كتب/ مصطفى المخلافي
بلاشك بأن ثورة الرابع عشر من أكتوبر المجيد كانت تتويجاً لمسار طويل من المقاومة الشعبية في جنوب الوطن، ضد الاحتلال البريطاني، بدايةً بمقاومة الاحتلال في جبال ردفان وانتهاءاً بطرد آخر جندي بريطاني في الـ30 من نوفمبر عام 1967م، حيث كانت ثورة أكتوبر بمثابة انطلاقة حقيقية نحو التحرر من الاستبداد والقمع والهمجمية، خاصة وأن الاستقلال جاء بإرادة شعبية حُرة بعد أن كان جنوب اليمن يُدار عبر نظام قمعي خارجي، وفي صباح الرابع عشر من أكتوبر عام 1963م وبعد 129 عام من الهينمة الاستعمارية البريطانية أعلن الثوار اليمنييون في جنوب اليمن قيام الثورة واستقلال جنوب اليمن من الإرادة الأجنبية، ولعل ثورة أكتوبر تُعد أحد أهم الثورات العربية في جنوب الجزيرة العربية والمنطقة، حيث سارع الاحتلال البريطاني بعد تسع سنوات من قيام ثورة أكتوبر المجيد إلى الإنسحاب من البحرين وقطر بموجب المعاهدات المتفق عليها بين الطرفين، وهذا يحسب لثورة أكتوبر التي كانت بمثابة اللبنة الأساسية في دحر الانتداب البريطاني من المنطقة، ولعل التاريخ شاهد على ذلك.
وبرغم القلق الغامض الذي يُحدق بنا وبعد مرور 61 عام على قيام ثورة الرابع عشر من أكتوبر المجيد، أجد نفسي غير منتشياً على غير العادة، وغير مطمئناً كذلك، فما يحدث في جنوب اليمن لا يُشبه أكتوبر بل يحاول جاهداً محو وتشويه هذه الذكرى العظيمة، ولا أظن أن مثل هذه الهزات قادره على خلخلة ثوابت الثورة وقيمها الوطنية العريقة.
وبرغم ما تُزين المغريات لنفوس الساسة الطامحين بعودة عجلة التاريخ للوراء، إلا أنهم لا يزالون مدفوعين إلى عصورِ الظلمةِ الاستبدادية، ورغم ما يملأ قلوبهم من تطلعات وأحلام وردية إلا أنها لا تخلو عادةً من بعض العناكب السوداء القاتلة التي ومع مرور الوقت تقوم بلسع نفسها لتموت مسمومة في عراء صحراء قاحلة، ومن يظن بأن بإمكانه إعادة الاحتلال ولو بطرق ناعمة فهو جاهل بالتاريخ وعليه مراجعة شريط ثورة أكتوبر المجيد وكيف تم دحر المحتل بسواعد الرجال وخشوم بنادقهم، ولعلي كنت أعتقد أن انهزامية المتربصين بالوطن تكمن في كيفية جمع الثروة مقابل فُتات يقتاتون عليه لسنين، لكني عرفت متأخراً أن انهزاميتهم متجذرة في أعماق التاريخ والماضي، وهو الذي يدفعهم متخفين خلف شعاراتهم للنيل من مكتسبات الثورة والوحدة والجمهورية.
وما إن بدأتُ بالقراءة المُتأنية عن ثورة أكتوبر المجيد التي ينبغي أن يقرأها جميع اليمنييون، حتى انزاحت عني حُجب الخوف عليها، وتأكد رهاني من جديد على أن الجمهورية اليمنية ستظل كما كانت عصية على الأطماع الخارجية مهما كانت الصعوبات والتحديات.
إن ما يتعلق بِحُراس جمالية الثورة والوحدة والجمهورية، يكمن في الكتابة عنهما وترسيخ فكرة الدفاع عنهما كحياة أبدية لا بديل لنا عنها، ولكن هل خطر ببالنا أن نسأل أنفسنا مرة أين الجمال فيما نكتب وننتج من أعمال أدبية وفنية نظنها ذات قيمة حقيقية؟ خاصة وأننا نشهد على أردى حقبة يتم فيها التقليل من الثورة والوحدة والجمهورية، وفي حالات يتم تجاهل كل ذلك، نعيش في زمن إنهارت فيه الصروح الفنية والأدبية والمعنوية الشاهقة التي كانت تُزين حياتنا وتطرب أسماعنا بالأغاني الوطنية التي تتغنى بمجد أجدادنا واعيادنا الوطنية وتضفي رونقاً على مجد تاريخنا العريق.
إن الجمال الحقيقي للثورة هو ذاك العُنصر المُشع الباقي والخالد في كل نص وفي كل مذهب وفي كل شجرة تنبُت في شعاب وجبال ووديان الجمهورية اليمنية التي ستظل رايتها عالية خفاقة تنشد النصر ولا شيء غير النصر.