آخر تحديث :السبت-27 أبريل 2024-11:32م

يتعثّر من يتصفح النص ولا يقرأ الأفكار وتفاعلات المشهد

الإثنين - 12 فبراير 2024 - الساعة 08:56 ص

صالح شائف
بقلم: صالح شائف
- ارشيف الكاتب


كانت القراءة ولا زالت وستبقى المصدر الأول لحصول الإنسان على المعرفة بأنواعها؛ وهي الينبوع الذي لا ينضب لتغذية العقل ومده بالوعي الذي يمكنه من التطور والتقدم والبناء؛ ومواجهة مشكلات الحياة بوعي وإدراك؛ ونعني هنا تحديداً القراءة السياسية الجادة وبمفهومها الأوسع؛ للأفكار والرؤى والأراء والملاحظات السياسية بشقيها السلبي والإيجابي؛ فهي من أهم ما يحتاجه كل من يمتهن السياسة ويحترفها كطريق أوحد في حياته العملية؛ أكان فرداً أم حزباً أو كياناً وطنياً عاماً؛ ليكون بمقدوره النجاح وتجنب الفشل والوقوع في المطبات وحبائل السياسة؛ وشِبَاك خصومه وأعداء أهدافه التي آمن بها ويناضل من أجل إنتصارها.

لأن الذين يكتفون بقراءة النصوص ولا يقرأون الأفكار؛ ولا يعطون في حالات كثيرة وزناً للأراء التي تطرح بشأن هذه القضية أو تلك؛ عادة ما تصحب الأخطاء نشاطهم ويجنون الفشل الذي لم يكن في حسبانهم أبداً؛ لأنهم ببساطة أفتقدوا ومن حيث لايشعرون بوصلة الإتجاه؛ ولم يستوعبوا جيداً تجليات وتفاعلات المشهد العام سياسياً وإقتصادياً وإجتماعياً؛ بسبب غياب المراجعة النقدية؛ وعدم التوقف ملياً أمام تلك الرؤى والأراء؛ ولم يفهموا بعمق مضامينها وإشاراتها وما تضمنته من مقترحات ومحاذير؛ وما قدمته كاجتهادات للصيغ والبدائل للحلول الممكنة لهذه القضية أو تلك من القضايا؛ التي يواجهها المجتمع وتشغل إهتمامه وتفاعله الكبير؛ والمنذر بالخروج عن السيطرة في أي لحظة قد تدفعه إليها الكثير من العوامل والأسباب. 

وبخاصة تلك المتعلقة بحاضره ومستقبله وبقضيته الوطنية؛ كما هو حال شعبنا الجنوبي في اللحظة التاريخية الراهنة؛ التي تتلاطم فيها الأمواج السياسية العاتية من حوله ومن الإتجاهات الأربعة؛ وتحتاج إلى البصر والبصيرة التي توفرها المعرفة والمهارة السياسية والقدرة على المناورات الذكية؛ وإتباع الوسائل التكتيكية المتحركة والمناسبة؛ وبالقدرة كذلك على نسج التحالفات التي تفرضها الضرورة وطبيعة موازين القوى؛ التي لا ينبغي إغفالها أو تجاهلها في كل الأحوال والظروف؛ وبما يمكن الجنوب من تجاوز المخاطر وبأقل الخسائر وبحسابات دقيقة؛ فلا نجاحات مضمونة لأي خطوة بدون ذلك؛ فالإرادة التي قد تقف خلف بعض الخطوات؛ فقد تصبح في بعض الأحيان نوعاً من المغامرة؛ وهو الأمر الذي أكدنا عليه ونبهنا منه مراراً في موضوعات سابقة؛ مالم تكن قائمة على المعرفة والوضوح ومحمية بتدابير وطنية جنوبية شاملة وفعالة.

إن أحد أهم عوامل بعض الإخفاقات التي نواجهها في ميدان الحياة السياسية في مجتمعنا؛ وحسب تقديرنا لهذا الأمر؛ يعود لعدم الإستيعاب العميق لما تحتويه البرامج والرؤى السياسية المقرّة والمطروحة سياسياً؛ حيث يتم التعامل معها ( كوثائق ومرجعيات ) ليس إلا؛ وللقول عند الجدل بشأن الوضع السياسي وما يشهده من جمود أو تعثر أو مخاطر محدقة؛ بأن لدينا وثائق ومرجعيات قد تضمنت ذلك وحددت المسار وحسم ( الأمر )؛ وإعتبار هذه الوثائق المقرّه كفيلة وحدها ( بتطبيق ) ما ورد فيها؛ وكأنها كياناً حياً يمشي على قدميه إلى حيث تقتضي الضرورة ذلك؛ وهنا مكمن الخطر القاتل لدور ونشاط أي كيان سياسي مهما كان حجمه وتأثيره؛ ومهما كانت عظمة ونبل ومشروعية الأهداف التي يحملها ويناضل وطنياً من أجلها؛ لأن العبرة تقاس بالتطبيق وتوزن بالنتائج؛ وليس بأي شيء آخر.