آخر تحديث :الأحد-28 أبريل 2024-06:37م

ها هو التاريخ يتنفس من جديد ،،،

الخميس - 04 يناير 2024 - الساعة 09:57 م

د. سعيد سالم الحرباجي
بقلم: د. سعيد سالم الحرباجي
- ارشيف الكاتب




ذكر رسول الله في حديثه الصحيح :
( إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا ).

هكذا تحدث من لا ينطق عن الهوى بهذه المسلَّمة التأريخية التي أكدت شواهد الأحداث صحتها ، وتحققها في واقع الحياة .

ذلك أن الأمة قد يصيبها الضعف ، والوهن ، وقد تترجل عن الصدارة لحين من الدهر ...
لكن ذلك الغياب لا يطول ، ولا يزيد عن تلك الفترة التي حددها رسول الله.

وها نحن إذا أمعنا النظر في أحداث اليوم لرأينا تلك النبوءة تتحقق.... وفي أنصع صورها .

تم الإجهاز على آخر حلقة من حلقات الرابط السياسي للعرب والمسلمين بسقوط الخلافة العثمانية عام ( 1924م ) على يد العلماني ( أتاتورك) . 
وعلى إثر ذلك السقوط المدوي... إنفرط العقد ، وتشتت الدول العربية والإسلامية ، وتم تمزيقها من قبل الصليبية العالمية ، وتقاسموا تركة العثمانيين....فانكسرت شوكتنا ، ووهن عزمنا ، وضعفت قوتنا ، وخارت قوانا ، فاستأسدوا علينا، وزرعوا هذا الكيان المسخ ( إسرائيل ) في خاصرة الأمة، واستباحوا المسجد الأقصى ، ودنسوا أرجاءه ...فصار حالنا إلى هذا الحال الذي يُدْمِي قلب كل ذي مروءة.

ولكن...
ومع كل هذا الهوان ، ومع كل هذا الذل ، ومع كل هذا الخواء الذي أصاب الأمة ....
هاهي المائة عام التي حددها رسولنا تنتهي .
مائة عام من انحسار المد الإسلامي..
مائة عام من تنحي المسلمون عن القيادة والصدارة..
مائة عام من الضعف ، والضياع ، والتشتت ،  وسيطرة قوى الشر على قيادة البشرية .
هذه المائة عام انتهت مع دخول عام ( 2024م ) ...


ومع انتهاء هذه المدة الزمنية التي أشار إليها  الرسول .....ها نحن نرى التأريخ يتنفس مرة أخرى من غزة ، ها نحن نرى مخاض المرحلة المقبلة في تلك الآلام التي يعاني منها أهلنا في غزة ، ها نحن نسمع حسيس صوتها مع تلك الأصوات التي تنبعث من تحت الركام الهائل الذي خلفته ألة الدمار الصهيونية ، وهاهي بوادر النصر تلوح من خلف ذلك الدخان المتصاعد الذي يكاد يغطي سماء غزة .
وهاهم رجال المقاومة الفلسطينية يفتحون صفحة من صفحات التاريخ ليكتبوا الكلمة الأولى لبداية سطر جديد .
وها هي ذي كل لغات العالم تأكد أنٌ ما يحصل في غزة اليوم ....روح جديدة تسري في جسد الأمة الإسلامية.

ألا يكفي دليلاً على ذلك... أنَّك ترى أحرار العالم وهم يتفاعلون مع كل إنجازات المقاومة في غزة ، ويرفعون علم فلسطين ، ويحملون الكوفية الفلسطينية كرمز فخر ، واعتزاز ، وعنوان انتماء لوحدة الأمة .
ألا ترى كم هو العطش الذي بلغ بنا ...لذلك كانت تكبيرات المجاهدين على أرض غزة بمثابة قطرات الماء العزيزة التي أعادت الحياة إلى أرواحنا العطشى .. فها هي حياة العزة تدب فينا مرة أخرى .

كل هذا التفاعل ، وكل هذا الحراك الجماهيري، وكل هذا الزخم الشعبي ، وكل هذا الالتفاف الصادق مع المقاومة ...لهو أعمق تعبير على تناغم الأمة ، وتعاضدها ، وتماسك وحدة كيانها ....وفي الوقت ذاته يؤكد على أنها عصية على المحو ، عصية على التغييب ، عصية على الإبعاد ، عصية على الذوبان في ثقافات الآخر .

لك الله يا غزة ...
وحدك تحملتي تبعات بعث الأمة من مواتها ..
وحدهم أهلك تقدموا حين جبن أكثر من مليار ونصف مليار عن قول ( لا ...للباطل ) !!
وحدهم أهلك هم  من أصر ( رغم الحصار ، رغم التآمر ، رغم الخذلان ) أصىروا على غمس خنجر الموت في نحر النظام العالمي .
وحدهم أهلك من أبدى استعداده ( رغم ضخامة التضحية ) أن يعيد روح التأريخ التي غادرت الأمة لأكثر من قرن من الزمان !! 

نحن أمة قد تضعف ..لكنها لا تموت .
قد يخفت ضوؤها .. لكنه لا ينطفي ..
قد نترجل عن الصدارة.. لكننا سرعان ما نعود 

ذلك لأننا نملك كل مؤهلات القوة ، ولدينا كل مقومات النهوض ، وبأيدنا كل أسباب الصعود....نحن أسياد الجغرافيا التي تربط العالم ، وحبانا الله مضايق البحار التي تتحكم 
في أقوات الشعوب ، ولدينا مخزون بشري ضخم ، وزاد روحي يتدفق .

وغزة وحدها  هي من أشاحت اللثام عن كل تلك الحقائق التي حاولت الصهيونية العالمية أن تطمسها .
غزة هي روحنا التي انجذبنا إليها بدون تردد .
غزة هي عنوان المرحلة القادمة ، هي إيقونة الكفاح ، هي أغنية الحرية ، هي رمز البطولة ، هي ملهمة الثوار .
ومن غزة ( وحدها ) يتنفس التأريخ ليأذن بميلاد مرحلةجديدة .

فتحية إعزاز ، وإكبار ، وإجلال ، وتقدير 
لك شعب غزة ..تحية للأمهات اللواتي أنجبن هذا الجيل العنيد ، وتحية لقادة القسام الذين نحتوا في الصخر حتى تفجر ينبوعاً هادراً ، وطوفاناً مهلكاً لكل قوى الشر .

وإنه لجهاد...نصر أو استشتهاد .