آخر تحديث :الأحد-28 أبريل 2024-12:14م

ردود أفعال البرنامج بين الأفكار والشخصنة

الجمعة - 26 يناير 2024 - الساعة 08:23 م

احمد ناصر حميدان
بقلم: احمد ناصر حميدان
- ارشيف الكاتب


تابعت بعض ردود الأفعال حول برنامج بي بي سي وتقريرها الاستقصائي عن الاغتيالات، ووجدت الانقسام بين مؤيد وغاضب، وجميعهم غابت عنهم فكرة البرنامج، ليبحثوا في شخصيات البرنامج، وهذا دليل على اننا ما زلنا بعيدا عن الارتقاء في تناول مشكلاتنا بعقلية كبيرة تناقش الأفكار، لنسقط لعقلية صغيرة تناقش الأشخاص.

فكرة البرنامج مهما اعتراها من عيوب، هي فكرة اغتيال الفكر الاخر والرأي الاخر، وان العقلية الاقصائية ما زلت تحكمنا، وتسيطر على المشهد العام. وان الإرهاب والترهيب وجهان لعملة واحدة
ذهب البعض ليكرر ثقافة الكراهية بعقلية مهزومة، يقلل من شأن القناة، ليؤكد ان الجنوب ضحية خبث ومكر الشماليين، بحكم ان المذيعة شمالية، هذه العقلية المهزومة هي نتاج لثقافة الفكر الشمولي الذي يدافع اليوم على العقلية الاقصائية، ويرى ان مستقبل البلد مرتهنة بالزعيم وجماعته، يدافع بكل شراسة على هذا الزعيم، دون خجل من واقع بائس يعيشه الناس من انتاج تلك الزعامة وتلك الجماعة، هم انفسهم الذين يضربون المثل باغتيالات عام 90م ، ولا يستطيعون ان يبرهنوا لنا ماذا قدموا من تغيير حقيقي وتحول نقلنا لحال أفضل من تلك الحقبة، عام الزعيم وموكب الزعيم وصور الزعيم وعسكر الزعيم، وعسكرة القبيلة والمذاهب، يعني نعيش تلك الحقبة بكل تفاصيلها، وان تغيرت الصور والجماعات، حتى الاغتيالات للخصوم هي نفسها.

الفكرة هل تغيرنا ؟ وهل نحن نسير في مسار التعدد السياسي والثقافي والفكري الذي اخترناه كمبدأ في اتفاقية الوحدة؟، وهل ما زال الجنوب يقبع في دور الضحية الذي يتعرض للمكر والخبث ؟، متى سيتحرر الجنوب أذا؟
من السخرية النظر للأحداث والوقائع بنظرة مناطقية، ونحللها بالانتماء المناطقي، في سقوط سحيق للأفكار والقيم والاخلاقيات، وان كان لابد فالخلل في اختيار اللاعبين، من الأدوات الرثة، التي ما زلت تقدم الجنوب بهذه الصورة وهذا السقوط السحيق، وتظهر بهذا المظهر المهزوم .

نحتاج ان نخوض في أفكار البرنامج، ونجيب على الأسئلة المهمة، لماذا استمرت حالة الاغتيالات للخصوم؟ والكل يعرف خطاب العنف والتحريض والتحشيد والكراهية الذي استخدم في مخاطبة الجماهير، بلغة رفض الاخر وقرر اجتثاثه، ومن ثم الخطاب الديني الذي حرض للنزعات المذهبية، بل التشكيلات العسكرية التي أسست على أسس مناطقية ومذهبية، وتمت التصفيات على تلك الأسس، وكثيرا من جرائم القتل مصورة، وعدد منها أعلن عن المتورطين فيها، وبعضها كانت سبب في معارك عبثية، معارك لها ما بعدها، تم طي ملفات كانت مفتوحة، ومن حينها لا نعرف اين المجرمين المقبوض عليهم، وما مصير الانصاف والعدالة.

عقول صغيره تراهن على اشخاص وجماعات، ولا ترى الوطن بدون هذا الرهان، ولا تريد ان ترى الواقع البائس والرديء الذي انتجته تلك الأدوات التي تدافع عنها، غابت الأفكار، وسقطت القيم والمبادئ والاخلاقيات، سقوطا سحيقا، بسبب طبول ومزامير هذا الرهان، الوطن اكبر من الافراد والجماعات، ولا يمكن بناء دولة الا بالأفكار التي يجب ان تستقيم عليه تلك الدولة، أدوات التنمية السياسية، وهي التشكيلات الحزبية، الحق المكفول دستورا وتكفله كل المواثيق الدولية، ومن الغباء ان يأتي أحدا ليجتث فكر ويحرض ضد الاخر المختلف، ويرفض التعدد السياسي والثقافي والفكري والراي الاخر ، ويحدثنا عن دولة ضامنة للمواطنة، ولله في خلقه شئون