آخر تحديث :الأربعاء-01 مايو 2024-01:56م

الإنْسانُ والإبْداعُ

السبت - 27 يناير 2024 - الساعة 03:45 م

د. مجيب الرحمن الوصابي
بقلم: د. مجيب الرحمن الوصابي
- ارشيف الكاتب


جَاءَ في كُتبِ فلاسِفةِ العَربِ أنّ "إبْداعَ" اللهِ تجلّى في إيجادِهِ الأشياءِ مِنَ العدمِ على غيرِ مِثالٍ سابِقٍ؛ وأعظمُ إبداعٍ لله هُو خَلْقهُ الإنسانِ وهندستُه في "أحسنِ تقويم"...، ثمَّ أنَّ نِعْمةَ اللهِ لا تُعدُّ ولا تُحْصى، مِنْها هذا "العقلُ" وَهو قبسٌ مِنْ نُورِ اللهِ وفيهِ تكْمنُ الطاقةُ الخلّاقةُ الإبداعيّةُ، أضفْ إليهِ جسدَ الإنسانِ وأعضاءَه وَقدْ أبْدعَ الخالقُ في التصميم لهُ ليسودَ الإنسانُ العالمَ، لاسِيّما يداهُ اللتانِ تَصْلُحانِ للخلقِ والإبداعِ والابتكارِ.

عليْهِ يُمْكنُ القوْلُ: أنّ المُبدعَ الأوّلَ (الله) قَدْ جعلَ في كلّ إنسانٍ قدرتَهُ عَلى الإبداعِ وخلقهَا، فكلُّ إنسانٍ حيّ يَخْلقُ إبداعَهُ بصورٍ شَتّى متفاوتةٍ، والحياةُ في هذه الدنيا إجمالاً هي إبْداعٌ في إبْداعٍ؛ إنّما أكثرُ الناسِ واقعًا لا يُعاملونَ أنفسَهُم ولا الآخرينَ بوصفهم مُبدعينَ! ... لأنَّهُم ظَنوا أنّ الإبداعَ في التعقيدِ والتقعيدِ، وحقيقةُ الأمرِ غيرُ ذلك فسِرُّ الإبداعِ يكْمنُ في البَساطةِ. " فكُنْ بسيطًا صادقًا مع نفْسِكَ، وتعاملك معَ الله والآخرين تَكنُ مُبدعًا".

مِنَ المُتَصالحِ عليهِ بينَ الناسِ جعلُ البسيطِ مُعقّدًا، وهذا الأمرُ يُتقنهُ كلُّ الناسِ متفنّنين بِه؛ لكنّ جعلَ المُعقّد سهلًا بسيطًا فذا هو الإبداع بعينِهِ، إبداعُ المعلِّمِ في شرحِ الدّرسِ وإبداعُ الزُّعماءِ والسّاسة في خلقِ الحلولِ لمشاكلِ شعوبهم ولمعوّقات ازدهارهم، وإبداعُ الآباءِ في تربيةِ الأبناء، والمديرون مع مرؤوسيهم؛ فكلّكمُ راعٍ مبدعٌ ومسئولٌ عن رعيته، وأغلبُ الدّراساتِ تؤكّدُ أنّ المبدعينَ يتميّزونَ بحبّهم المتبادل لغيرهم والمثمر، متّصفينَ بالسّكينةِ والقناعةِ والرّضا وهمُ أكثرُ استقرارًا في صحّتهم النّفسيّة.

كُلُّ إنسانِ في هذهِ الدّنيا عِندهُ من مكامنِ الإبداعِ وأسبابه ما يؤهّله ليركبَ صهوةَ المعالي وقممَ النُّبوغِ، والإبداع والتميّز؛ إنّما لمَنْ يملك الشّجاعةَ والإقدامَ و" يفوزُ بالقممِ الجسورُ"؛ ولا يُخطئ من عدّ الإبداعَ تصميمًا على النّهوضِ والخروجِ من الفشل الذي يغرقُ فيهِ الإنسانُ في كثيرٍ مِن الأحيان.

الطرِيفُ أنّ بعضَ المفكّرين يربطون بين الإبداعِ والجنون! ... هَل حقًّا أنّ الجنونَ يصْنعُ الإبداعَ؛ أمْ أنّ الإبداعَ يصنعُ الجنون ؟! مجنونٌ منْ يظنُ أنّ للإبداعِ علاقةً بالجنونِ، ومجنون أكبر من يعتقد أنّ الجنونَ سببٌ للإبداع!

يُمكنُ تفسير هذا: بأنّ حيويّة الإبداع قَد تجاورُ، أو تصاحبُ أو ربّما تتداخل أحيانًا معَ ما يُسمّى أو يصطلح عليه بالجنونِ، وربّما كانت مقدرة الإنسان على الرّبط بين الأشياء بطريقةٍ غريبة وغير مألوفة (مجنونة) سببًا في هذا الرّبط بين الإبداع والجنون. والفنون جنون أو الجنون فنون!

وَحِيْنَ يَتَسامى الإبداعُ يبرزُ في قصيدة عذبة، مصدره ألم قاهر، ويتجلّى في السّردِ والنّثرِ أملاً وحلمًا، وهو عابرٌ للحدودِ حاضرٌ في كلّ زمان ومكان، خالدٌ بالإنسانِ وكامنٌ لكن .. لكنْ ((لا إبداعَ بلا حُبّ)).


مجيب الرّحمن حسين الوصابي

تونس الخضراء