آخر تحديث :السبت-27 أبريل 2024-04:42م

أُكِلْتُ يوم أُكل الثور الأبيض ،،،

الخميس - 25 يناير 2024 - الساعة 03:02 م

د. سعيد سالم الحرباجي
بقلم: د. سعيد سالم الحرباجي
- ارشيف الكاتب




هذه مقولة عربية ، وقيل يونانية..

وهو مثل يُضْرَب عند الشعور بالندم على التفريط والتهاون في الحقوق، والإحساس بالتشتت والضياع .

وفحوى هذه القصة أنه كان في غابة كثيفة الأشجار  ثلاثة أثوار (أبيض، وأسود، وأحمر)
،ومعها أسد، فكان الأسد لا يقدر منها على شيء لاجتماعها عليه، فقال الأسد للثور الأسود والأحمر: "إنه لا يدل علينا في أجمتنا إلا الثور الأبيض، فإن لونه مشهور، ولوني على لونكما، فلو تركتماني آكله خلت لكما الغابة وصفت ، فقالا: دونك وإياه فكله ،  فأكله، ومضت مدة على ذلك، ثم إن الأسد قال للثور الأحمر:  لوني على لونك، فدعني آكل الثور الأسـود، فقـال له: شأنك به ،  فأكله، ثم بعد أيـام قال للثور الأحمر: إني آكلك لا محال ، فقال الثور الأحمر:  دعني أنادي ثلاثة، فقال الأسد: أفعل،  فنادى الثور الأحمر فقال : .....(إنما أُكلت يوم أُكِل الثورُ الأبيض )  قالها ثلاثاً !!

هكذا أطلق الثور الأحمر صرخته الحزينة ، وتأوه بكلماته الأليمة ، ونادى بصوته المبحوح ...حينما أدرك _ الغبي _ أنه وقع في الفخ ، وأن الأسد آكله لا محالة .

تذكرت تلك القصة اليوم وأنا أرى الأسد يأكل الأثوار( العربية والإسلامية ) ..ثوراً ، ثوراً حتى لم يتبق له إلا الثور الأحمر الغبي !!

أكل ذلك الأسد المتوحش صدام حسين  _ رحمه الله  _ عام 2006م بعد أن وافق الثور الأسود  ( مصر ) والثور الأحمر ( دول الخليج ) وأزاح أهم عقبة تأرق نومه ، وفتت أهم صخرة تعترض طريق تحقيق أهدافه ...فأمَّن الثورين ، وأعطاهم المواثيق على أن يعيشوا بأمان ...فصدق  الأغبياء خدعة الأسد الماكر ..
وما أن أنجز مهمته بإتقان حتى فُتِحَتْ شهيته للتخلص  منهما جميعاً .. 
فبدأ يخطط لما بعد الثور الأبيض ..فتركهما يعتلفان في الغابة ، وينهلان من مياهها العذبة ، وأمَّن لهما الحياة...  ريثما يرتب أوراقه ويتحين الفرصة المناسبة للخلاص منهما .

وهاهو الساعة يقرر الإجهاز على الثور الأسود  
( مصر ) ويحدد وقت الخلاص منه ...

وها هي ذي أنيابه تنشب في عنقه ...
فبدأ يخنق الثور الأسود من أسهل نقطة ضعف لديه ( الإقتصاد ) ... وهاهو يخرَّ صريعاً رويداً ، رويداً ، ويقع على الأرض شيئاً فشياً ...وكل الخيارات أمامه مرَّة ...ويبدو أنه لن يفلت منه .

هكذا يمارس الأسد البشع كل هذا القهر بالثور الأسود ( مصر ) والثور الأحمر ( دول الخليج ) 
تنظر إليه متفرجة ، بل ربما تكون متسلية ، وهو ينادي ويصرخ بأعلى صوته ...لكنها غير عابهة بتلك الصرخات ، ولا سامعة لتلك الاستغاثات ... وكأن الأمر لا يعنيها .
فيا للعار ،،،

فرٌَط الثور الأسود ( مصر ) في العراق ، وتواطئ مع الأسد على قتل شعبه وتجويعه ، وإذلاله ....ففقد أهم سند له ، وخسر أهم ركيزة يتكأ عليها ...وهم أهله ،وعشيرته ، ومواطنيه.
وارتهن لإغراءات الثور الأحمر ( دول الخليج ) وانحاز إليه  على حساب آلام مواطنيه ، وأوجاعهم ، وجراحاتهم ....
 وجاءت الحظة الحاسمة  لرد الجميل ....
لكن الثور الأحمر ( دول الخليج ) تركه وحده يواجه مصيره المحتوم .

بالله عليكم هل تعجز دول الخليج على إنقاذ الاقتصاد المصري من الانهيار ؟
وهي التي أقل أمير من أمرائها يملك ثروة ستحل معظلة الاقتصاد للدول العربية كلها .
لكنها عاجزة عن فعل ذلك ، فهي تظن أنها في مأمن من الأسد المتوحش .
وهي الآن غافلة تماماً ولا تفكر إلا في مصالحها ، وفي كيفية إرضاء الأسد .

 مع أنَّ الأسد قد حدد وجهته ، وجهز خططه القادمة للإنقضاض السهل على الثور الأحمر ( دول الخليج)  لأنه سيصبح وحيداً منفرداً !!

إنَّ أكثر ما يحز في النفس ، ويدمي القلب ، ويبكي العين .....
أنَّ هذه الخطط وهذه الدسائس التي يُحيكها الأسد ... معلنة ، بينة ، واضحة يعلمها الكل ، ويدري بها الجميع ....ومع ذلك لا يستطيعون فعل شيئاً أبداً أبدأ..
حالهم كحال المريض المنتظر الموت .
فيا للطامة !!!

يبدو أننا قادمون على لحظات تاريخية فارقة
من عمر الأمة .
دول ممزقة ..
شعوب مكلومة ..
إقتصاد منهار ..
صراعات داخلية محتدمة !!!

تفرد بنا الأسد ثوراً ، ثوراً...
نزع روح الإخوة ...ففرط بعضنا ببعض.
خلع رداء الإنتماء .. فلم يعد يعني لنا شيئاً .
مسخ منا عقيدة الدين ...فلم يعد لنا حبل نعتصم به .

ذلك ما يتجلى بوضح اليوم ...
غزة تُبَاد ...وملياران مسلماً عاجزون عن نصرتهم !!

ظن الثوران المتبقيان أنهما في مأمن من بطش الأسد المتوحش ...
ولكنه اليوم  قرر أن يجهز على الثور الأسود ( مصر ) وكل المؤشرات تدل على أنه عاجز عن أن يحمي نفسه ، وأن الثور الأحمر ( دول الخليج) قررت أن تتركه يواجه مصيره ، وهو 
 يحث الخطى للاجهاز عليه ، حتى يواصل الخلاص من الثور الأحمر .

هكذا انطلت حيل ودسائس الأسد على الأثوار حتى استطاع أن يتخلص منها منفردة .. 
واحداً تلو الآخر !!!

هذا ما يحكيه واقع حال الأمة العربية والإسلامية ..
فحيثما يممت وجهك رأيت جرحاً أنكأ من جرح ، وبؤساً أشد من بؤس ، ووجعاً أقسى من وجع ...حتى أصبحنا عاجزين عن أن نتأوه بكلمة ، أو أن ينصر بعضنا بعضاً ولو بدعاء !!

من العراق إلى اليمن  إلى ليبيا إلى السودان إلى فلسطين ...جروح تثعب دماً أنهاراً !!
وإزاء هذه المآسي صمت الجميع ، وخنع الكل !!!

واليوم دارت الدائرة على الصامتين ....
وسيتجرَّج الصامتون من نفس الكأس . وَسَيُجْلَدُون بنفس السياط .
وسيدفعون نفس الثمن بل ربما أگثر .

ومع كل ذلك ، ورُغم كل ذلك ...
لن نفقد الأمل ، ولن يغلبنا اليأس ، ولن نخلد إلى العجز والكسل .

سينقشع ظلام القهر  ، وسينكسر قيد العبودية، وسينبلج فجر الأمل ، وستشرق شمس الحرية  ،،،

وكلما يُعتمل في غزة اليوم ....... إنما هي آلام الولادة ،،،