آخر تحديث :السبت-27 أبريل 2024-05:36م

الجوع

السبت - 03 فبراير 2024 - الساعة 02:44 م

عصام مريسي
بقلم: عصام مريسي
- ارشيف الكاتب




تشعل عيدان الحطب التي جمعتها من هنا وهناك تحت موقد في أحد أركان بيتها المصنوع من الواح الخشب و بقايا الكراتين والخرق البالية كي تحجب عنها وأطفالها الخمسة أشعة الشمس الحارقة وتقيهم البرد وهبات الرياح المتدفقة يتصاعد دخان الموقد (الصعد) وتتصاعد رائحة الطبيخ التي تعده من طحين الشعير وقليل من الحليب الرائب (الحقين) التي تصدق عليها به سكان البيوت القريبة من عشتها فيتسارع صغارها نحوها والموقد. يطلبون تقديم الوجبة التي قد تكون هي الوحيدة التي ستملىء بطونهم الخاوية قبل أن يتوجهون لوجهتهم اليومية المعتادة يطلبون فيها ما تجود به نفوس الكرماء .
تصرخ الأم :
ابتعد وا الدست (الوعاء ) ساخن وهو الوعاء الوحيد للطبخ المستخدم في كوخ الأم وقد علق به أثار دخان الموقد حتى اصبح اسود اللون كأيام تلك الاسرة البائسة.
يتضور الصغار جوعا وهم يصرخون من الجوع:
أمي قدمي الينا الوعاء
تمتد أيديهم الصغيرة الهزيلة نحو الدست في سباق حتى يغترف كل واحد منهم أكبر لقمة من مطبوخ العصيد الذي أعدته الأم (دقيق مطبوخ بالحليب الرائب)أصواتهم تتعالى :
اللقمة ساخنة
واخر يقول:
لكنها لذيذة
امتدت أيدي صغارها لكنها لم تذق شيء مما صنعت حتى يكتفي صغارها من طعامهم ؛لحظة فأذا بالوعاء خالي مما يحتوي وهم ما زالوا يطلبون المزيد فلم يشبع جوعهم ما صنعت.
أكبر صغارها يخاطبها:
أمي هل من شيء أخر ما زالت بطني تقرقر من الجوع.
تمسح كفيها مما علق به من طحين الشعير بطرف ثوبها وتنهض تضع المقرمة( شال يغطي رأس المرأة) وتتجه نحو الباب مغادرة وما أن تخطت رجلها عتبة الباب فأذا بالصغار الجوعى يتجهون خلف أمهم وهم يمسحون أكفهم من بقايا الطعام في وجوه بعضهم البعض وهم يطلقون ضحكات المنتصر اذا حاول احدهم مسح بقايا الطعام العالق في كفه في وجه أخيه.
في طابور منتظم يسير الصغار خلف أمهم يقفون على أبواب المحال تمد الام كفها كي تلتقط ما يجود به الكرماء عليهم لكنهم قليل في مدينة يصارعها الفقر والجوع .
توسطت الشمس كبد السماء وارتفعت درجة الحرارة حتى تصبب العرق من اجسادهم الى اقدامهم في مدينتهم شديدة الحرارة لكن جولتهم اليوم مثمرة فقد انتهى بهم الحال ألى احد مطاعم المدينة وكلما اقتربت من بوابة المطعم الكبير في المدينة حتى يعلق محاسب المطعم:
لقد حضرت الاوزة السوداء وصيصانها .. اجمعوا لها بقايا الخبز والارز حتى تغادر سريعا.
اقترب مباشر المطعم ( النادل) بكيس بقايا الطعام لكنها هذه المرة لم تكتفي بالوقوف أمام البوابة بل سارعت وصغارها للجلوس على إحدى الموائد ؛فاذا بالمباشر يأمرها بالمغادرة:
هيا سريعا انهضوا وغادروا .. هذا هو كيس الطعام
ترفع بصرها صوب المباشر وتمد كفها بحفنة من النقود وتطلب منه:
من فضلك احصر لنا الخبز الملوح مع الدجاج المشوي والشتتي (مسحوق الطماطم مع الفلفل الاخضر),نوع من المقبلات الشعبية.
يتراجع النادل وهو متعجب ومن خلف طاولة الحسابات يعلق محاسب المطاعم:
جعبتك اليوم عامرة
ما ان يوضع الطعام على الطاولة حتى تتسابق ايديهم الهزيلة نحوه وهم يتسابقون لالتقاط أكبر كميه منه حيث يحاول كل منهم الاستئتار بالقدر الاكبر ليسد جوعة فمثل هذه المائدة قد لا تتكرر إلا بعد فترة من الزمن.
تجمع المرأة ما بقي من طعام في كيسها و تنهض مغادرة المطعم وخلفها صغارها وقد امتلأت بطونهم بعد زمن من الجوع والفاقة
يتابعون جولتهم حتى يرتسم الشفق معلن نهاية يومهم ونهاية جولتهم اليومية في المدينة الصغيرة ليعودوا باتجاه حيهم في أحد نواحي المدينة ومن بعيد يلوح كوخهم يستقبلهم ليضعوا اجسادهم المنهكة على فرشهم المصنوعة من القطن (المرقعية)و القماش المحشو ليغصوا في نوم عميق بعد يوم حافل بالتعب المشاق والجوع .
قصة قصيرة
عصام مريسي