آخر تحديث :السبت-27 أبريل 2024-03:24م

الشاعر الغنائي الكبير / أحمد رحيم بومهدي ..وربي ماتجاهلتك .. ولابنساك ياعمري ..

الإثنين - 11 ديسمبر 2023 - الساعة 07:14 م

عصام خليدي
بقلم: عصام خليدي
- ارشيف الكاتب


يتساقط المبدعون في وطني تباعاً كأوراق الخريف لدرجة أننا لم نعد نستطيع ملاحقة وإستيعاب هول الصدمات وخطوبها الجسام وشدة وطأتها لأنها موجعة حزينة مؤلمة ومؤسفة نعم (يتساقطون) تحت وطأة  الفقر و المرض
والمعاناة والظروف المعيشية  القاهرة ، بعد مشوار طويل متعب ومضني مع رحلة البذل والعطاء وبكل مالديهم من غالي ونفيس ، وعندما تأتي اللحظة  المرتقبة للتكريم وجني حصاد عناء السنين لتقديم بعضاً من ( الوفاء) لذلك المبدع يكون رد الفعل ( الجحود والنكران) ..

فيموت مبدعينا ( مرتين) الأولى بالتجاهل والنسيان وهم على قيد الحياة ومن ثم تتوالى هذه  ( الميتات) للمبدعين من الجهات الرسمية  والمختصة بمزيد من ( الإهمال والتغييب) لمن قدموا عصارة أفكارهم وجهدهم ولم يبخلوا بصحتهم في ريعان شبابهم في سبيل رقي وتطوير مستوى وعي وذائقة المجتمع اليمني على إمتداد التاريخ القديم والمعاصر ..

تحدثنا كثيراً عن أهمية توثيق أعمال مبدعينا  وأرشفتها حفاظاً عليها من العبث والنهب  وكيف يمكن أن نحتفي  بالمبدعين التي لاتقل أهمية الإحتفاء بهم عن (المناسبات الوطنية) من وجهة نظري السؤال المهم ماذا صنعنا لهؤلاء المبدعين ولأسرهم بعد مماتهم ورحيلهم ..؟!

القاصي والداني يعلم أن الرواتب التي يتقاضاها عمالقة وكبار الأدباء والفنانين في اليمن بعد الرحيل لاتساوي أجر مايتقاضاه ( عامل نظافة) ماذا فعلنا بهذا الشأن لمبدعينا والسنين تمر على رحيلهم عام بعد عام وأسرهم تعاني من شدة الإحتياج لبعض من حقوقهم المهدرة ..؟!

إن المتأمل لهذا الوضع المأساوي يشعر بفذاحة هذه الجريمة بكل المقاييس المهنية والإنسانية ..؟!

يعتبر الأستاذ أحمد بومهدي واحداً من أهم شعراء الأغنية وممن ساهموا مساهمة فاعلة بوضع بصمات ولبنات  واضحة المعالم في تراكيبها  وصياغاتها وقوامها اللفظي المستند على الإيقاع والجرس الموسيقي بل ويمكننا القول أن تجربته الشعرية شكلت   جزءً هاماً وكبيراً من ذائقة وذاكرة المستمع اليمني والمتلقي وأثرت في قلب ووجدان كل يمني على إمتداد الساحة اليمنية وخارجها وفي الخليج والجزيرة العربية فمن منا لم يستمتع بقصائده الغنائية التي شكل بها مع المرحوم الفنان الرائع محمد صالح عزاني (ثنائية ناجحة) متميزة المذاق والنكهة كأغنيات :

ظن أني نسيته/ ظبي شفته/ شفت ناقش الحناء/ ياأهل ذي الساكن/ شلني يادريول/ إلا ياطير يالخضر/ بلادي الى المجد/ النار والحديد / دعوني/ شي خط لي .. وغيرها ..

كل هذه الأعمال الجميلة المعبرة أستطاعت أن تؤثر تاثيراً بالغاً وواضحاً في الذاكرة والوجدان اليمني وفي الجزيرة العربية والخليج بشكل عام حتى كتابة هذه السطور ..

أمتلك الشاعر أحمد بومهدي مفردات وأدوات شعرية متميزة متفردة أستطاع أن يوظفها توظيفاً شعرياً بديعاً إذ أنه جمع بين النص الشعري العامي والشعرالفصيح ليرتقي بمفرداته الدارجة بقالب سمي بالنص الغنائي ( الوسط) مكنه من القيام بذلك الدور الرائع قدرته الشعرية الفائقة وأدواته الفنية اللغوية المتمكنة بالإضافة الى المخزون الكبير الذي يحفظه عن ظهر قلب من التراث والفلكلور الشعبي اليمني بكل أشكاله وألوانه خاصة في جوانب الشعر والغناء والرقص الشعبي  ، فأستطاع بذلك أن يجعل كل تلك المعطيات الثقافية والأدبية تذوب وتنصهر بأشتغالات جادة ليجعل لتجربته كيان مستقل جسده في قوالب شعرية بديعة متناسقة قريبة لكل القلوب ، الأمر الذي أعطى لتجربته صك وميزة التفرد والخصوصية والإستمرارية وللتأكد على ذلك نختار بعضاً من أبيات قصيدته 
الرائعة ( لحظة لقاء) التي أهداني أياها قبل مماته  :

أنتظرتك .. وأبتداء قلبي يدق .. ساهن لوصلك ..

وأتهمتك .. قلت ياقلبي أكيد .. ناسي لوعدك ..

ماعذرتك .. أنتظرتك .. طالما قلبي يحبك ..

وجيت في الموعد ورحب قلب يتلهف لوصلك ..

ياشبيه الظبي في جيده ترفق بي ترفق ..

أتسم الشاعر أحمد بومهدي بالطيبة والتسامح ونقاء السريرة وبالخجل ونكران الذات ..

عشق الشاعر أحمد بومهدي صوت الفنان الرائع والرقيق محمد صالح عزاني وقدم له أجمل وأروع أشعاره وقصائده العاطفية والوطنية وشكلا معاً (تنائياً متميزاً وناجحاً) أثمر بظهور العديد من الأعمال الراقية والمؤثرة القوية شكلاً ومضموناً ، وجديراً بالذكر أن الشاعر أحمد بومهدي كان من (المتنبئين والمتحمسين المبشرين) 
بموهبة العزاني ( كملحن مقتدر ومجيد) وظل الى جواره يدفعه  ويشجعه في الخوض والإستمرارية في مجال التلحين بكل مالديه من قدره وإمكانات الي أن وقف العزاني ( الملحن) علي
قدميه وأصبح فارساً لايشق له غبار ومما لاشك فيه أن رحيل العزاني كان له الأثر البالغ والأليم في نفس الشاعر أحمد بومهدي فأحس بموته من الوهلة الأولى بالخسارة الكبيرة  وبالفعل لم يكن موت الفنان البديع محمد صالح عزاني خسارة فنية على شاعرنا المبدع أحمد بومهدي بل على الوطن اليمني بأسره ، فلم يستطع أي صوت وملحن بعد العزاني أن يملئ الفراغ الذي تركه  وظل شاغراً في ساحة الغناء اليمني حتى بعد تقادم سنوات رحيله ..

كان فقيدنا عضواً في إتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين  وعضواً في إتحاد الفنانين وعضواً موسساً ورئيساً لجمعية تنمية الموروث الشعبي وعضواً لجمعية يحي عمر اليافعي ( أبو معجب ) ..

للأستاذ أحمد بومهدي إهتمامات ثقافية وأدبية كبيرة جداً فقد تميز بكتاباته وأبحاثه الجادة في جانب التوثيق المقروء والمسموع والمصور  ولديه مكتبة غنية بالأعمال التراثية الشعبية والعربية  ومكتبة ثقافية تشمل أمهات الكتب في الشعر والأدب والتاريخ ، كما كان رحمه الله مرجعاً يعود اليه كل المهتمين والمثقفين والفنانين في الداخل والخارج ، لعلني أتذكر أن الباحثة العربية الدكتورة شهرزاد قاسم كانت شديدة الحرص على زيارة الأستاذ أحمد بومهدي فقد قدمت العديد من البحوث العلمية عن الغناء والموسيقى اليمنية وأستفادت كثيراً من مكتبة وثقافة شاعرنا الفذ أحمد بومهدي بالإضافة الى توافد العديد من المثقفين والأدباء الى منتداه الثقافي كالأستاذ عبدالرحمن الملاحي والأستاذ عبدالله حداد والدكتور نزار غانم وأخرين ..

لم يبخل شاعرنا الكبير رحمه الله بتعاونه ومساعداته الأدبية والفنية والفكرية والمعنوية لأجيال متعاقبة من الفنانين كباراً وصغاراً منهم الأساتذة : محمد مرشد ناجي / محمد محسن عطروش / أحمد باقتاده / محمد سالم بن شامخ / كرامة مرسال / عبدالكريم توفيق / عصام خليدي/ أحمد بن غوذل / مدهش صالح / أحمد ناجي/ نجيب سعيد ثابت/ أمل كعدل / فضل كريدي/ علي حسين الكيله / محمد المحسني / نوال محمد حسين / سعيد أحمد بن أحمد .. وأخرين ..

ختاماً :

قدم فقيد الوطن الأديب الشاعر أحمد بومهدي رحمه الله  عطاءً كبيراً وغزيراً وشم به في كل مجالات الفنون والأبداع اليمني ولم يأخذ مايستحقه ويليق بمكانته وبتاريخه الحافل والزاخر بتجليات الإبداع الحقيقي الأصيل المتجذر في خضم تجربته الأدبية الشعرية المتألقة ..

هكذا حال مبدعينا الذين يرحلون جسداً ويعيشون فينا وفي ذاكرة الوطن الى ماشاء الله ..؟!