آخر تحديث :الأحد-28 أبريل 2024-07:24ص

المسجد.. والأبعاد الثلاثة.

الخميس - 14 مارس 2024 - الساعة 06:22 ص

منصور بلعيدي
بقلم: منصور بلعيدي
- ارشيف الكاتب


كان المسجد في صدر الاسلام له ثلاثة ابعاد رئيسية هامة كانت اساس نشوء وتطور الدولة الاسلامية الشاملة العادلة.. ‏
بُعد ديني:
وهو مكان للصلاة والعبادة والتثقيف الديني. ( دور عبادة)
بُعد تربوي:
وهو مكان لتعليم الدين وتدريس العلوم ( مدرسة) .
بُعد سياسي: ( برلمان).
اشمل بكثير من برلمانات اليوم فقد كان كل مواطن عضواً فيه.
ومركزاً للقيادة وادارة المشاورات وعقد الرايات واتخاذ القرارات .

ورغم ان المسجد في صدر الاسلام كان مجرد مبنى بسيطاً جداً خال من الزخارف والتزيين لانه مكان عبادة وعمل وليس متحفاً سياحياً ، لكنه كان فاعلاً جداً في حياة المسلمين كونه محل القيادة والريادة وادارة شؤون المجتمع.

وبعد سقوط الخلافة الاسلامية عام 1923م سقطت الأبعاد الثلاثة للمسجد وتغيرت مهمته كمركز للقيادة والسيطرة في حياة المسلمين الى ما يشبه الـ( معبد)‏ فقط لا اكثر .
فتغيرت معايير وجوده وغيبت ابعاده الثلاثة التي كان على اساسها يدير دولة بكل مكوناتها..

وشيئاً فشيئاً تحول المسجد الى قصراً فخماً مليئ بالزخارف والتشكيلات الفنية التي تلهي المصلين فيصيرون عن صلاتهم ساهون.

وهكذا همش دور المسجد في حياة المسلمين المعاصرين فـ(دالت) دولة الاسلام وطغت الدولة القومية العلمانية على الاقطار الاسلامية فبهت دور المسلمين الريادي وتحولوا الى تابعين للأمم يستجدون الحياة العصرية من اعدائهم ويطبقونها في واقع لا يصلح لتطبيقها فجاءت النتائج مشوهةً لانها زرعت في تربة غير قابلة لها فصارت حياة المسلمين خليطاً غير متجانس من الاسلام والعلمانية وتولد منها مجتمعات هشة الفكر والعقيدة .

فلا انهم التزموا بمقتضيات عقيدتهم وما كان عليه سلفهم ، ولا انهم اخذوا العلوم التطبيقية المفيدة في الرقي والتطور من المجتمعات الغربية ليوجدوا اكتفائهم الذاتي من الحياة الدنيا .. فوصلوا الى مايشبه الـ( هجين )غير المتجانس بين الأمم ، فتقدمت الأمم الكافرة وتأخرت الأمة الاسلامية.

وتلك نتيجة طبيعية لافراغ المسجد من محتواه الذي وجد من أجله وسقوط ابعادة الثلاثة التي بها ساد المسلمين الدنيا كلها ونشروا الحضارة الاسلامية الراقية في اصقاع الارض من بغداد إلى الاندلس إلى افريقية.

وكانت الأمم الأوروبية في العصور الوسطى تستلهم الحضارة والعلوم من المسلمين ويرسلون بعثاتهم الطلابية لينهلوا من علوم المسلمين ورقيهم الحضاري فكان المسلمين حينها يمثلون استاذية العالم.

واليوم اصبحوا كالطلبة الراسبين في مدرسة الحياة بين الأمم.

مشكلة المنتسبين للإسلام في العصر الحديث ‏لا تكمن في عدم تطبيقهم للإسلام .. ‏بل في أنهم لم يفهموا حقائق الاسلام ومقتضيات تطبيقه كما فهمها وطبقها سلفهم الصالح.

وإلى حين يصلوا الى هذه الحقيقة ، سيظلون في مؤخرة الامم حتى يعوا حقيقة الدين ... وحينها سيستعيدون السيادة والريادة التي فقدوها.