آخر تحديث :الأربعاء-01 مايو 2024-12:59م

قالَها بِنْ حيدرةَ: السفِينةُ عرْجاءُ يا (......)

الأربعاء - 21 فبراير 2024 - الساعة 04:10 م

د. مجيب الرحمن الوصابي
بقلم: د. مجيب الرحمن الوصابي
- ارشيف الكاتب


قالَها بِنْ حيدرةَ: السفِينةُ عرْجاءُ يا (......)   

     السردُ في ظُلمةِ المقابرِ ليسَ إلَا صرخة حياةٍ بائسةٍ في هذهِ الأيامِ و تلك...

"-  فاسْـمَعـُوا يا سادَتِي!

قـبـلَ أنْ يغـشاكمُ المـوتُ الـزؤام

وفـِّـروا للـناسِ شـيـئـيـنِ فـقـط:

لـقـمةَ العـيشِ النظيـفةِ

وضماناتِ الأمانِ ...."1

    كشفُ الألمِ في السردِ وفضحهِ من ألوانِ الرجاءِ .. صيحةُ أملٍ، ...خطوة تصحيح للمسار، بلِ الأكيدُ هو شكلٌ من أشكالِ المقاومةِ وأسلوبِ حياةٍ، السردُ هو الحياة!  والحياة هي السرد، تمثيل للوجود كما يلحّ (بول ريكور) نحن نحيا بالسرد ونشكل هويتنا ونحكي أوجاعنا ... نشرحُ تجاربنا:

      "سـمِعـتُ عِـظامَ الـناس تـَتـَفـرقعُ، بـيـنَ مخالـبِ الفـقـرِ...وكأنّ الـمشهـدَ الـمؤلـمَ الـذي يتـكـررُ أمامـي بانـتظام، يأبى أنْ يتـركـني؛ أناسٌ يـسيـرونَ مُـنحـني الهـنـدام تـتـقـوّسُ أجـسادُهـم ذات العـظامِ الـبارزةِ....

     وأناسٌ تـتـراكمُ فوقَ أجسادهـم كتـلٌ ضخمةٌ مـن اللحـمِ والشحـمِ ... وجوهٌ شاحـبةٌ صفـراءُ، تـتـوسطها دهالـيـز، عـيـونُهـم الـمخيـفة، ووجوه مـنتـفخة، تـكاد لشـدة انتـفاخها، تخفـي عـيـونهـم بـيـن كتـلٍ مـن اللحـم وتـعـرقـل النطق لهـذا السبب. 

قـُلتُ لنفـسي دون أن يـسـمعـني أحـد: هـذا مـنظـر رهـيـب حـقـّـًا، رؤيته بانتظام مـثار قـلـقٍ وتـعاسةٍ، كما أنه يعـبـِّد طريـق النهاية الـمُضطربة.

-  أرجوك إلّا هـذا .. كانَ الجوعُ، يـقـضُّ مـضجع النـوم؛ فـنـمـسي نـتـقـلـب عـلى حافـاتِ السـريـرِ...وأنـتـم تـتـمـتـعـون، وتـشـبعـونَ نـزواتـكم، وتـرصدون فـوائض قـيـمة رحـلات السفـيـنة وحـيـن يصاب الـبحـر بـنـوبات الهـسـتـيـريا، تضعـون عـلى وجوهـكم، مـساحـيـق النـزاهة والأمانة والـمشاركة فـي الـمعاناة
      أو ــ السـراء والضراء ــ كـما قـلت وتـدَّعـون أننا كـنا جـمـيعًا نقـتـسـم الحـصيـر
      الـذي نفـرشه عـلى الأرضِ الجـدباء".2

    هذهِ مقتطفاتٌ من قصة (السفينة العرجاء) للأديبِ الراحل محمد صالح حيدرة، كتبها قبل عقود، لكن الكاتب الفذَّ تصلح سروده لتمثيل كلّ وجعٍ، تميز الراحل بأسلوب متميز في كتاباته السردية لنا وقفات معه في قادم الأيام.  


الهوامش
1ـ     د. عبد الحميد إبراهـيم ، ألوان من القـصة اليمنية المعاصرة ـ مرجع سابق ،
 ص 176

2ـ المصدر نفسه ، ص177