آخر تحديث :السبت-27 أبريل 2024-10:24ص

الجوع في يوم الجمعة

الجمعة - 09 فبراير 2024 - الساعة 08:15 م

جمال لقم
بقلم: جمال لقم
- ارشيف الكاتب



ليلة البارح تلقيت اتصالا من اخي لعزومة غداء الجمعة في منزلة بمدينة القلوعة و اليوم بعد صلاة الجمعة توجهت إلى هناك برفقة أبنتي و رفيقي الدائم ولدي عبدالله و على ما يسر على مائدة المباركة تغدينا و لأن منازل البلوكات في القلوعة صغيرة جدا و لاتتسع او تتحمل ضيوفا فقد أضطريت للمغادرة بعد الغداء مباشرة و انا نازل من هناك بإتجاه مخرج المطاحن سابقا و قبل أن اصل إلى الشارع الرئيس لفت نظري وجود أربعة براميل قمامة و لاحظت و جود امراءة و رجل و بدوان ابوين و بجانبهما طفلتين و طفل في عمر الزهور و كانوا جميعهم منشغلين في البحث في جوف براميل القمامة و لم يعيراني اي أهتمام ، كنت أظن ان هؤلاء يبحثون عن قناني المياة المعدنية البلاستيكية او قناني المعدن للعصائر و المشروبات الغازية بغرض تجميعها و بيعها و مع إقترابي نحوهما أكثر و أكثر لاحظت ان الأم تحمل (كرتون) صلصة طماطم صغير فاضي و تجمع ما تجده في البراميل في هذا الكرتون ، عندما اقتربت لاحظت بداخله حبتين طماط و حبة موز و مثلهما حبات بصل و بقايا قطع كعك و جميعها قد حالتها حالة و كان الكل منشغل بالبحث عن مثل ذلك و عن اية بقايا طعام قد تسد رمق جوعهم..

خجلت ان اقوم بتصويرهم او تصوير ما في الكرتون و الذي خلق الكل ما رأيته كان مثلما وصفته لكم و ان هذا المنظر قد هآلني و آلمني و مثلما كانت تقول والدتي في وصف مثل هذا فلانه ( لوت كبدي) و هؤلاء لووا كبدي.. أطفال و أسرة كاملة يبحثون عن بقايا طعام في براميل القمامة و في يوم فضيل (الجمعة) و آخر جمع شهر فضيل(رجب) و يوافق الأسراء و المعراج و و الذي خلقكم أني تمنيت وقتها ان بطني خاوية حينها تضامنا معهم و رغم ان بطني لم يدخلها لحمة او مما يميز موائد الجمعة لدى الميسورين و لكن الحمد لله كانت هناك وجبة.. لكن ترى كم مسؤولا او قائدا بحجم وطن بكر مطبر اليوم و متنقلا من ملحمة إلى أخرى ليشتري اجود انواع اللحوم و بكميات تفوق حاجته و هل فكر هؤلاء بحالة الجواعى و المعوزين الذين يزداد عددهم كل يوم في عدن..

لم يكن الجوع وحده هو الذي يعانيه أبناء عدن فهم يمرضون أيضا و يعتلون و يموتون في بيوتهم و لا يجدوا ثمن علاجاتهم او اخذ مرضاهم إلى المشافي حتى العامة منها.. و أتذكر أنني قبل حوالي ثلاثة أشهر من الآن أسعفت والدتي من لودر إلى مستشفى الجمهورية الحكومي لعدم قدرتي إلى نقلها إلى أحد المشافي او المستوصفات الخاصة و لحسن حظنا كان مع أخي سيارة و بالكاد دبرنا لها ثمن الوقود و فور وصولنا إلى طوارئ مستشفى الجمهورية سجلوا لها روشته و حين ذهبت لإحضارها تفاجأة بالسعر فقد كانت الفاتورة مذيلة ب 58 ثمانية و خمسون الفا و سألت لما قالوا ان ثمن عقار الالبومين لوحده 50 خمسون الفا و اتمنى ان اكون كتبت الاسم صحيحا و هو عقار يستخدم لخفض الورم في القدمين و كذلك عندما يكون هناك خلل في وظائف الكبد ، المهم أنني تحملت ذلك و مثلها جرعتين او ثلاث لاحقا.. فكيف بالله لمواطن يبحث عن طعامه في مكب النفايات ان يستطيع أن يوفر ذلك او حتى التفكير في اخذ مريض له المستشفى ، فمثل هؤلاء يفضلون البقاء مرضى على بيوتهم بإنتظار الموت او الشفاء من الله تعالى..

كنت مهموما و معكر المزاج و لم يكن لي نفس اليوم للكتابة فالشعب يموت و يباد جوعا و مرضا دون أن يكون هناك أدنى أهتمام او تعويل من قبل من يقودون البلاد فؤلاء ليسوا قادة او مسؤولون بل عصابات مارقة..

صدف و انا احاول متابعة مواقع التواصل ان طالعت منشورا للزميل صابر عبدالقوي على صفحته بفيسبوك نشره صباح اليوم و يظهر صورة تعود للعام 1985م تظهر العمل الجاري في نفق جولدمور و عند هذا التاريخ عدت بذاكرتي للوراء و كيف كان العام هذا عام الرخاء و الأمن و الإزدهار لعدن و مواطنيها في عهد الرئيس السابق علي ناصر محمد الذي لن يغيب عن ذاكرة كل مواطن عدني عاش في ذاك الزمن..

تذكرت اننا في العام هذا اسعفنا والدتي إلى مستشفى الجمهورية و لم يكن حينها ارتفاع أجرة المواصلات او القود يهمنا فينها كان ذلك يعد ببلاش مقارنة باليوم ، كما تذكرت كيف تم استقبالها في طوارئ المستشفى و الأطباء محاطون بها من مختلف الجنسيات من روسيا و فلسطين و اليمن و كيف كان الممرضين و الممرضات يتسابقون لخدمتها و كيف اننا لم نخسر ريالا واحدا في علاجها و حتى ان الفحوصات و الأشعة تم عملها من دون علمنا و ان الممرضات هن من تولين ذلك.. كيف كنا و كيف حالنا اليوم شتان ما بين دولة و دولة مابين قيادة و قيادة و سلام على الرئيس علي ناصر محمد و كل رفقاء زمنه..

لن أتذكر عيد يوم الجمعة في عهد ناصر و كيف كانت له فرحته التي تبداء من الصباح الباكر و تسمع فيها تلاوات القرآن بصوت عبدالباسط عبدالصمد و من كل قمم و مآذن مساجد عدن و ترى الآباء عائدون ألى بيوتهم محملين بعدد أثنين او ثلاث من الدجاج الفرنسي كبير الحجم و إضافة إلى الخضار و الفواكة و البعض محملا باكياس اللحوم الأسترالي او الصومالي او البقري كل شئ متوفر و في متناول الجميع كان الجميع يفرح و ياكل و ليس مثل جمع اليوم التي سكان عدن يبحثون فيها عن بقايا طعام في المكبات و براميل النظافة و لا داع لأسهب في ذلك فمن عاش الزمن ذاك يدرك و يتذكر ذلك و انا نشرت ما اعادته ذاكرتي لغرض ان يفهم قادة اليوم لماذا نحب ناصر و زمنه و نتمنى عودتن و لماذا نكره قيادات اليوم و نتمنى زوالهم إلى الأبد ، فهناك قيادة تضحي من أجل الشعب و اليوم قيادة تضحي بالشعب من أجل القيادة فتبا لكم يا قيادات اليوم..