آخر تحديث :السبت-27 أبريل 2024-11:14م

قصة أول تخزينة في الأجواء!

الثلاثاء - 12 ديسمبر 2023 - الساعة 04:23 م

ماجد الداعري
بقلم: ماجد الداعري
- ارشيف الكاتب


تأخرت رحلة السعيدة من مطار الريان بالمكلا إلى صنعاء حتى مابعد ظهر ذات يوم، وكنت على متنها مع عدد قليل من الركاب قبل حوالي عشر سنوات مضت
وبما اني قد كنت بدأت تناول القات في صالة المطار الخارجية،وبدأ الكيف يلعب بالمزاج، فقد فكرت بالغاء الرحلة والعودة إلى فندق أمواج فندقي المتواضع المفضل حتى اليوم بالمكلا.. لكن هاجس شيطاني دفعني لمحاولة اخفاء القات في فمي والصعود إلى الطائرة، في لحظة امتعاض الركاب من تأخر الرحلة..
ولم أصدق نفسي بعدها، الا وانا اطير فعلا في الأجواء، بذات الكيف وعلى نفس درجة التخديرة السليمانية، ودون ان ارى حولي ركابا ولا من الخلف، وإنما بضعة ركاب مشتتين على مقاعد متفرقة بالطائرة وكأنها باص نقل سياحي، قرر سائقه ومساعده ملأ مقاعده من الطريق ودون توقع من احد بان الرحلة ستمر ترانزيت على عدن لنقل ركاب ينتظرونها هناك..

مرت لحظات، وأنا أشاهد البحر من تحتي، حزينا ومتنام الصغر بينما احاول ان أشد عليه ليبتسم لكوني اعيش أجواء اول تخزينة قات في الأجواء، ةبأن لا يخشى الرياح العاتية التي كانت يومها تعبث بامواجه الصاخبة البياض وهي تتراءى لي من الأعلى كاسنان فاتنة جميلة فارقها الحبيب وأبكاها قهر خذلانه لها.

ارتفعت الطائرة أعلى وأعلى،، وبدأت فتاة التنبيهات بفتح حشرجة مايكرفون الطائرة لإعلامنا بأن الطائرة تستعد للهبوط على مطار عدن،،وكررت الجملة ذاتها باللغة الإنجليزية، وانا اقول لنفسي مالها تخبط..
معقول تكون مخزنة مثلي ونسيت ان رحلتنا متجهة من المكلا صنعاء،، وليس عدن..؟ أم أن تخديرة القات قد ضربت فيوز عقلي ولم اعد افرق بين ماتقول!

ومع بدء هبوط الطائرة المرعبة، رأيت فعلا البحر وأدركت يقينا بأن الطائرة تهبط بالفعل في عدن وليس صنعاء،
وحينها أخرجت الفانتا وربطت كيس علاقي القات على منضدة الأكل وبدأت مرحلة التخزين الرسمي المعلن بحثا عن أي مشكلة مع إدارة الطائرة ومضيفتيها يومها.. غير ان الأمر سار بشكل طبيعي سلس وكأني راكب حافلة نقل الرويشان الجماعي وغير مصدق بأني أمارس طقوس تخزينتي اليومية المعتادة في الجو هذه المرة وليس الأرض، حتى شعرت فجأة بنعومة يد تربت على كتفي من الخلف، فاعتقدت بداية ان راكبا انتقل للأمام ليطلب مني تجديدة قات،
لذلك حاولت تجاهل الأمر ولم اتوقع انها المضيفة التي سبق وان كنت اشكرها على محاولتها تقديم اي مأكول او مشروب لي، وهي تبتسم وتذهب من حولي، وانا احاول التخفي عنها بمظهر تعاطي القات، حتى لا تكتشف اني مخزن على متن الطائرة..

وفي لحظة شعرت بأن الطائرة عادت للإقلاع مجددا وليس الهبوط..  لمحتعا مصرة هذه المرة على ان تسألني عن حالي،،مع ابتسامة استغراب خفيفة على محياها، ومحاولة تلطيف الأجواء نزولا عند حالة الانسجام التام لي مع القات.. لأتحاول حينها تمالك قدراتي وجمع بقايا فيوز عقلي والرد عليها بذات الابتسامة قائلا لها باني بخير والحمد لله.. رفعت رأسها للأعلى وهي تحاول أن تبدو بأنها في غاية الانسجام معي، ومع محاولتي ممازحتها بعرض عليها قليل من القات، قبل أن تفاجأني بالجلوس بالمقعد المقابل والتحدث معي بأنها تحزن القات فعلا ولكن في أجواء الليل الخاص وبطقوس مختلفة عن طريقتنا الحيوانية نحن الرجال، وانها أيضا من بنات صبر الحالمة تعز، وتفاصيل أخرى عديدة كشفتها لي بكل ثقة ورحابة صدر، حتى انهتها بأنها كانت ملاحظة لي وعلى علم من اول الرحلة بانني مخزن ولكن تقديرا منها لعدم تفكير المزاج حاولت التغاضي وتجاوز الأمر باعتبار الرحلة داخلية.. لكن علي الان اخفاء القات حتى العودة مجددا للإقلاع من عدن إلى صنعاء.. وهكذا فعلت فعلا بحكم مبدأ الصداقة وحق التعارف، واكتفت هي نهاية المطاف بأخذ رقم هاتفي بعد أن اشبعتها ضحكا طوال الطريق حتى كاد البعض يعتقد انها راكبة معنا وليست مضيفة.
والخلاصة انها كانت من أنبل من عرفتهن وبقيت فترة طويلة معي كمصدر صحفي يوافيني بأخبار الطيران وفضائح الشركة حتى خرجت منها وانتقلت للعمل في شركة الخطوط الجوية اليمنية براتب افضل وغيرت كل ملامحها بما فيها تغير لون شعرها إلى الأشقر،، ولا سامح الله من اطفأ حرارة شبكة اتصالات يو، عنا في عدن، كونه قطع وصالي بأغلى وأحلى مصدر صحفي نوعي ناعم عرفته في حياتي الصحفية المتحجرة بكل المآسي.

#قصة_أول_تخزينة_في_الأجواء
#ماجد_الداعري