آخر تحديث :الأحد-28 أبريل 2024-01:52م

بيت علي عامر العلوي في حالمين .. وتراث الاسبال والاحكام العريقة

الإثنين - 08 يناير 2024 - الساعة 03:54 م

د.عبده يحيى الدباني
بقلم: د.عبده يحيى الدباني
- ارشيف الكاتب





لم تكن حالمين قبل استقلال الجنوب في عام 1967م  تابعة إداريا أو  سياسيا أو قبليا لأي مشيخة أو إمارة أو سلطنة من مشيخات وسلطنات وإمارات الجنوب وكانت قبائلها مجتمعة تدير نفسها بنفسها وكانت لديهم قوانين قبلية عرفية تواضعوا عليها واتفقوا وتعاملوا بها وعالجوا مشاكلهم المختلفة عبرها سواء كانت بين الأفراد أو بين القبائل ويبدو انهم وزعوا بين قبائلهم المهام التي تتعلق بإدارة حالمين القبلية؛  فهذه القبيلة مهمتها الاحكام القلبية والسوابل وكأنها جهة تشريعية ، وقبيلة أخرى عليها أمور ومهام أخرى وهكذا ؛  وكان من نصيب قبيلة العلوي هو سن الاعراف والسبل والأحكام المختلفة سواء أتفقت مع الأحكام والقوانين المدنية الحديثة أو أختلفت فهي اجتهاد  يناسب الواقع القبلي في ذلك  الزمان والمكان ، وكان شيوخ العلوي هم من أبناء واحفاد علي  عامر وقد اشتهروا بالحكمة والذكاء والبداهة والفراسة وادارة ألأزمات القبلية وحل المشكلات التي كانت تمثل معضلات في ذلك الواقع ، فاسندت لهم هذه المهمة المذكورة .

تلك الاحكام والحكم  تجاوزت حالمين إلى مناطق أخرى مثلما تجاوزت زمانها فما يزال ينظر إليها إلى اليوم ويعتد بها وتحظى بالتقدير والاعجاب لما تميزت به من عقل وعدل وذكاء وقدرة على الحلول وإخماد المشاكل .

وهناك عدد من  هذه الأسرة أشتهروا  في هذه المسألة،  مسألة  السوابل والقوانين القبلية والأحكام والحكم والاقوال السديدة الطريفة ، ويروى لهم عدد من هذه الأحكام العرفية التي أقرتها القبائل وتعاملت بها ولم تجد فيها غضاضة ومنها على سبيل الذكر لا الحصر، حكم (اللطمة) عندما يعتدي أحد الرجال ويلطم رجلا آخر في مشاجرة بينهما ، فقد رأى ابن علي عامر أن للطمة الأولى حكما ولكن اللطمة الثانية إذا كررها المعتدي على المعتدى عليه فإن حكمها لا يرقى إلى نصف حكم أو غرامة اللطمة الأولى، فتعجب الناس من هذا الحكم وقالوا ما الفرق بين اللطمة الأولى واللطمة الثانية فقال اللطمة الأولى قد تكون من باب الغدر والخدع والمفاجئة والمعتدى عليه ليس جاهزا للمشاجرة ولكن اللطمة الثانية لا تشفع للمعتدى عليه أن يتحملها ويقف مكتوف اليدين عن الرد والانتقام أو توقيف الخصم  عن اعتدائه، أي  كيف له أن يتلقى لطمتين معا من غير  ردة فعل من قبله ، قال لهم ابن علي عامر أنا وضعت قيمة للرجولة،  لأن البعض ربما تسول له نفسه بأن يتحمل اللطمة الأولى والثانية والثالثة من أجل ترتفع الغرامة والأحكام ولا يبالي بكرامته . وفي هذه السابلة ذكاء وحث على الرجولة والدفاع عن النفس فلاقى  هذا الحكم وتفسيره تقديرا  واحتراما لدى الناس ومايزال .

وخلال العهد القبلي نفسه قام هذا الرجل الحكيم وادخل زهرة شجرة القرع المعروفة في فم قارورة من زجاج وتركها،  ويوما بعد يوم  تحولت الزهرة إلى قرع صغير لأنها ماتزال مرتبطة بشجرتها،  وهكذا نما هذا القرع حتى ملا هذه القارورة ونحن نعرف كيف شكل القارورة  فلها عنق ضيق ولها حجم ومساحة وسعة محددة فبعد ذلك قام هذا الرجل الشيخ  ففصل القرع عن شجرته بعد إن صار ملء القارورة،  وأرسل القارورة بما فيها إلى الأمير شعفل في الضالع وهو أمير إمارة الضالع وهذا الأمير نفسه ينحدر  من أصول حالمية  وطلب منه أن يخرج هذا القرع من داخل القارورة من غير أن يكسر القارورة قائلا له أنا أدخلته  في القارورة وأنت عليك أن  تخرجه من غير أن تكسر القارورة كنوع  من التحدي والتعجيز والمباراة في الذكاء والفطنة وكنوع من الطرافة واللغز . فنظر فيها الأمير  متعجبا ثم لم يجد طريقة يخرج بها هذا القرع فقال:  أعيدوها إلى ابن علي عامر.. والذي أحبلها يولدها  حتى صارت هذه العبارة مثلا يضرب .

فلما أعادوها إلى ابن علي عامر قال لهم :  أنا سوف أخرج القرع من القارورة مع الحفاظ على القارورة، فقام ووضع سنارة من حديد في النار والسنارة هي  قطعة من حديد طويلة، وبعد أن حميت وصارت حمراء من النار ادخلها في القارورة مرات عديدة فشيئا فشيئا ذاب القرع وتحول إلى ماء وقطع صغيرة سهل اخراجها من القاروة ، وبقيت القارورة سليمة .

وهكذا  الذي أدخل القرع في القاروة هو الذي اخرجه منها .

وأما بعد قيام  الثورة  فقد جاء الشهيد علي عنتر رحمه الله  في زيارة لحالمين  فكانت شرعة وجهته ضمن مناطق أخرى ويبدو أن ذلك كان في سنوات الثورة قبيل الاستقلال ، فقام المناضل الشهيد علي عنتر يحاضر في جمع من  الناس وكان يجلس بينهم شيخهم ابن علي عامر واظنه حسين بن علي عامر  وكان مما قاله علي عنتر في تلك المنطقة  أن شبه الثورة بأنها مثل الدافور الذي أمامهم الذي يسمونه عندنا بالأتريك أو الدافور الذي يعبأ هواء وغازا  ويعد أفضل وسائل الاضاءة حينذاك .

لقد قال لهم: علي عنتر ان الثورة يجب أن تضيء لنا حياتنا كما يضيء لنا هذا الدافور أو قال ان الثورة ستؤدي إلى الحرية التي تضيء لنا كما يضيء لنا هذا الدافور ، فرفع ابن علي عامر صوته معلقا وقال : يارفيق عنتر هذا الدافور يضيء لي ولك ولهؤلاء الجماعة فقط حتى أن الجماعة اولئك الذين عند الشجرة فانهم جالسون في الظلام، فنحن لا نريد الثورة أن تكون مثل الدافور  ولكن نريد أن تكون مثل الشمس تطلع وتشرق على الناس في كل مكان فتعجب علي عنتر من هذا الذكاء واستحسن كلمة ابن علي عامر وظل يتذكر هذه الكلمة إلى أن مات ويحكيها لأصحابه .

ومن الاحكام الطريفة التي تنم عن ذكاء ودقة ملاحظة وإدراك للواقع الذي يعيشه وهذا مايسمى بفقه الواقع حديثا عند إعداد القوانين وتنفيذها، وهو مايسمى بحكم  الفقولة) وهي تفرض حينما تأتي المواشي الغنم أو البقر أو الضأن وتدخل في أرض مزروعة وتأكل ماتأكل منها مع أن هذه الأرض مملوكة لغير اصحاب هذه المواشي  نتيجة إهمال من الرعاة وغير ذلك من الأسباب ، فأصحاب الأرض في هذه الحالة  يطلبون فقولة أي غرامة وتعويض عما أكلته الحيوانات ،  وماسببته من خراب للزرع والأرض ،  ولاحد أبناء علي عامر اجتهاد في هذا الشأن حول الغنم التي تدخل في أراضي مزروعة يمتلكها الآخرون،  فالفقوله عنده فقولتان وليس فقولة واحدة على الغنم  أو الغنمة الواحدة  التي هي قريبة من الوادي نفسه أي من الأرض الزراعية فهي تسرح وتمرح وترعى قريباً من هذه الأرض فعليها  فقوله واحدة محددة إذا دخلت في هذه الارض المزروعة واكلت  منها ، ولكن الغنم أو الغنمة التي تأتي من مكان بعيد أو تعود من الخلاء إلى داخل هذه الأرض المزروعة فإن فقولتها مضاعفة حتى إذا لم تصل إلى الأرض ولم تفسد في الزرع والأرض،  فقيل له لماذا هذا الحكم؟  كيف تجعل لشاة الوادي فقولة وللشاة التي تأتي من بعيد فقولة أخرى مضاعفة،  فقال إن شاة الوادي إذا تجاوزت إلى الأرض القريبة منها أصلا فإنها لن تأكل إلا القليل فهي متعودة على أن تأكل مثل هذا الزرع ومثل هذا العشب ، ولكن الشاة أو الغنمة التي تأتي من بعيد فإنها تأتي جائعة ومعتدية  وأنها قد أهملت وتركت وقطعت مسافة طويلة فهي إذا دخلت إلى الزرع أكلته بنهم وربما لن تترك منه شيئا خاصة إذا كن أكثر من واحدة، فقيل له حتى إذا لم تصل إلى الزرع بعد،  فقال نعم  حتى  ينتبه الرعاة وينتبه أصحاب الغنم على اغنامهم من تركها سائبة وتشكل خطرا  على زرع الفلاحين .

وهذا يدخل ضمن الاحكام الوقائية التي تحد من الأخطاء المتوقعة  فالتهاون سيجعل أصحاب الغنم لا ينزجرون ولا يهتمون كثيرا في منع اغنامهم من حقوق الناس، وجميع الناس عندهم أغنام وعندهم أرض وهذا التشريع للجميع ومن ساواك بنفسه ماظلمك .

هذا غيض من فيض من الحكم والاحكام المنسوبة إلى المشائخ الذين ينحدرون من بيت علي عامر العلوي.

ولنا وقفات أخرى بعون الله تعالى.

د عبده يحيى الدباني