آخر تحديث :الأحد-28 أبريل 2024-08:33م

موت الحرة ولا تأكل بثدييها

الإثنين - 08 يناير 2024 - الساعة 03:51 م

د. سعيد سالم الحرباجي
بقلم: د. سعيد سالم الحرباجي
- ارشيف الكاتب




كعادتي بعد تناول وجبة الغداء أخلد إلى الفراش لآخذ قسطاً من الراحة قبيل صلاة العصر ...فبينما كنت منزعجاً من سماع خبر استشهاد الإعلامي حمزة الدحدوح نجل الإعلامي اللامع وائل الدحدوح ...أخذت أطالع الجوال فوقعت عيناي على مقطع صغير جدآ لفتاة فلسطينية....فإذا بها تتحدث عن معاناة أهل غزة ، وتوجه عدة رسائل لحكامنا ، ولشعوب الأمة الإسلامية...

فنهضت جالساً فأعدت مشاهدت المقطع مرة ومرة ومرة !!
فوقفت مندهشاً ، وحملقت في المقطع وأعدت النظر فيه أخرى ،،،
يا إلهي ،،،
أي بلاغة رزقتها هذه الفتاة !!!
وأي فصاحة أُعطيت!!!
وأي بيان منحت !!!

ياترى في أي مدرسة تتلمذت ؟
وبأي ثقافة تشبعت ؟
وبأي فكر غُذيت ؟
وفي حضن من تربت ؟

لا لا لا ،،،،
أكاد أجزم أن هذه الجيل المحشور في غزة ...يعيش في كوكب آخر بعيداً كل البعد عن كوكبنا الملبد بغيوم الذل ، المليء بغبار الهوان ، المعكَّر بأتربة العبودية ، المتسخ بقاذورات المهانة !!!

يا إلهي ،،،
إنها لا تطلق كلمات الأطفال ....
بل تطلق أحذية في وجوهنا نحن الجبناء ، الضعفا ء ،الأذلَّاء ، الخانعين ، المستكينين ...
ومع كل حذاء ترمي به في وجوهنا ...
لسان حالها يقول :
أين أنتم أيها المسلمون ؟
أين مليار ونصف مليار مسلم يعيش على ظهر هذا الكوكب الفسيح ؟
أين نخوتكم ؟
أين رجولتكم ؟
أين شهامتكم ؟
أين ضمائركم ؟
أأحياء أنتم أم أموات ؟

أما ترون العالم حولكم يهتز ولا يكاد يهدأ ، يتحرك ولا يكاد يتوقف ، يهتف ولا يكاد يصمت ، يتفاعل مع آلامنا ، يتعاطف مع مصابنا ، يتضامن مع قضيتنا ...
وأنتم أنتم يا أهلنا ...نائمون !!
حتى الدعاء في المساجد...أعجزكم لأنكم أذلاء!!!

ثم صرخت فقالت ...
نحن لا نريد منكم طعاماً ، لا نريد منكم شراباً ، لا نريد كساءً ، لا نريد دواءً ، لا نسألكم حاجة ...لإننا رفعنا حاجاتنا إلى ربنا هو حسبنا ونعم الوكيل!!

لكننا نؤكد لكم يا أهلنا الخانعين ...أننا نأكل تراب غزة الطاهر ، ونمضغ أوراق شجرها الخضراء ، ونفترش أرضها الطيبة ، ونلتحف بسمائها النظيفة ، ونتنفس من هواها النقي ..
ونفضل العيش في غزة بحرية ، وكرامة ، وعزة ، وإباء، وشموخ ...ولا نعطي الدنية في ديننا ، ولا نستجدي أحداً ، ولا نستعطف مخلوقاً ، ولا نمد أيدينا لإنسان ...
ثم أردفت وقالت :
( تموت الحرة ...ولا تأكل بثدييها ) .
وهذا مثل عربي فحواه أنٌ الحرة لا ترضى أن تبيع لبن ثدييها فتأكل أجرة ذلك ....مهما بلغت بها شدة الحاحة !!!

الله أكبر ،،،
يا لك من فتاة عظيمة ،،،
إنه كلام الكبار ، حديث العظماء ،،
وكأنها تقول : نحن نفضل الموت بعزة في أرض غزة ، ولا نستجدي حاجتنا بامتهان ،،

لك الله يا صغيرتي !!
بل لك الله يا عظيمتي !!
لقد والله أخجلتينا حياءً !!
وها نحن ننحني أمامك تواضعاً ،،
ونطأطأ رؤسنا بين يديك خجلاً ،،
لأننا عاجزون عن الكلام ،،
فضلاً عن أن نقوم بالفعال !!!

فنرجو منك أن تلتمسي لنا عذراً...أيتها الطفلة الصغيرة ..
فلم تعد للرجولة عندنا معنى !!
ولم تعد للحرية لدينا قيمة !!
ولم يعد للانتماء في قاموسنا ...مفردات !!