آخر تحديث :الأحد-28 أبريل 2024-04:19م

عن ثقافة الشرف ، وثقافة العلف ،،

السبت - 23 ديسمبر 2023 - الساعة 01:57 م

د. سعيد سالم الحرباجي
بقلم: د. سعيد سالم الحرباجي
- ارشيف الكاتب


هناك بون شاسع ، وفرق كبير ، وتباين واضح  بين ثقافتي ( الشرف ) و ( العلف ) ..
فهما متباعدتان كبعد السماء عن الأرض ، مختلفتان  كاختلاف الليل والنهار ، متضادتان كاتضاد الخطأ، والصواب ،،
لا يلتقيان في طريق ، ولا يتحدان في نقطة ، ولا يجتمعان في منتصف ، ولا يتفقان في معنى ،،

فثقافة الشرف ....هي تلك الثقافة التي ارتوى أصحابها من حليب العزة ، وَغُذيت أجسادهم بغذاء التضحية ، ونضجت عقولهم بأفكار الرجولة ، وارتشفت نفوسهم من معين القيم السامية ، وهُذِّبتْ طباعهم بأخلاق الفداء ،،

هي تلك الثقافة التي تجعل المتصفين بها  يسترخصون أنفسهم لأجل الدين ، ويجودون  بأرواحهم دفاعاً عن الوطن ، ويسكبون دماءهم ذوذاً عن الأعراض ، ويقدمون  جماجهم حماية للحقوق وعشقاً للحرية .
هي تلك الثقافة التي تحيل  المستحيل ممكناً ،  
وتصنع من الصفر رقماً ، وتجعل من الحلم حقيقة ،،،

لا يبالي ثقافيو الشرف بمقدار التضحية التي يقدمونها في سبيل أن يعيشوا أحراراً ، وأن يحيوا بكرامة ، وأن يتحركوا بمنتهى الإرادة ، وألَّا يرون محتلاً دخيلاً لأوطانهم .

تشبع مثقفو الشرف بنهج الحرية ...فحلقت أرواحهم في سماء العزة ...
وأنفت نفوسهم حياة  الذل ، وعافت ضمائرهم المهانة ، وأبى كبرياؤهم الاستكانة .
يتقدمون حين يتأخر الناس ، يضحون عندما يخاف الضعفاء ، يبذلون يوم أن يبخل الجبناء ، يتسابقون إلى سوق الوغى عندما يهرب المتخاذلون ، يذوذون عن الوطن حينما يرون عديمي الضمائر يبيعونه في سوق النخاسة .

لذلك هم دائماً في مرمى نيران العدو ، والصديق...بل ربما كانت عادوة الأقربين أشد  إيلاماً على  نفوسهم ، وأعمق جرحاً على قلوبهم ، وأفتك طعناً فى عزائمهم !!

هذه هي حقيقة ونتيجة ثقافة الشرف ، وهذه هي صفاتهم ، وهذه هي أخلاقهم .

وهذه الثقافة تتجسد اليوم على أرض غزة بكل معانيها ، وتتحقق على أرض الرباط بكل مفرداتها ، ويترجمها أطفال غزه ، ونساؤها ، ورجالها ، وقادتها بكل حذاقيرها ..
وهكذا أنتجت هذا الجيل العنيد في غزة  الذي تشرَّب كل معانيها ، وَصُقلت طباعة بكل مفاهيمها ..
وهاهو يترجم ذلك كله من خلال هذا الصمود الإسطوري في وجه الإجرام الصليبي  الصهيوني رُغم صغر المساحة التي يقف عليها والتي  لا تتجاوز (360كم٢) لكنه يأبى الإنحناء ، ويرفض الذل ، ويأنف التبعية ، ويتغنى بالحرية ، ويعزف بأوتار العزة ،  الشموخ، والكبرياء !!!
فيا لقيمة الحرية !!!

وأما ثقافة( العلف )...فلها من إسمها نصيب ، 
فصفات منتسبيها أقرب إلى البهائم منها إلى البشر ...ينسلخون من كل القيم السامية ، ويتجردون من كل الصفات الإنسانية الرائعة ، وينخلعون من كل الفضائل الراقية ..

لا همَّ لهم إلا بطونهم ، وكروشهم ، وشهواتهم ، وفروجهم ، وتلبية رغباتهم ، وإشباع غرائزهم !!!
لا يهمهم كيف يتأتَّي ذلك ، ولا يزعجهم كيف يحصلون على ذلك ، ولا يغضبهم كيف يأتيهم ذلك ؟؟!!!
كلما في الأمر أن يعيشوا ، أن يملؤوا بطنهم ، أن يستجيبوا لغرائزهم .....ولو على حساب ضمائرهم ، ولو على حساب شرفهم ، ولو على حساب  دينهم ، ولو على حساب أخلاقهم وقيمهم ، ولو على حساب خيانة أوطانهم، وبيع أهلهم وبلدهم ؟؟!!

وهذا الصنف( للأسف الشديد) اليوم ...سوق رائج ، وتجارته مزدهرة  ، وربحه سريع ، والطلب عليه كثير ، والعرض من قبلهم أكثر ..
فأصبح صوته مسموعاً ، وكلمته هي القوية ، وسطوته هي الغالبه ؟!!
بل أضحى هو الأصل... وغيره هو الاستثناء ، وأطلقت عليه أوصاف الثناء...ولغيره التفاهة .
وبات هو حامي الحمى ....وغيره هو الخائن .

تسلل هذا الصنف خلسة وعلى حين غفلة من المجتمع ، فتصدر المشهد ، وتربع على
العرش ، واستولى على مقاليد الأمور .....فانسلخ من كل القيم ، وانخلع من كل الاعتبارات ....فباع عااااجلاً بآجل ، واشترى رديئاً بغالِ ، وقبل بزهيد على نفيس .
ورضي بالإهانة على حساب الكرامة ، وقبل بالذل على حساب العز ، واستساغ الخنوع عل حساب الشموخ ....ففرط في كل شيء مقابل أن يعيش عبداً طائعاً ،ذليلاً مع سيده ...على حساب دينه ، ووطنه ، وبلده ، وأهله ، وعرضه .

لذلك لا نعجب اليوم أن رأينا مثل هذه المواقف المخزية من قبل حكام العرب والمسلمين ، بل لا نعجب أن رأينا مواقف أحط من ذلك من قبل بعض علماء المسلمين ، ولا نندهش أن نرى من تحول ( من أبناء المسلمين ) إلى نسر جارح ينهش في أعراض المقاومة في غزة ويبرر الأفعال الإجرامية لأبناء اليهودية .
والأشد وجعاً من ذلك كله ..... أن يروا كلهم مجتمون أنَّ مقاومة المحتل الصهيوني في غزة ( عبثاً في عبث ) !!!
كل ذلك وأكثر ...هو نتيجة هذه الثقافة القبيحة ... 
هذه الثقافة  التي انتجت هذا الجيل الممسوخ ، التائه ، المنسلخ من قيم الأمة ، وثوابتها ، وأخلاقها ، اللاهث وراء سراب حضارة الغرب التي كشفت غزة زيفها ، ودجلها ، وخداعها .

ومع ذلك كله ....
تظل ثقافة الشرف .. عنواناً للرجولة ،  ونهجاً للشرفاء ، وعلامة مميزة للشجعان ، وماركة حكراً على الصادقين ، المخلصين .

وفي الوقت ذاته أضحت ثقافة العلف ...
علامة مميزة ، وماركة مسجلة للجبناء ، والضعغاء  وبائعي الأوطان .