آخر تحديث :الخميس-19 سبتمبر 2024-01:52ص


الأستاذ علي الذيب.. وشواهد النهضة

الأحد - 21 يوليه 2024 - الساعة 07:59 م

د. أنيس مجمل
بقلم: د. أنيس مجمل
- ارشيف الكاتب


**
✍🏻 د. أنيس مجمل

▪️في لقاء أقل ما يوصف به أنه لقاء ماتع جميل.. لقاء التاريخ والحضارة... لقاء الأشجان والآمال.. لقاء دام أكثر من ثلاث ساعات مع المؤرخ الكبير الأستاذ علي بن جار الله بن الذيب الهمداني، برفقة د. محمد الشرجبي المستشار القانوني في الجالية اليمنية..

▪️لقاء تعرفنا من خلاله على أمور، لم تكن في البال.. لقاء عبرنا فيه التاريخ عبور القلوب إلى الزمن الجميل.. لقاء بدايته بسمة، ووسطه عزة، ونهايته امل.. من خلال هذا اللقاء الذي تحدث فيه الاستاذ علي الذيب عن محطات من الحضارة اليمنية في زمن الخلافة العثمانية.. والتي اختصرها من موسوعته الموسومة *ب(شواهد النهضة اليمنية في العهد العثماني)* ... ويكفيني من هذه الشواهد الموثقة بالكلمة والصورة، ومن شخصية كاتبها..  شواهد ثلاثة:-
* *[1] التاريخ الحضاري لليمن:* كانت الحقبة العثمانية في اليمنية حقبة ازدهرت فيها الحضارة اليمنية، رغم الصعوبات التي واجهت دولة الخلافة، ولكنها استطاعت النهوض باليمن في مختلف ميادين الحضارة التي تحتاج مجلدات للحديث عن مجالاتها والتي دون الأستاذ علي الذيب منها:- (مجال التعليم والتدريب والتأهيل-المجال التشريعي والانتخابي- المجال القضائي- مجال الأوقاف والشؤون الإسلامية - المجال الصناعي- مجال الاتصالات والطرق والمواصلات- المجال الأمني والعسكري- المجال العمراني والبنى التحتية- المجال الزراعي- مجال الصحة العامة-المجال الإداري والدبلوماسي- مجال التقسيم الإداري- المجال الإعلامي- المجال المالي والمحاسبي)

* *[2] جهود الخلافة العثمانية:* لا يشك مسلم عاقل أن الدولة العثمانية دولة إسلامية عريقة، كان لها الجهود في نشر الإسلام، خلال أكثر من 600 عام، امتدت رقعة أراضيها لمساحات شاسعة في ثلاث قارات، هي أوروبا، وآسيا، وأفريقيا رغم ما قيل.. وبالنسبة لليمن كان لهم الجهد الأكبر في حمايتها من آلغزو الصليبي في حقبة زمنية سبقت، ولها الأثر في الحضارة وشواهدها لا تزال قائمة.. ويكفينا في ذلك الشهادة التي نقلها العبدلي في هدية الزمن علماء ووجهاء وشرفاء مدينة تعز في خطابهم إلى قائد الجيوش العثمانية حينما أراد العثمانيون مغادره اليمن إبان سقوط الخلافة، ومما جاء فيها: (... فقلدتم أعناق ساكن القطعة اليمانية طوق الامتنان الذي لا يقوم بشكر أقلها الشأن، وأصبحتم شمسًا مشعةً على هذه القطعة يهتدي بنوركم في ليل الخطوب، فاجتذبتم أزمة القلوب، وحزتم أعظم الأجور من علام الغيوب، وبينما العموم يشكرون فعلكم الجميل إذ شاعت أخبار مفجعة وحركات مدهشة، فأظلم ليل الخطب واعتكر بعد أن كان فجر الإصباح أسفر... ولو كان ذلك حقا فلا يخفاكم حبنا للدولة العلية العثمانية قديما وحديثا، وارتباطنا بعاصمة الخلافة الإسلامية لا نستبدل به غيره... والأمل العمومي بديانتكم أن لا تتركوا التبليغ إلى مقر الخلافة بأننا مرتبطون بها وغير منفكين عن سلطتها، ونسألكم بالله أن لا تتحركوا حتى تعلمونا السبب الباعث لترك هذه القطعة هملا، وبتر عضو من الإسلام، ونرجوكم تسكين روعة العموم بإنبائنا بالنتيجة).

* *[3] موسوعية الأستاذ علي الذيب:* الاستاذ علي حقيقة شخصية راقية التعامل، يأسرك بلطفه، ويجذبك بعذب كلامه، ويسليك بمرح روحه.. جمع بين الموسوعية التاريخية، والأخلاق الحسنة، وطيب المعشر،.. هذا كله جانب، والجانب الآخر الرجل موسوعة تاريخية وتوثيقية تمشي على الأرض.. بذل عمره في البحث والتنقيب والكتابة والتدوين، وبعد عناء شديد طبع كتابه *شواهد* والذي أكرمني الاستاذ علي بنسخة منه، فألفيته كتابا رائعا، وهناك العديد من المؤلفات العميقة التي تنتظر دورها الطباعة.

▪️حينما رأيت الاستاذ علي الذيب، وسمعت منه التاريخ، وبعضا من شعره الخاص، ورأيت منه حمل هم الأمة، والهمة العالية في التنقيب عن آثار الحضارة اليمنية في الحقبة العثمانية وغيرها.. وكان مقابل ذلك، الإهمال من الجهات الرسمية، وعدم الاهتمام من المؤسسات التعليمية، والإبعاد من الجهات الحزبية.. حينها تذكرت ما اشتهر من:-
* قول علامة اليمن الشوكاني : �إن كثيرًا من أهل اليمن جبلوا عل غمط محاسن بعضهم لبعض، ودفن مناقب أفاضلهم...وإني لأكثر التعجب من اختصاصهم  بهذه الخصلة، التي كانت سببًا لدفن سابقهم ولاحقهم، وغمط رفيع قدر عالمهم وفاضلهم وشاعرهم، وسائر أكابرهم، ولهذا أهملهم المصنفون في التاريخ على العموم�.

* وقول شيخ الشافعية في اليمن ابن أبي الخير العمراني: �والله لو يُقَدِّرُ الله لولدي طاهر الخروج إلى البلاد التي شُرِّف بها العلم ليعَلْون درجة الإمامة� وكان يقول أيضًا: �طاهر فقيهٌ سامِي الذِكْرِ، وإنما أمَاتَ ذِكَرَهُ بلدُ السُوء!�.

▪️هذا حال أهل اليمن في الزمن الجميل، فما بالك بزماننا هذا الذي استبعد فيه الأمين وقرب الخائن، والذي صدق فيه الكاذب، وكذب الصادق.. والذي أعتلى فيه منابر السياسية والثقافة الرويبضة الرجل التافه في الأخلاق والتفكير والسلوك.. وأصبح العالم المجد لا يجد قوت يومه، ولا ما يساهم في نشر علمه، وطباعة أبحاثه.

▪️ *باختصار:* مما يؤسف له أن العديد من عباقرة اليمن في التاريخ والطب والاجتماع والهندسة وعلوم الشريعة... قد نالهم الأهمال.. وطوى صفحاتهم النسيان، وتاهت شخوصهم في وسط المحسوبيات والحزبيات والمناطقيات والمصالح المتبادلة، وأصبحوا يعيشون في زمن صارت فيه معايير التقييم هي الولاءات والانتماءات، وشروط القبول هي المنافع والمصالح،ومواصفات الدعم هي الجندية والتبعية.
▪️▪️▪️▪️▪️▪️