آخر تحديث :الإثنين-16 سبتمبر 2024-01:13م


القوة العلمية والوعي المجتمعي بين قيمة العالم وضجيج المهرج

الجمعة - 06 سبتمبر 2024 - الساعة 03:52 م

محمد العنبري
بقلم: محمد العنبري
- ارشيف الكاتب


إذا أردت أن تعرف مدى قوة أي مجتمع العلمية والوعي والإدراك لديه فعليك أن تنظر بعناية إلى المكانة التي يمنحها لأفراده، وإلى من يصعد بهم إلى قمة الاهتمام والاعتبار هنا يظهر السؤال من يحظى بالقدر الأكبر من الجماهيرية والاهتمام والحضور والمكانة في هذا المجتمع؟ هل هو المعلم، والعالم، والمفكر، أم هو المهرج، والأحمق، والساذج؟
إن المقارنة بين هاتين الفئتين قد تبدو بسيطة، ولكنها تحمل في طياتها معاني عميقة تعكس حقيقة القيم التي يرتكز عليها المجتمع في المجتمعات التي تقدر العلم والفكر، نجد أن العلماء والمفكرين والمعلمين يحظون بالاحترام والتقدير هؤلاء هم الأشخاص الذين يُسهمون في بناء مستقبل الأمة، من خلال تقديم المعرفة، وإنتاج الأفكار، وتوجيه الأجيال نحو الأفضل.
أما في المجتمعات التي تتجه نحو الترفيه السطحي والاستهلاك السريع، فإن الشخصيات التي تقدم الضحك بلا مضمون، أو تستعرض سذاجة وجنونًا بلا فائدة، قد تصبح نجومًا جماهيرية يتم تسليط الأضواء عليهم في وسائل الإعلام، ويجذبون اهتمامًا كبيرًا من الناس، لكنهم لا يضيفون قيمة حقيقية للمجتمع سوى التسلية المؤقتة.
إذا نظرنا إلى حضارات الماضي العظيمة سنجد أن مكانة العلماء والمفكرين كانت دائمًا عالية في الحضارة الإسلامية، كان العلماء يحتلون مناصب مرموقة، وكان الخلفاء والأمراء يتفاخرون برعايتهم لهم هذا الأمر لم يكن مقتصرًا على الحضارة الإسلامية فقط، بل نجده في الحضارات الأخرى مثل الحضارة اليونانية، حيث كان الفلاسفة يُكرّمون ويعتبرون مصادر الحكمة والمعرفة.
لكن عندما تسود ثقافة الاستهلاك وتصبح السطحية هي الغالبة فإن الأشخاص الذين يعبرون عن الأفكار التافهة ويقدمون الترفيه الفارغ يصبحون هم أبطال المشهد هذه الظاهرة تعكس تراجعًا في وعي المجتمع وإدراكه لأهمية العلم والفكر في بناء مستقبله.
المجتمعات التي تضع المعلم والعالم والمفكر في المقدمة وتمنحهم المكانة التي يستحقونها، هي المجتمعات التي تمتلك القوة الحقيقية للنهوض والتقدم أما المجتمعات التي تلهث خلف المهرجين والسذج، فهي مجتمعات تهدر طاقاتها في تفاهات لا تسمن ولا تغني من جوع.
في الختام يمكن القول إن أي مجتمع يمكن قياس قوته العلمية ووعيه وإدراكه من خلال النظر إلى الأشخاص الذين يمنحهم الاعتبار الأكبر فإذا كانت القمة مشغولة بالعلماء والمفكرين والمعلمين، فهذا مؤشر على مجتمع قوي وعلمياً ناضج أما إذا كانت القمة مشغولة بالمهرجين والأحمق، فهذه علامة على مجتمع يعيش في أزمة قيم، بحاجة إلى إعادة نظر في أولوياته.