آخر تحديث :الأحد-28 أبريل 2024-03:30ص

عندما يختلط الطحين بالدماء !

الجمعة - 01 مارس 2024 - الساعة 03:17 ص

د. عوض احمد العلقمي
بقلم: د. عوض احمد العلقمي
- ارشيف الكاتب


لا أكاد أصدق ما أرى من الذل والهوان وسمات العار والخزي وغيرها مما سكن قلوب هذه الأمة ، وتملك عقولها ، وشوش أفكارها ، إلا مارحم ربي ، احترازا من الوقوع في التعميم . لم أصدق عيني اليوم ، وأنا أشاهد على شاشات القنوات الإعلامية أحداث تلك المجزرة المروعة التي ارتكبها العدو الصهيوني بحق أهلنا العزل الجوعى في قطاع غزة ، إذ اصطفوا من الساعة الرابعة فجرا ، لعل الواحد منهم يحصل على حفنة من الطحين ، ربما لا تكفي لسد رمقه أو إشباع شيء من جوعه ، غير أنهم نسوا أو تناسوا - تربص عدوهم الصهيوني للقضاء على أي تجمع سكاني أعزل - من شدة قسوة المجاعة التي حلت بهم ، وشوشت  تفكيرهم منذ بضعة أشهر ، وهنا وجد العدو الصهيوني مايشبع غريزته ، ويروي ظمأ تعطشه ، فأطلق نيران أسلحته عليهم ؛ ليحقق بذلك شيئا من تطهيره العرقي ، وإباداته الجماعية ؛ فسقط منهم مائة ونيف شهداء ، وأكثر من ثمانمائة جرحى ، فاختلطت تلك الدماء الزكية الطاهرة بذرات الطحين المتناثرة ، مؤكدة ذل وهوان أمة ، بلغ تعدادها أكثر من مليار مسلم .

أجل سقط أولئك الجوعى ، وسقطت معهم كرامة أمة ، لربما ادعت ذات يوم أن الخالق قد كلفها بتثبيت مبادئ الحرية والعدالة والمساواة ، ونشر القيم السامية ، والأخلاق الفاضلة ؛ كإطعام الفقراء ، ورفع الظلم عن المظلوم ، وإغاثة الملهوف ، وإجارة المستجير ، وغيرها من الأعمال الجليلة ، والأمور العظيمة بين أبناء آدم على كوكب الأرض .

لكن يبدو أن أمة الإسلام قد أسال العدو الصليصهيوني عزتها وكرامتها وكبريائها ، وكل شيء عظيم فيها قبل أن يتجرأ على إسالة دماء الغزاويين الجوعى ، أرباب الوجوه الشاحبة ، والبطون الخاوية ، ويعجن بدمائهم ذرات الطحين المتناثرة في قطاع غزة . فبئس الأمم أمة عجزت عن إطعام ثلة من أحرارها في غزة وبيت المقدس ، فضلا عن الانتصار لهم ، أو حمايتهم من عدوها وعدوهم ، أو الثأر لهم من شواذ العصر ومنحرفيه . والأسوأ من ذلك أن تتبنى هذه الأمة الضعيفة الخانعة المنبطحة أكاذيب رواية عدوها ؛ كقوله عمن قتلهم أمس : إنما هم من قتلوا أنفسهم بالتدافع .

ولكن ماذا عسى الأحرار أن ينتظروا من أمة وصل بها السقوط إلى أن تطعم - تقربا وتزلفا - قاتلها ؛ كأن تمده بالفواكه والخضروات والمياه المعدنية ، وغير ذلك مما يحتاجه ، وتقدم السوط - استعذابا - لجلادها ، وتقبل - خنوعا واستسلاما - أحذية داعسها !!