فاروق المفلحي
البعض يعتقد ان القضاء منزه عن الاخطاء في عالمنا العربي ! والحقيقة ان القضاء ليس معصوما من الاخطاء ،ولقد كان القضاء في العالم العربي والإسلامي ، هو من علم العالم العدل وخلع الحصانة عن المتهم ليحاكم ، بل ومن روائع القضاء في العالم العربي والإسلامي في سالف العصر هو مجموعة المحلفين الذين لهم رأيهم في حكم القضاة . فتركنا للأسف اهمية اختيار المحلفين بينما تنبه وطبق القضاء الغربي هذه الميزة العظيمة .
وعن الحكم القضائي الذي صدر بحق حسين هرهرة في جريمة قتل الطفلة البريئة حنين إبراهيم البكري "طيب الله ثراها" وذلك في حادثة مروعة اهتزت لها عدن ووقعت في عشية عيد الاضحى قبل عام ، فقد رأوا الكثيرون من المتابعين ورجال الدين المحايدين رأوا أن الجريمة ليست بسابق ترصد وتعمد في القتل . وهي تندرج ضمن القتل " الشبه العمد " وعقوبتها هي السجن مدى الحياة .
على ان قضية ايجاد محلفين مستقبلا ضرورة وهذا في صلب القضاء الإسلامي وخطوة مهمة يجب علينا ان ناخذ بها طالما ونحن من نقلنا هذه الميزة العظيمة إلى معاهد العدالة في الغرب واصبحت من اهم شروط المحاكم والقضاء
هو اختيار المحلفين .
قبل سنوات وصلتني رسالة في اختياري من ضمن اعضاء المحلفين ، ورغم انني مهاجر فقد عجبت لحيادية القرار وعدم تمييزه بين مهاجر إلى كندا ومواطن كندي . كذلك اخبرني قريبي الشيخ يحيى قاسم المفلحي في امريكا .ديترويت بان زوجته تم اختيارها كمحلف . صحيح انني اعتذرت ولكنني شعرت بالغصة في ان نظام المحلفين تم حذفه في عالمنا العربي ونحن من قدمه إلى العالم بأسره .
وعود إلى الكليم والأليم والد حنين البكري الاخ العزيز إبراهيم البكري حفظه الله ، فقد عبر عن عدم قبوله التنازل عن حكم المحكمة بالقصاص ، والحقيقة فان القصاص لا يشفي الحزن الصادع، وانما ما يشفي الأوجاع هو كرم العفو والتسامح ، وهذا في ميزان أعماله وكما عبر الاستاذ عادل اليافعي بان على والد الشهيدة حنين ان يتذكر ان لحسين هرهرة بنات سوف يصبحن يتيمات وان عتق رقبة يعتبر من اعظم المكرمات والحسنات في ديننا الحنيف بل ومثلنا وعاداتنا .
وعن حسين هرهرة ومرة اخرى وهذا الكلام أوجهه للقضاء فان هناك عتب في انهم تعجلوا وان "سبق السيف العذل" فعلى القضاه التوجه إلى والد حنين والتأثير عليه في قضية القصاص فهم من حكموا وهم من سيساعد في هذا الأمر في تخفيف العقوبة تنازلاً وكرماً من والد حنين .ولن ألوم والد حنين إبراهيم البكري لتصدع قلبه لاستشهاد ابنته ،ولكنني اعتب على من هم حوله من اهل وأقارب وأخيار القوم وشخصيات اجتماعية ورسمية في ان الوقت لا زال يسعفهم في عتق رقبة حسين هرهرة وعليهم ان يسبقوا الزمن بتوضيح اهمية عتق الرقبة والقتل الغير المتعمد .في حالة شجار يصبح الشخص خارج نطاق العقل . فقد أطلق حسين هرهرة النار ليس بهدف القتل أبدا بل بهدف تخريب السيارة، ولم يتعمد حتى إطلاق النار على واجهة السيارة وان كان البعض قد ذكر أن حسين هرهرة ابلغ قبل إطلاق النار أن بنات إبراهيم البكري في السيارة، فالغاضب لا يسمع ولا يعي .
وبما أن القصاص في ديننا له ايضا درجات حتى بحق من يرتكبون جريمة الحرابة فالآية تقول " إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ"
والحقيقة فان السجن مدى الحياة هو النفس من الارض وهو اليوم المتبع في معظم دول العالم والنفي من الارض بحق الذين افسدوا في الارض ليست سهلة اي السجن مدى الحياة .وهذا في حوادث القتل العمد .
على ان الامم المتحدة اليوم تطالب بوقف الاعدام بسبب اخطاء فادحة في الحكم بالقصاص ، وهذا ما أثبتته تحليلات الحمض في أن هناك في أمريكا من أعدم دون أن يرتكب جريمة القتل . كما اننا نسمع دائما عن التعويض لسجين حكم عليه بالسجن مدى الحياة في جريمة قتل وثبت بعد تحليل الحمض انه بريء .
ومرة اخرى فالنفي من الارض في جريمة الحرابة وهو جزاء مؤلم لمن يفسدون في الارض وهو السجن مدى الحياة . وهذا تشريع سماوي وقد يفسره البعض بغير ذلك ولكننا امام آية قرآنية واضحة وجلية .
"اللهم اجعلنا ممن يسمعون القول فيتبعون أحسنه"
وكلمة اخيرة أتقدم بها إلى أخي الكليم ابو حنين إبراهيم البكري . واقول له لقد بكينا جميعا على الشهيدة ابنتكم حنين على ان القصاص فرحة لحظة ،بينما عتق رقبة حسنة عظيمة وراحة نفسية مستدامة بل وشرف عظيم .