آخر تحديث :الأحد-28 أبريل 2024-07:27م

حادثة الإسراء تاريخ مفصلي في حياة الحضارات ،،

الجمعة - 09 فبراير 2024 - الساعة 04:58 ص

د. سعيد سالم الحرباجي
بقلم: د. سعيد سالم الحرباجي
- ارشيف الكاتب




حادثة خارقة معجزة حصلت للنبي في فترة هي من أدق ، وأصعب ، وأشق المراحل التي مرت بها الدعوة على الإطلاق ،،،
فكان لها دلالاتها ، ولها أبعادها ، ولها مقاصدها ، ولها أهدافها ، ولها معانيها ..
بعض تلك الأهداف..... المقصود منها صاحب الرسالة نفسه ، خاصة بعد تلك الظروف العصيبة والعصيبة جداً التي مر بها بعد أن فقد سنديه في الدعوة ( عمه أبا طالب ) الركن الذي كان يحتمي به من أذى قريش ..... والتي ما كانت تتجرأ على أن تمسه بسوء وهو على قيد الحياة ، وسنده الثاني ( زوجه الطاهرة خديجة ) ذلك الحضن الدافئ الذي كان يأوي إليه من هاجرة الطريق .
فبينما كان هذان السندان يخففان على الرسول لأواء الطريق ...فجأة توفيا وفي عام واحد .
فحزن النبي عليهم أيما حزن حتى سُمي ذلك العام بعام ( الحزن ) .
فبمجرد موت أبي طالب ...تجرأت قريش أن تُؤذي الرسول إيذاءً جسدياً مباشراً .
فاضطر للخروج من مكة إلى الطائف ...
وما كان من أهل الطائف إلا أنَّ ضاعفوا عليه الإيذاء ، وزادوه من التعذيب ...وبصعوبة بالغة تخلَّص من أنياب تلك الوحوش البشرية ، وانتحى جانباً ليأخذ قسطاً من الراحة .... فاستظل تحت شجرة ، ورنا بطرفه إلى السماء فتمتم بتلك الكلمات :( اللهم إليك أشكو ضعف قوتي ، وقلة حيلتي ، وهواني على الناس ......)

أرسل الطلب إلى خالقه ، وبعث بالنداء إلى مولاه ، وطلب الغوث من ربه ، واستودع الأمر صاحب الأمر ، ثم استجمع قواه ، وتحامل على جراحه ، وانكفأ على آلامه ، وعزم على العودة إلى مكة وهو يعلم ما يضمره أهلها له من الشر ..إلا أنه أصر على العودة إليها مرة أخرى ،،

وما أن عاد إلى مكة ....إلا ويد العناية الإلهية تتلقفه ، وتحتضنه ، لتمسح كل تلك المتاعب ، وتزيل كل تلك الآلام ، وتمحي كل تلك المشاق ، وتأخذه إلى هناك ...
هناك وما أدراك ما هناك ؟
هناك حيث جميع الأنبياء في انتظاره ليسلموه الراية ، ويعلنوا تبعيتهم له ، وإيمانهم برسالته .

ذلك ما تجلى بوضوح من خلال اصطفافهم خلفه ، وصلاتهم بعده ، وإعلانهم الطاعة له.
وكأن تلك اللحظات هي بمثابة مراسيم تسليم القيادة الروحية ، والسياسية ، والإنتقال الكلي لجميع الأديان السماوية إلى دين الاسلام بقيادة الحبيب ( محمد ) .
وهذا ما أكده ربنا بقوله ؛
( إن الدين عند الله الإسلام) .

وبمجرد استلام الرأي ...
كرمه ربه بأن عرج به إلى السموات العلى حتى وصل إلى سدرة المنتهى ، وكلمه سبحانه كلاماً مباشراً بلا واسطة ولا تُرجمان .

تلك الرسالة من هذه الحادثة كانت خاصة بالرسول ، وهي بمثابة البلسم الشافي الذي مسح آلام الماضي ، وطهر جروحه ، وأزال أتعابه ، وأنهى مشاقه .

وهي كذلك تسرية لقبله المكلوم ، وتطمين لروحه الحزين ، وتهدأة لنفس الحراء.
وكأنَّ تلك الرحلة مفادها ...٠
إذا أغلقت في وجهك أبواب الأرض ...فقد فُتِحَت لك أبواب السماء.
وإذا جفاك أولئك المتوحشون ...فقد أعلن متابعتك ، والإيمان بك.... أطهر الخلق ، وأشرف الناس....وهم الانبياء .
وإذا كنت تأوي إلى سنديك من أهل الأرض ...فقد آويناك ،وقربناك ، وأكرمناك ، وحميناك ( إنك بأعيننا ) .

لقد كانت قصة الإسراء خصيصة من خصائص نبينا محمد .....هذا النجم الانساني المتألق, هذا النور المتجسد لهداية البشرية الحائرة ,هذا الفيض الإلهي المتدفق لإزالة ذلك الركام الهائل من القيم السقيمة والتصورات العقيمة والأفكار المريضة .

ولقد كان توقيت الليل نقطة لانطلاق تلك الرحلة السماوية والتي عبر عنها القرآن ب. 
(سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً ).
كان له دلالته وله قيمته, وله اعتباره ..إذ أنه لا قيمة للنور إلا عندما يحل الظلام ...
حيث يرسل عليه خيوطه الذهبية فتبدده ليسفر عن وجهه الجميل البراق،،

ومن هنا ندرك طرفاً من حكمة اختيار سورة النجم لتحوي قصة الإسراء ، وكذا إيراد اسم الليل ليتناسق مع ذكر النجم وذلك لتكون الأية برهان نفسها على نفسها ,وتكون في شقها الآخر قد جاءت معجزة من المعجزات البيانية في القرآن كما ذكر ذلك ( الرافعي ).

والحال كذلك مع النجم البشري محمد بن عبداللاه الذي قطع كل تلك المسافات من مكة إلى بيت المقدس ثم عرج إلى السماء حتى وصل إلى سدرة المنتهى فعاد إلى مكة ...كل تلك الرحلة استغرقت جزءاً من الليل .
فذاك نجم مادي ...
ومحمد عليه السلام نجم بشري..

لقد كانت هذه الحادثة مفصلية حقاً ..
مفصلية في حياة الرسول...لأنها أسست لمرحلة جديدة من حياة الدعوة ، ومن خلالها أنتقلت إليه القيادة الروحية للبشرية .

وهي كذلك مفصلية في حياة الأمم والشعوب ....
وذلك كون المسجد الأقصى يمثل مركزاً محورياً للقيادة الروحية للبشرية وهو ما تمثل في اختياره مكاناً لانتقال القيادة من جميع الأديان إلى دين الإسلام.

لهذا ظل المسجد الأقصى منذ ذلك التأريخ مركز صراع دائم ومستمر مع خصوم الإسلام
حتى هذه الساعة.
وهو بالمناسبة.... بمثابة قياس لقوة الحضارات ، ومدى فتوتها .

فتحه المسلمون عنوة أيام الخليفة الفاروق سنة ( 16) للهجرة ، وكان مؤشراً على مدى قوة الإسلام ، وانتشار حضارته .
وهكذا ظلت المغالبة تتوالى بين الإسلام وخصومه .
فحين يضعف المسلمون ويصعد خصومهم...... فيكون المسجد الأقصى من أولى أولوياتهم ، فيسعون إلى استعادته ، وهذا ما يحكيه لنا التأريخ .

ويوم أن وهن المسلمون بدايات القرن العشرين...استعاده الصليبيون واليهود فأصبح تحت تصرفهم ، وهو دليل على قوة حضارتهم .

اليوم دب الوهن في حضارة الصليبيين ، وبدأ المسلمون يفكرون في استعادة زمام المبادرة ، والعودة إلى الصدارة.....فكانت هذه الحرب الطاحنة القذرة التي تشنها قوى الاستكبار العالمي على أهلنا في غزة بكل وحشية وقسوة ، وإجرام ....لأنهم يعون معنى انكسارهم في هذه المعركة .
لذلك ليس بغريب عليهم هذا الاصطفاف الضخم والإستماتة في هذه المعركة ، والاستخدام المفرط للقوة العسكرية.

إنها معركة مفصلية ، معركة تحول تاريخي ، معركة وجود .

هكذا سُجلٌت حادثة الإسراء والمعراج بآيات تتلى إلى قيام الساعة حتى يتذكر المسلمون
قدسية المسجد الأقصى ، وأنه مسرى الحبيب محمد ، وأنه أول القبلتين ، وثالث الحرمين ، وأنه أصل أصيل من أصولهم ، وملك من أملاكهم ، وحق من حقوقهم ، يجب عدم التفريط فيه .