آخر تحديث :الأحد-28 أبريل 2024-09:10ص

الشعب يعيش مجاعة حقيقية سيادة الرئيس ،،،

الخميس - 21 مارس 2024 - الساعة 06:35 م

د. سعيد سالم الحرباجي
بقلم: د. سعيد سالم الحرباجي
- ارشيف الكاتب




كعادتي كل يوم أعود من العمل مع الساعة الثانية والنصف ظهراً من مدينة الشعب ...
فبينما كنت عائداً اليوم بنفس التوقيت لفت نظري رجل كبير السن ، يبدو من بعيد وقد نحل جسمه ، وتقوس ظهره ، وابيض شعر رأسه ، يجر قدميه الحافيتين من الأرض جراً ، تتثاقل خطواته ، يكاد يقع في الأرض ، إلا أنه مصراً على المشي سيراً على الأقدام ، فلما أدركته بسيارتي وقفت أمامه فأشرت إليه أن اصعد السيارة ،...
تلفت يمنة ويسرة ، فأشار إلى نفسه متعجباً ، ولسان حاله يقول :
أتناديني أنا ، فأشرت له : نعم نعم ...أنت أنت ..
تفضل أصعد السيارة ، لم يصدق ما يسمع ، بقي متسمَّراً مكانه ، ثم تقدم ببطئ نحو السيارة ، وعلى ملامح وجهه أثر الدهشة والاستغراب ، فتح باب السيارة بهدء فصعد وهو يحدق في وجهي ، فبدأت أسأله : من أين أتيت هذه الساعة في حر الظهيرة وأنت صائم ؟
وعلى الفور انفجر باكياً ، وأخذ يدعو الله أن ينتقم منه ، ثم تمتم بكلمات خافتة ، وفجأة رفع صوته قليلاً .. سآكل أنا وبناتي من براميل القمامة ولن نمد أيدينا لأحد ، ولن أسرق ، لن يضيعنا ربنا سبحانه وتعالى .
تملكني شعور الحزن ، فترقرق الدمع بعيناي ، وساد الصمت قليلاً....لكني تمالكت نفسي ، واسترجعت قواي فقلت له خيراً
يا حاج ماذا حصل لك ؟
قال يا ابني أتيت من مدينة كريتر إلى مدينة الشعب وعدني فلان أن يتعاون معي بما يسد رمق جوع بناتي ( الست ) ,لكنه أخلف ولم يوف بوعده ، وأنا لا أجد ريالاً واحداً كي أعطي أجرة السيارة للعودة إلى منزلي ... فضلاً عن أعود بشئ يخفف من جوع أسرتي ، لكني سأجلب لأسرتي من براميل القمامة ما نفطر به ...ثم كرر لن أسرق ، لن أمد يدي لأحد ، ربنا كريم ، لن يضيعنا .

حاولت جاهداً أن أبادله مشاعره ، ...
الله كريم يا والد ، الله رحيم ، هو الرزاق وحده ، هو فارج الهم ، هو كاشف الغم ، هو اللطيف بعباده.
أخذ يمسح دموع عينيه المنحدرة على وجنتيه الشاحبتين ...وهو يقول يا ابني أتقاضى راتب تقاعدي ( خمسين ألف ريالاً ) وانا أب لست بنات ، كنت أعمل بعض الأعمال البسيطة كي أعيل أسرتي .
لكن الآن كما ترى .... المرض ينهش جسمي ، وصحتي تنهار ، وقواي لم تعد تمكنني من القيام بأية أعمال .
ثم تمتم قائلاً : الله ينتقم ممن كان السبب ( كررها ثالثاً ).
تأملت ملامح وجهه ...فإذا الرجل يبدو في العقد السادس من عمره تقريبا ، لكن قسمات وجهه تتراءى وكأنه قد بلغ الثمانين .
شاحب الوجه ، مصفر اللون ، غارت عيناه ، وتقوس ظهره ، وَنحل جسمه ، وكأن جلده على عظمه... كثوب مهتري يغطي أعواداً يابسة .
أخذته إلى أحد المحسنين واستخرجت له مواد غذائية تكفيه لعدة أيام ، وأخرجت ما في جيبي من النقود وسلمتها له تعينه
للمواصلات ، فتهلل وجهه ، وانسبسطت أساريره ،.
ثم قال يا ابني لم نعد نعرف الرز ،
ولا الخبز إلا ما نحصل عليه من أهل الخير ، أو من بقايا المطاعم ، أو نجده في براميل القمامة!!!

ثم ودعته وهو يقول : الله ينتقم من أوصلنا إلى هذا الحال ( بقي يرددها عدة مرات ) حسبنا الله ونعم الوكيل .


يا إلهي ،،،
أبلغ الحال بنا إلى هذا المستوى ؟
أسر بأكملها تقتات من براميل القمامة ،؟
في الوقت الذي يصاب فيه مسؤولونا بالتخمة ،!!!
أية لنعة حلت بالشعب بسبب هذه العاهات الخارج المواطن عن حسابها ؟
ألا يتقي الله هؤلاء في رعيتهم ؟
ألا يخشون دعوات المظلومين وبالذات في هذا الشهر الكريم ؟

كم أتمنى أن تصل هذه الرسالة إلى رئيس الجمهورية ومعاونيه ،
ورئيس الحكومة ووزائه ....
والله إنني لكم لناصح ، وعليكم لمشفق ، ولكم محب ،،،
اتقوا دعوات المظلومين ، فليس بينها وبين الله حجاب .
لا تظنوا أنكم في مأمن من دعواتهم ، فهي سهام يطلقها المظلوم والله بقدرته يوجهها فستصيبكم عاجلاً أم آجلاً .
فالله يمهل ...لكنه لا يهمل .
قال سبحانه وتعالى : ( سنستدرجهم من حيث لا يعلمون)

هذا الرجل المسكين ومن على شاكلته ملايين يبحثون عن مخلفات الطعام في براميل القمامة ، ونحن نربض على بحيرات من الخيرات !!!
وأنتم وأولادكم تعبثون بالأموال !!!
عجباً لكم ،،
بل تباً لكم وألف تب ،،
وضع الناس اليوم ...تعجز الكلمات أن تتحدث عنه ، ويعحز البلغاء أن يصفوه ، ويصعب على الكتاب أن يترجموه !!!

الناس تموووووت جووووووعاً ،،
الناس في مجاعة حقيقية ،،
ماذا تريدون أكثر من هذا الوصف المختصر ؟