آخر تحديث :الأحد-28 أبريل 2024-08:33م

ذكرى نوفمبر نرفع القناديل

الإثنين - 04 ديسمبر 2023 - الساعة 05:26 م

احمد الجعشاني
بقلم: احمد الجعشاني
- ارشيف الكاتب


لم أكن أريد الحديث عن هذا الأمر... كنت أعتقد أننا يجب أن نتوقف عن كتابة الماضي، لأننا سوف نلمس الجراح، ونوجع أنفسنا أكثر مما نشفى منها، لأن الماضي فيه جبال من الحقد والكراهية، ذكرى الاستقلال المجيدة عيد فرحت آلامه فيه وابتهجت وأعقبه مر تمخضت فيه الدماء، لأن من صنعوا الثورة والاستقلال من الاستعمار الأجنبي، لم يتركوا لنا شيئا جميلا نتذكره سوى ذكرى الاستقلال اليوم المجيد الذي خرج فيه المستعمر الغاصب من بلدنا، بعد تضحيات جسيمة وكبيرة من الشهداء الثورة من كل أبناء الوطن، أما هؤلاء الذين شرودا وقتلوا وسجنوا عشية الاستقلال بعد التحرر من المستعمر الأجنبي، كانوا ضحية المنتصر بعد حرب أهلية رسمها المستعمر حتى لا يترك خلفه سلطة قوية، وتلك لعبة الاستعمار وأجادها الأحرار إذ تحررنا من مستعمر أجنبي إلى مستعمر وطني... أو كما قال البردوني...

(خطئ أكتوبر انقلبت * * حزيرانية الكفن

ترقى العار من بيع * * إلى بيع بلا ثمن

ومن مستعمر غاز * * إلى مستعمر وطني)

ولا زلت عند قولي... وسأظل عند قولي، هذا وهو إعادة الحق والاعتبار لكل هؤلاء الأبطال، الذين دفعوا الثمن غاليا ولصقت بهم تهمة الخيانة والعار، يجب أولا إعطاء الحق وألانصاف، قبل الاحتفال بالاستقلال الوطني... لأنه استقلال أعقبه الحزن والمآسي... لقد سرق ودفن تضحيات هؤلاء المناضلين بعد الثلاثين من نوفمبر ١٩٦٧م أي بعد عشية الاستقلال، رحمة الله الشهيد المناضل ابن الثورة علي عبد العليم حيث وهو في الزنزانة قبل إعدامه من رفقاء السلاح والثورة قال

(جئت بالأمس إرهابيا واليوم أعود إليك متآمرا... عميلا أمريكيا تبا لهم وتبا لبانيك

لا يا بلادي أنا لست متآمرا... بل بروحي ودمي أفديك).

قالها وكتبها بدماء يده على جدران السجن، قبل أن يعدم ويتهم بالتآمر والخيانة.

إذا ولو قيمنا الأمر منذ بداية الاستقلال، لوجدنا أنه استقلال عظيم وتحول إلى استعمار جديد، ليس شرط أن يكون الاستعمار أجنبيا، هناك استعمار آخر، من الطغاة والمستبدين والظلمة وهم من أبناء الوطن ومن رفقاء النضال والمقاومة... إن ما حدث بعد الاستقلال في الجنوب لا يمكن أن يوصف إلا، بل استعمار آخر من صانعي الثورة، أو من أدعو أنهم ثوار، أو من افرطو في النرجسية الثورية، وتملكتهم السلطة والنفوذ، فأصبحوا طغاة جدد صنعتها الثورة المخترقة من الصغار، حيث إن كل من خالفهم الرائد أو الفكر تمت تصفيتهم من أبناء الوطن، ومن قادة الثورة ورموزها أيضا بتهمة الخيانة والعمالة للخارج، قال الزعيم الصيني ماو... الثورة مثل القطة عندما تشعر بالجوع... تأكل أولادها...

وإننا اليوم أمام مفترق جديد لبناء الدولة الجديدة، على المساواة والتعددية والقانون، أعطى الناس ثقتهم للانتقالي خيط الأمل الرفيع الباقي أكبر مكون جنوبي، ولكن الخوف أن يعيد التاريخ نفسه ولم نستفد من تجارب الماضي، أن ما يرضخ في الوعاء يأتي بالخوف منه، لم يستطع الانتقالي من إعادة هيكلة القوى الأمنية وتحيدها وضبطها أمام ما يحدث من فوضى، الالتزام بالمسؤولية والشراكة في دمج القيادة من كل الطيف الجنوبي، وليس من منطقة واحدة وتلك من إشكالية الماضي، الصراع المناطقي والقبلي داخل السلطة، لسنا بحاجة إلى تجارب جديدة ونغز الجراح، ليس كل من شارك في القتال وقدم التضحيات أهل للقيادة، أن الجنوب اليوم يعاني من سوء الإدارة، ربما الشراكة مع الشرعية في الحكومة، ألجم قوتها وقدرتها على مجابهة الفساد وتلك غلطه لم يحسب لها صح، ناهيك ما يحدث من انتهاكات أمنية تسؤء الى الانتقالي وقيادته وأخذ الجبيات في كل نقطة أمنيه، رغم مايعانيه المواطن الجنوبي من فقر مدقع أمام أرتفاع الاسعار. معاناة صعبة تواجه المواطن في الجنوب، يخصم من رصيد الانتقالي في عدن والمناطق الجنوبية، وتلك معضلة قد يعاني منها الانتقالي في قادم الأيام.

قبل الحوار في إعادة دولة الجنوب، كان يجب إصلاح البيت من الداخل، رص الصف في قوة الجبهة الداخلية وتعزيزه وتوحيده في الشراكة في اتخاذ القرار ولم الطيف من كل المناطق الجنوبية وخاصة عدن، حيث لا يوجد أي قائد أمني منها في كل الوحدات الأمنية والعسكرية، ولاحتا في السلك القيادي الانتقالي، أبناء عدن حرموا سابقا بعد الاستقلال واليوم نعيد الجرة مرة أخرى، أن الإشكالية المناطقية والجبهوية القبلية تعيدنا إلى تداعيات الماضي إلى زمن العنجهية الثورية سابقا، ورفض الحوار مع الآخر وانعدام الشفافية، لا يمكن أن تخلق حوار من طرف واحد داخل مكونات الانتقالي أو الحراك الجنوبي دون مشاركة من بقية القيادات السابقة والذين كان دورا في النضال، لا تكون مشاركة فعالة في اتخاذ القرارات خلف الأبواب المغلقة ودون ربط الجسور، أن التباين والاختلاف الفكري والعقائدي والمناطقي، كان جليا واضحا بعد انتصار الجنوب بين رفقاء السلاح وصناع الثورة، والاختلافات المناطقية موجودة بين عامة الشعب، ماهي الا ضاهرة طبيعة وانسانيه في المجتمع، التباين في الفكر واللون والمستوى الطبقي، أذ ان التغير الرأسي في البنى الطبقية والاجتماعيه وتصفية كوادر ذوي الخبرة الوطنيه في الجهاز الاداري والامني في دولة الجنوب المزعمه، وابعاد بعض القوى الوطنيه من المشهد السياسي والعسكري، وترك كل الخبرات القيادية في الجهاز المدني والعسكري، يا بتهمة الخيانة اوالعماله للخارج او خليك في البيت مثل ماعمل نظام عفاش، غباء سياسي يعيد التجربة الاسوء للجنوب أو مثل قول فرعون لقومه... ما أريكم إلا ما أرى... دليل واضح، ينضج منه عن فكر أحادي متسلط، فوض نفسه عن الشعب وما يعتقده ويراه أنه هو الصواب، وكل من يخالفه يهلك أو يسجن، ولهذا نقول إن التحرير من الماضي لم يكتمل، ولم تشرق له شمس الحرية بعد في عدن والجنوب عامة.

ليس التحرر من نظام عفاش أو غيره هو المعنى الحقيقي للحرية والتغير نحو دولة القانون والمساواة، ذلك ما هو إلا ناتج عن ضيق الفكر والأفق والتحيز....