آخر تحديث :الأحد-28 أبريل 2024-07:39م

الأدب في موكب القضية الجنوبية حتى مطلع 2015م.

الجمعة - 26 يناير 2024 - الساعة 04:12 م

د.عبده يحيى الدباني
بقلم: د.عبده يحيى الدباني
- ارشيف الكاتب


       



أعجبني يوما قول الزميل الصحفي سامي غالب في صحيفة النداء وهو يحاور الرئيس المظلوم المرحوم فيصل بن شملان حيث قال إن القضية الجنوبية حين بدأت تنتج شعرا وأغاني وأناشيد فإن ذلك يعني وصولها إلى أعماق الوجدان ولم تكن قضية سياسية على سطح المشهد السياسي ؛ وفي الحقيقة أنها لم تصل إلى أعماق الوجدان لأنها في الأصل لم تبارح الوجدان ولا أعماقه ومع هذا فقد كان هذا الصحفي الشمالي المثقف منصفا وصاحب بصيرة.

 وتأسيسا على ما تقدم أحب أن اذكر في هذه المقالة أن عددا من ادباء الجنوب ومثقفيه قد تداعوا إلى لقاء كرسوه لبحث عملية جمع أدب قضية شعب الجنوب، ونرى ان خريطة جمع أدب قضية شعب الجنوب يمكن ان تنطلق من ذلك الأدب الجنوبي الذي كتب قبل استقلال الجنوب 1967م ذلك الأدب الذي كان جنوبي الهوى والهوية والهم والوطن فبعض اشعار لطفي أمان وعلي محمد لقمان ومحمد عبده غانم وعلي احمد باكثير ومحمد سعيد جرادة وإدريس حنبلة وغيرهم,  على الرغم ما في شعر هؤلاء من نزعة يمنية عامة بل ونزعة قومية وإنسانية فإن هناك اشعارا  اختص بها الجنوب موطنا وقضية وثورة ؛ ومن ثم التعريج على ذلك الأدب الجنوبي  في ظل جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية بما له وما عليه وكل هذا سيكون تمهيدا نظريا وتاريخيا لأدب قضية شعب الجنوب, اما مرحلة ما بعد الوحدة المغدور بها ولا سيما ما بعد حرب احتلال الجنوب فان الأديب الجنوبي قد صدم صدمة كبيرة بما حدث حين رأى حلمه الوحدوي الجميل يتحطم امام عينيه ويتحول إلى كوابيس حقيقية فانطوى على نفسه يبكي مأساته وبراءته ومثاليته ولم يسلم أدباء الجنوب ومثقفوه من المطاردة والتقاعد القسري والترغيب والترهيب والإهمال
حتى ان الشاعر  عبدالرحمن ابراهيم  رحمه الله تعرض للضرب المبرح ذات يوم نظرا لموقفه الشجاع من حرب صيف 94م التي اجتاحت الجنوب ودمرت دولته ؛ وغير ذلك من الاجراءات والمعاملات والسياسات التي أصابت الأدب والأدباء في الجنوب في مقتل حتى لقد قال الدكتور عبدالعزيز المقالح عافاه الله ان تلك الحرب لم تستطع ان تفصل بين الشمال والجنوب ولكنها استطاعت ان تفصل بين الشاعر والقصيدة .

لقد تم الاستيلاء على مقرات الادباء في عدن وعلى مقرات لفئات  ابداعية جنوبية أخرى
وقد كان المبدعون في عدن خاصة يحظون برعاية الدولة
ودعمها قبل الوحدة فتغير وضعهم بشكل كامل بعد حرب 94م.
 وعلى الرغم من كل ذلك لقد شهدت تلك المدة ظهور أدب جنوبي مقاوم لتلك السياسة الاحتلالية التي قضت إلى الأبد على الوحدة السلمية التي تحققت في مايو 1990م.
 وحين انفجرت ثورة الجنوب السلمية التحررية في يوليو 2007م رافق الأدب هذه الثورة من أول وهلة وصدعت أناشيد عبود خواجة الثورية الحماسية التي الهبت مشاعر الجنوبيين وأرعبت فرائص المحتلين وظهر عدد من الشعراء الشعبيين الجنوبيين صوروا باشعارهم ملامح القضية وعدالتها وما جرى للجنوبيين من مآسي الاحتلال وما يتوق إليه شعبنا من مستقبل مستقل في ظل عودة دولة الجنوب المدنية الحديثة ولا يزال ينبوع هذا الشعر منطلقا وحاضرا في كل منعطفات الثورة وساحاتها ومناسباتها وأيامها وهناك شعر فصيح رافق القضية وعبر عنها مثل أشعار كريم سالم الحنكي, وجنيد محمد الجنيد, ومبارك سالمين, وجمال الرمرش وسعيد علي نور  وغيرهم ,  ولم تغب الرواية عن المشهد الجنوبي في عدن خاصة اذ نشر الدكتور حبيب سروري روايته الشهيرة ( طائر الخراب) وغيرها من الأعمال السردية في هذه القضية  ، وهناك شعراء شعبيون كثر من مثل ابن شجاع اليافعي والشاعر البجيري ومطيع المردعي والشهيدين الشاعرين نبيل الخالدي وسيف علي الدباني والشاعر  الطفل الأعجوبة رعد الحالمي وغيرهم كثير .
رحم الله الشاعر التامي محمد حسين العطيلة حين هتف في اول السبعينات محذرا من الوحدة  حيث قال 
وحدة مع من 
 والمشايخ في اليمن???
من هو لها يضمن
تقع بيضاء هلول??
الشعب يشتيها
وبايدفع ثمن
والرجعية يشتو
 يغلوها غلول.
أو ابن عمه مساعد الفارعي رحمه الله حين ارتجز بعد حرب 94 قائلا 
وحدة سياسة 
بالغبار اتلبسه
روادها خمسة 
بيجنون الذنوب
صارت بناء عكسة 
مشينا هرمسة
لما استوت نكسة
على شعب الجنوب. 

 ونجدها مناسبة هنا ان لندعو جميع المهتمين بهذا الأدب شعرا ونثرا والمبدعين انفسهم وناشطي الحراك السلمي والدوائر الثقافية في المجلس الانتقالي الجنوبي وفروعه  إلى الاهتمام بجمع هذا الأدب .

   وهناك مضامين بارزة في أدب قضية الجنوب فمن هذه المضامين بيان غدر الطرف السياسي الشمالي في الوحدة وكشف نواياه الشريرة الانتقامية ضد الجنوب ومن المعاني أيضا التعبير عن طبيعة المجتمع الجنوبي وعن هويته والتمسك بهذه الهوية والتغني بتاريخ الجنوب وتثوير الشعب وتنويره في سبيل النهوض بقضيته العادلة وزرع الثقة فيه بأنه صاحب حق وبأن شركاء الوحدة قد نكثوا العهود وحولوا الوحدة إلى احتلال . 
وكان أجمل ما في هذا الأدب الثوري الجنوبي قوة الإيمان بالنصر التي ترددت اصداؤها في الشعر والنثر والأجمل من ذلك  أن هذا الأدب جاء موحدا وطنيا وثوريا ولم تتنازعه القوى السياسية الجنوبية المختلفة  لأنه ارتبط بالشعب وقضيته ومعاناته وليس بالنخب السياسية ، وكثيرا ما دعا الأدب إلى توحيد الطاقات الاجتماعية والقوى السياسية موجها الجميع إلى ضرورة الولاء الوطني للجنوب , وقد نهض بإقامة الحجة على الاحتلال  وعلى فشل الوحدة وموتها في مهدها وقد استطاع أن يفكك الخطاب الإعلامي والديني الذي كان يروجه الاحتلال في تخدير الشعب كما استطاع ان يكسر حاجز الخوف لدى الناس من بطش الاحتلال وأساليبه  وكشف سياسة الترغيب والترهيب التي اعتنقها , مثلما عبر هذا الأدب عن معاناة شعب الجنوب في ظل الاحتلال وفي ظل ثورته السلمية التحررية وما لاقاه من بطش وعسف وقتل وتنكيل واعتقالات وغيرها .
كما استطاع هذا الأدب الجنوبي الثوري التأثير إلى حد ما في شعب الشمال بعدالة ثورة الجنوبيين ومشروعيتها وبما جرى عليهم من إقصاء وظلم وغيرهما . 
ولم ينس الشعراء والأدباء في خضم الثورة أن يرثوا الشهداء رثاء صادقا ويستلهموا العبرة من هذه التضحيات ويوظفوها في أدبهم من أجل اذكاء شعلة الثورة كما رسموا في اشعارهم الخريطة الجنوبية اذ تعانقت مناطق الجنوب في القصائد والأناشيد معززة التصالح والتسامح والمحبة والوئام ووحدة المصير وغير ذلك من المضامين الأدبية 
ولا ننسى ما كان للمقالة السياسية من دور  في بلورة القضية الجنوبية ورسم معالمها
وتوضيح مشروعيتها لاسيما تلك المقالات الملتهبة التي كانت تنشرها صحيفة (الأيام) التي تعد بحق منبر القضية الأول .
هذه الالمامة السريعة وصلنا بها إلى مطلع 2015م حين دخلت البلاد كلها في حرب وتعرض الجنوب إلى غزو جديد وجرى طرد الغزوين معا وظهر جيل آخر من الأدباء الشباب استطاع ان يسيطر على المشهد الأدبي جنوبا
وتوسع أدب قضية الجنوب وتنوع وهذا بحاجة إلى رصد ومتابعة يفيان بالغرض. 

د. عبده يحيى الدباني