أثار انتباهي ما تناقل عبر وسائل الإعلام من وقفات إحتجاجية نتيجة لتغيير مدير عام التأمينات بمحافظة أبين الأخ عبدربه العبد ، والمشهود له بالكفاءة ، وجودة العمل !!
فكان لهذا القرار أصداء واسعة على مستوى المحافظة ، وكان محل استهجان ، واستنكار للرأي العام ، وأعطى انطباعاً لدى الكثيرين بأنه قرار تعسفي ، وغير مهني .
والحقيقة إنَّ مثل هذه التصرفات تكررت ولا زالت تتكرر ، ويبدو أنَّها ستستمر إذا لم تجد من يردعها .
فهناك أشخاص تم تغييرهم ، والتعسف بحقهم ..فقط لأنهم ناجحون في وظائفهم ، مثابرون في مهامهم ، مؤتمنون على مصالح العامة !!
وهناك أشخاص ثَبُت فسادهم بتقارير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة ، وربما مطالبون بقضايا جسيمة من قبل النيابة .... فبدلاً من أن يُساقون إلى النيابة والقضاء ....يتم ترقيتهم إلى مناصب أرفع ، أو ينقلون إلى وظيفة أخرى ،أو يجدون من يحميهم فلا تُطالهم يد القضاء ، ويُحمون من عملية التغيير !!؟
وهذا الموضوع قديم جديد ، قبيح ، شنيع ...
ففي الغالب يتم استخدامه لتصفية حسابات ضيقة ، ولتأديب الخصوم ، ولربما اسْتٌخْدِمَ للانتقام الشخصي ، والتشفي النفسي ....دونما مراعات لمآلات تلك القرارات على العمل الوظيفي نفسه ، وعلى ما يترتب عليها من زيادة في تشظي المجتمع ، وتمزق في نسيجه الاجتماعي ؟!!!
وأنا لا أتحدث عن هذه اللوثة قاصداً جهة بعينها لأنه كما أسلفت( موضوع قديم يتجدد ) لكنني هنا أتحدث عن جوهر ، وفحوى الأمر بعينه .
إذ إنَّ عملية التغيير يشوبها كثير من المخالفات ، ولا تبنى على أسس مدروسة ، ولا تتخذ بناءً على أدلة مقبولة ....وهنا تكمن المشكلة !!
فعملية التدوير الوظيفي أمر مطلوب ، ومسلمة من المسلمات المتفق عليها عند علماء الإدارة ولا يختلف عليها إثنان .
ولكن ،،،،
كيف تتم مثل هكذا عملية ؟
علماء الإدارة يحددون دورات معينة لشغل الوظيفة ، لا يتم تجاوزها إلا لاعتبارات معقولة ومقبولة ، ومنطقية .
لذلك عند التفكير في قضية التغيير الوظيفي ....تتم عملية تقييم منهجية ، منطقية ، واضحة ، مدروسة .
فإذا ثبت عدم أهلية الشخص لهذه الوظيفة أو تلك بتقرير محايد وشفاف ...
هنا وجب تغييره ، ويُعطى نسخة من التقرير .
ولكن في حال نجاح الشخص في عمله _ وقد تجاوز المدد المحددة له لشغل الوظيفة _ هنا ينبغي نقله في السلم الوظيفي إلى مكان أرقى للاستفادة من قدراته ، ولرفع مستوى المؤسسة .
أنا هنا أتحدث عن أصول علم الإدارة ، وما يجب أن يكون ..وهذه المبادئ والأسس معمول بها في الشركات الناجحة ، والدول المتقدمة ، والتي كان لها انعكاسات إيجابية ، وثمرات ملموسة في واقع الحياة ...وهذا ما نشاهده ، ونقرأ عنه في الدول التي تتبع سياسة إدارية صارمة .
لكن أكثر ما يحز في النفس ، ويدمي القلب ...
أنَّ هذه الأسس ( في بلادنا ) يُرمى بها عُرض الحائط ، ولا يتم التعامل معها بحال من الأحوال .
وما نراه من تدهور مريع ، وتراجع مخيف ، وفساد يزكم الأنوف في كل مفاصل الدولة ......هو نتيجة طبيعة لمثل هكذا تصرفات خرقاء لا تراعي أسس الإدارة ، ولا تحرص على المصلحة العامة !!
فكل من وصل إلى منصب إداري ...فكأنما نالته دعوة في ليلة القدر ، وجاءته القنيمة الباردة ترفل في ثياب الزينة .... فتراه يتصرف في ذلك الموقع وكأنه ملك أبيه ، ويتعامل مع المنصب وكأنه حكر عليه . فيعبث به كيفما يشاء .....
فيغير من يريد ، ويعين من يشاء، ويقرب من يحب ، ويبعد من لا يرغب فيه ....هكذا بلا حسيب ولا رقيب ؟!!
وهنا تحصل الطامة ، وتحل الكارثة ...
وهذا أس البلاء وأساسه لكل المشاكل التي نعاني منها في العالم الثالث!!
فكم أتمنى أن نتجاوز هذه الثقافة القبيحة ، وأن نتخطى عتبة هذه اللوثة الخبيثة ، وأن ننظر إلى الوظيفة التي نصل إليها .... بأنها أمانة جسيمة ، وحمل ثقيل ، ومسؤولية شاقة ، وواجب وطني ، وأخلاقي ، وإنساني .