقفهم طالما لا تخرج عن الثوابت الوطنية،
الخطاب شامل بكل ما تحمله الكلمة من معنى ولا يحتاج لتعليقات فهو واضحٌ لا غموض فيه،
وظني أنه سيكون نصب اعين كل الوطنيين الأحرار وملهماً لهم.