آخر تحديث :الأربعاء-18 سبتمبر 2024-04:27م


أحسنوا تربيتكم مع التربويين

الجمعة - 05 يناير 2024 - الساعة 07:25 م

د. عبدالعزيز صالح المحوري
بقلم: د. عبدالعزيز صالح المحوري
- ارشيف الكاتب




رغم المحنة والعناء ورغم الأسى والبلاء، أثبت التربويون في المدارس والجامعات أنهم أهل التربية ومنبعها، ثابتون لا يغيرهم جور المراحل، راسخون لا يزعزعهم ميلان الوضع. عرفوا قدرهم فأبقوا عليه وأدركوا ماهية مهنتهم فحفظوها؛ فالتربوي -فعلاً- اسمٌ قائم على مسمى، وموصوفٌ واقفةٌ عليه الصفة.

تغيرت المرحلة فعصرتهم وتبدل الوقت فسحقهم فما تغيروا ولا تبدلوا. تداعوا لنصرة أنفسهم ومهنتهم؛ فلم يفُسدوا ولم يُتلفوا، ما قطعوا طريق ولا أغلقوا مؤسسة ولا دمروا منشأة. أقاموا وقفات لم يسندها الشعب وفرضوا إضراب لم تسمعه الدولة؛ فانهزموا نصرة للأجيال، فقُدم شأن المتعلم على شأن المعلم وفُضلت مصلحة المتربي على مصلحة من يعولهم المربي. فعكفوا في المدارس والكليات ورابطوا في الفصول والقاعات، يؤدون مهامهم بكل صلابة وجلد.

سُحقوا ومُحقوا فاستعصموا بالشرف، وكُسروا وقُهروا فتمنعوا بالصبر. يدرسون العدالة ويغرسون روحها في قلوب النشء ويحاضرون عن القانون ويزرعون مهابته واحترامه في أفئدة الأجيال وهم مظلومون لم تنصفهم عدالة، مهزومون لم ينصرهم قانون.

إن ما يعانيه المعلمون في هذا البلد كفيل بحرفهم عن الصراط وجدير بسلخهم وتجريدهم من القيم التربوية والأخلاقيات البيداغوجية وكافٍ لإخراجهم -كما أخرج غيرهم- عن الآداب السوية والسلوكيات المستقيمة وقذفهم في مستنقع الفتوة والبلطجة والارتزاق. 

كرام أعزة عفيفو النفوس، يقاسون ولايشكون، يعانون فيتألمون بصمت. ولن يأبه لهم أحد وإن أسمعوا، تنكر لهم من ربوا وأدبوا وعلموا وثقفوا.

مشاعر الضعف والانهزام -في أبهى صورها- تتجلى في حال ذلك الأستاذ الأب الذي قابل البؤس وجهاً لوجه في المدرسة حين رأى ابنه التلميذ ذا الملابس الرثة والأحذية الممزقة والحقيبة التالفة وهو يتأمل هندام أقرانه وأناقتهم بالأزياء الجديدة والبزات المنمقة في أول أيام الدراسة؛ فلا يجد هذا الأب حيلة غير كسر نظره قبل أن يقترن به نظر ولده... ذلك هو انكسار الحال وانكسار الخاطر، وأي مأساة أكبر من انكسار الأب أمام إبنه؟
فاللهم عافنا ولاتبتلينا واجبرنا ولاتكسرنا.

ماناله التربويون كافٍ ووافٍ، وليسوا بحاجة لمزيد من العناء والألم؛ فقد جاورهم الردى وأدبهم البلاء ونقحهم الوباء وأهلكهم الغلاء فلاتنقصهم المماحكات والعداء والحماقات والغباء والسفالة وقلة الحياء.
لاينقصهم مدير مدرسة شنفري ولا مدير تربية عنتري ولاعميد كلية نمام مفتري ولا رئيس هيئة أكاديمية بحجم مساحة في مؤخرة قلم، شعاره الدائم "مازالوا بقلم رصاص"؛ فيكتبهم متى أراد ويمحيهم مع كل تاريخهم الإداري والأكاديمي متى شاء.
فليعلم المساحة والمفتري والعنتري والشنفري وحتى البنشري والسمكري -اللذان أقحمهما السجع في النص- أن المرحلة أدبت التربويين بما فيه الكفاية، والفرعنة والتنمر لا تجديان نفعاً مع قوم لم يعد لديهم مايخسروه.

أحسنوا تربيتكم مع التربويين وعاملوهم بما هم أهله. قدروا كفاحهم وصمودهم وصبرهم، تجاوزوا عن تقصيرهم والتمسوا لهم العذر وارفعوا سياطكم عنهم وكفوا أيديكم عن رواتبهم التي لايرتضي بها أحقر عامل في هذا الوطن.

واعلموا... إن التربويين يصارعون أنفسهم ليبقوا مستقيمين على أخلاقيات المهنة ولا يفتقرون إلى المزيد من الصراع؛ فلا تفسدوهم بطيشكم وعبثكم.