آخر تحديث :السبت-27 أبريل 2024-02:38م

الموسيقار/ أحمد بن أحمد قاسم ..تجربة فنية إبداعية (إستثنائية) ..؟!

الأحد - 24 ديسمبر 2023 - الساعة 10:45 ص

عصام خليدي
بقلم: عصام خليدي
- ارشيف الكاتب


قدم الموسيقار السابق لعصره أحمد بن أحمد قاسم (تجربة فنية إستثنائية) شكلت في قوامها وعطاءاتها الإبداعية وبناءاتها المعمارية الهندسية الموسيقية الراقية المترفة الفاخرة (قمة الحداثة والتجديد في الغناء اليمني القديم والمعاصر) ..

والحقيقة إنها تختزل بداخلها خبايا وكنوز لم تكتشف بعد حتى كتابة هذه السطور ومازالت متجذرة وكامنة
  في الأشكال والتراكيب والقوالب والجمل الموسيقية (ذات التكنيك الفني الغنائي الموسيقي العالي) ، إضافة الى عزفه المتقن والبارع على ( آلة العود ) وصوته الجميل القوي المعبر المتدفق والعذب ..

إنه في غنائه يذكرني بمآثر (ملحمة جلجامش وإلياذة هوميروس) ..

كذلك أهمية دوره اللأفت والفذ في إستخدام الإيقاعات المختلفة والمتنوعة في أغانيه من عموم الوطن العربي وأوروبا وأسبانيا وأمريكا اللأتينية وكل أصقاع المعمورة وتوظيفها يمنيـاً بشكل رائع بديع مبهر (غير مسبوق) ، وبطبيعة الحال لا نستطيع إغفال ونسيان (المقطوعات الموسيقية) التي قام بتأليفها (موسيقارنا) لترتقي بروعتها وتألقها بذائقة المستمع اليمني والعربي على السواء ، وفي الواقع أن تجربته الفنية جديرة بالبحث والدراسات المتخصصة لمعرفة مميزاتها وخصائصها التي مكنتها من الديمومة والخلود ، وذلك بقراءات نقدية متأنية ثاقبة علمية منهاجية أكاديمية ..؟!

في حقيقة الأمر نجد أنفسنا حريصين بل وملتزمين مهنياً وأخلاقياً وإبداعياً وإنسانياً  بكتابات ومداخلات نبرز من خلالها الملامح الإبداعية والروئ الفنية التي نبتغي توضيحها وتعميمها  وتسليط الأضواء على أهم ما يميز مشواره الفني الذي أتسم بإشتغالات إبداعية جادة وحداثية في تجربة الموسيقار (السامق المعطاء) أحمد بن أحمد قاسم ذلك بمحاولة قراءة أعماله الفنية ثرية الخصوبة غنية الفرادة والتمييز (والرقم الإستثنائي الأصعب) في تاريخ الغناء اليمني القديم والمعاصر ..

وهانحن نقدم لجماهير القراء وعشاق فن الأيقونة أحمد بن أحمد قاسم هذه المداخلات والبحوث والقراءات النقدية طواعية وبمجهود ذاتي يدفعنا الى ذلك إيماننا الراسخ وقناعتنا بعظمة وقيمة هذا العملاق المتجدد والمتطور)
من تألق إبداعي في صياغاته الغنائية والموسيقية وتراكيب جمله وقوالبه اللحنية ذات الخيال الخصب واللغة الموسيقية الكونية ذات الأبعاد والصور التعبيرية اللامتناهية التي تركها للأجيال المتعاقبة من فن أصيل بديع حديث ومغاير غير مسبوق ..

كلمة أقولها بملئ فمي وقناعاتي يكفي المكتبة الفنية اليمنية فخراً وإعتزازاً ما قدماه (الثنائيان) بن قاسم/ لطفي أمان في ملحمة موكب الثورة
( يا مزهري الحزين ) من نتاج وعطاء إبداعي متميز وخارق غير مألوف أستطاعا من خلاله ترجمة ومواكبة المراحل النضالية والوطنية إبان الإحتلال الاستعماري البريطاني لجنوب الوطن أثناء أزمنة التشطير ، وتعتبر (الملحمة التاريخية الشعرية الدرامية الغنائية الموسيقية يامزهري الحزين) التي قام بصياغة أشعارها وطرز أبياتها بصياغة لغوية رفيعة المستوى وسرد تاريخي (وأسلوب وطني راقي فني وثائر يحاكي الزمان والمكان)  الموسوعة الأديبة والفكرية المناضل والشاعر والتربوي والملحن والرسام المتألق (لطفي جعفر أمان) الذي أستطاع أن يرسم بكلماته الشعرية المتألقة ملحمة  فنية وطنية غنائية وشمت على جدار الزمان ..

وأستطاع أن يقدم فناننا المتجدد (القيثارة بن قاسم) أروع  وأعظم وأرقى (دراما شعرية غنائية موسيقية لُحنت في تاريخنا الفني الابداعي القديم والمعاصر) على الإطلاق ويمكنني القول أن ملحمة يامزهري الحزين رصدت أهم الوقائع والأحداث السياسية واستطاعت إعادة عجلة دوران الزمان والمكان (بحرفية فنية نصـاً وغناءً وموسيقى تعبيرية درامية )  ..

فقد نجح الموسيقار أحمد قاسم في( ملحمة موكب الثورة ) ببراعة وإقتدار في توظيف واستخدام (وثبات وتنويعات مقامية) مختلفة منها : مقام الدو ماجيير / ومقام الحجاز على درجة الصول / ومقام الحجاز كار كورد .. وغيرها من المقامات الشرقية والغربية إضافة الى تعاطيه مع إيقاعات متنوعة مثل : الفالص / المصمودي 4 / 4 ، المارش ، الكراتشي والرومبا ... الخ ..

(ملحمة يا مزهري الحزين) بما تخللته وتضمنته من دلالات وصور ومشاهد وتراكيب وجمل (ميلودية وهارمونية) متناغمة وبناءات معمارية موسيقية معماربة هندسية شاهقة ثرية (مكثفة أرخت) وسجلت بحرفية إبداعية شعراً ولحناً (سيناريو) قسوة الكفاح المسلح والمعاناة والظلمات التي عاشها وكابدها وتجرع مرارتها وقهرها الشعب اليمني إلى أن تحقق الإستقلال الوطني في ال (30 من نوفمبر عام 1967م)  ..

ولا نعلم في واقع الأمر رغم أهمية هذا العمل الوطني العملاق (ملحمة 
يا مزهري الحزين) على كافة الصعد والمستويات الإبداعية .. التاريخية .. والسياسية .. والإجتماعية والإنسانية ..
إلا أننا للأسف
لا نشاهده يبث في إعلامنا المسموع وقنواتنا الفضائية في كل المناسبات الوطنية ..؟!!


والواقع أن الجهات ذات العلاقة ربما مشغولة بأمور كبيرة  ..
وفي أجندتها من الأولويات ذات الأهمية
ما هو أهم وأجدى وأنفع من الاحتفاء بمناسبة التكريم والوفاء لرجل غمرنا بفيض عطائه وكرمه اللامتناهي (فنان صنع تاريخ أمة) ..؟!
 

قدم الموسيقار الراحل أحمد بن أحمد قاسم في عام ( 1965م ) فيلمـاً سينمائيـاً بعنوان (حبي في القاهرة) قصة وسيناريو وحوار عادل صادق ، سيد أبو العينين وإخراج عادل صادق ، شاركه في أدوار البطولة كوكبة من ألمع نجوم السينما المصرية في خمسينات وستينات القرن الفارط أبرزهم جهابذة الشاشة العربية : 
محمود المليجي ، توفيق الدقن ، عبدالمنعم إبراهيم .. وآخرون وتقاسم البطولة ( بن قاسم ) مع النجمة الصاعدة حينها زيزي البدراوي ،
الفيلم حقق نجاحـاً بشهادة المتخصصين بصناعة السينما ، بالإضافة إلى السبق الريادي السينمائي والفني ، وشهد بل ووثق بالصوت والصورة ( العبقرية القاسمية ) حكايتها بكل تفاصيلها وخصائصها الإبداعية والإنسانية : الموهبة ، الطموح ، المعاناة ، التفوق العلمي ، الإصرار ، الجرأة والنجاح ،
ورغم تلك (النجاحات الباهرة) التي حصدها وحققها في تجربته (الأولى بدرجة إمتياز) لم ( ينجُ ) الفنان أحمد قاسم من (حزب أعداء النجاح) فحكموا عليه قبل مشاهدتهم لفيلمه الغنائي الوليد ( بالفشل ) لكن الحقيقة أنه كان برؤيته وموهبته وإبداعه سابقـاً لعصره وزمانه فلم يلتفت إليهم ، ومضى في فتوحاته وإنجازاته الإبداعية العظيمة ..!
 

ونستطيع القول إن من أهم ما شد انتباه الجماهير اليمنية والعربية (قصة الفيلم) التي جسدت ببراعة وحنكة ( شخصية الفنان العدني) ، أحمد قاسم واعتزازه بأرضه ووطنه وفنه وعلمه وطموحاته في عوالم الغناء والموسيقى (العدنية واليمنية والعربية) في مجمل أحداث الحكاية والقصة والحبكة السينمائية ..


وبالطبع لاننسى الأغنيات  الخالدات الرائعات التي واكبت سياق أحداث الفيلم والمضمخة بالفن والطرب الباذخ الشجي المترع والموشى بالشجن واللوعة والهيام المتدفق العذب كشلالات المياه الصافية التي أستهلها بقصيدة عذبيني ، تم تتبعها روائع التحف (القاسمية) الغنائية التي تخطف وتسلب الأفئدة والقلوب :
مش مصدق ، يا عيباه ، مش عيب عليك ، مستحيل ، أنت ولا أحد سواك .. وغيرها التي تم اختيارها بعناية فائقة فطرز من خلالها لقطات ومشاهد الفيلم ليجعل منها (قلادات مرصعة باللآلئ والجواهر النفيسة) فأسعدت وأمتعت مشاهدي فيلم ( حبي في القاهرة ) ..

 

بقي أن نتوجه بالشكر والتقدير إلى القناة الفضائية المصرية والـ (ART) على حرصهما واهتمامهما بعرض فيلم أحمد قاسم (حبي في القاهرة) في كل عام بمناسبة ميلاده ورحيله ..

وإحساسنا العميق بالأسف لغيابه وتهميشه من الفضائيات والإعلام اليمني ..؟!

ويا للعجب..؟!!

 

فاسمحوا لي أن أشعل شمعة في ظلام دامس يعاني منه المشهد الثقافي الإبداعي الرسمي حالة تخبط وغياب وعشوائية منذ زمن بعيد طويل لا ندري متى سينتهي ؟!!

 

فقد أصابنا بحالة شلل تام وشعور بالإحباط والإكتئاب مما يحدث وصدمنا بواقع مؤلم ، تديره وتقوده جماعة من الأدعياء المنافقين أصحاب الوجوه المتقلبة والأقنعة الزائفة من تُغير جلدها ولونها وولائها بحسب المصلحة والمنفعة ، فقد تسببت في رحيل وسقوط ثلة وكوكبة من صفوة المبدعين والقامات الفنية والأدبية بشكل متسارع ومخيف كان آخرها فقيد الغناء اليمني الفنان المبدع سعودي أحمد صالح رحمه الله ، وللأسف هناك مبدعين أخرين أمراض على الفراش يصارعون الموت (ولاحياة لمن تنادي) ..؟!

إننا نعيش في زمن أربابه من (فصيلة النبت الشيطاني) ، ممن استطاعوا أن يعيدونا خلال أعوام وعقود من زمن (الظلمات) التي مضت ولازالت ترمي بظلالها السوداوية القاتمة نعم أعادونا الى الوراء لعصور من الجهل والتخلف والقهر الثقافي الإبداعي والإنساني ..؟!

 

رحم الله فقيدنا الراحل الموسيقار الكبير أحمد بن أحمد قاسم ذلك (القنديل الأخضر) الذي أسعدنا وأضاء حياتنا بالفرحة والمحبة والغبطة والأمل ورفع عالياً سمعة ومكانة الغناء اليمني في فضاءات الكون الرحبة محلياً وعربياً وعالمياً ، وماذا عساي أن أضيف بعد التصريحات المتلاحقة في ذكرى ميلاده ورحيله ، بضرورة إعادة النظر من الجهات الرسمية والمختصة ممثلة بوزارتي الثقافة والإعلام بضرورة وأهمية دراسة وتحليل وتسليط الأضواء حول تجربته الإبداعية الباذخة الفريدة والنوعية ..

وأهمية إقامة (متحف) يضم (مقتنياته الفنية والشخصية)

( العود القاسمي ) (النوتات والنصوص الموسيقية لأعماله الغنائية) ، (الملابس والبدلات الخاصة في مشاركاته الفنية داخلياً وخارجياً) وصوره التذكارية مع الرؤساء والقادة والسياسيين وأعلام الفن اليمني والعربي ..

ذلك على سبيل المثال لا الحصر ، وتدريس الحانه وموسيقاه في ( معهد الفنون الجميلة في عدن ) هذه بعض من المقترحات والأراء التي  يستحقها بجدارة موسيقارنا الخالد أنه (التكريم والوفاء) نظير ما قدمه من عطاءات إبداعية فنية متفردة وجليلة للوطن اليمني وللأجيال المتعاقبة !!

 

والله من وراء القصد ..