آخر تحديث :الأربعاء-18 سبتمبر 2024-04:19م


انتهاكات مشروعة

الخميس - 30 نوفمبر 2023 - الساعة 09:17 ص

د. عبدالعزيز صالح المحوري
بقلم: د. عبدالعزيز صالح المحوري
- ارشيف الكاتب


الاعتداء على حقوق الغير خطيئة معلومة، لاتجيزها شريعة ولاتبيحها ملة، مهما كانت اعتبارات الغير العقائدية والفكرية. فحقوق الآدمي محفوظة عند المسلمين وغير المسلمين؛ وانتهاك الحقوق وسلبها فعل محرم بإجماع مذاهب ديننا الحنيف، وعمل تجرمه باقي الأديان المحرفة منها والوثنية.
سلامة الحقوق وعدم التعدي عليها هو اعتبار رباني قدره الله في نفوس خلقه؛ فتجد من الآدمييين من يؤمن بحقوق الخلق مع أنه لا يؤمن بالخالق وحق عبادته؛ فالملحدون الذين لايرون حقاً لله يجب أن يؤدى، يرون للغير حقوقا يجب أن تحفظ وتحمى.
وقبل أن تكون حرمة الحقوق الآدمية خلق سوي لدى الملحدين فهي -كما نعلم- سجية الله في خلقه وفطرته التي فطر عليها النفس البشرية حتى يرث الأرض ومن عليها. فمن تجرأ على حق للخالق فقد ظلم نفسه ولن يضر الله شيئاً، ومن تجرأ على حقوق خلق الله أضرهم وظلمهم.

مصطلح الحقوق واسع وغير محدد، فهي مختلفة ومتباينة باختلاف المجتمعات وتباين الثقافات، وما يكون حقا في مجتمع قد يكون في آخر جريرة وجرماً. ولسنا في هذا المقال بصدد الحديث عن الحقوق من منظورها العام، ولكن حول جزئية محددة وصريحة ومتفق عليها في كل الثقافات والمجتمعات كحق لا ينبغي المساس به أو التجرؤ عليه وهي حقوق الأفراد المالية، والتي أضحى انتهاكها في بلدي عملاً مشروعاً ومصدر رزق ودخلاً غير منقطع ولا ممنوع للآثمين.

اليمن بلاد الأنفة والعفة والإباء والغوث، أصل الأعراق ومنبع الأخلاق قبل الإسلام، وشطر الحكمة والإيمان بعده، قد نما فيها الفساد وتعاقب فغدا نهجاً وموروثاً.
صار التعدي على أموال الناس وسلبها عملاً مشروعاً بالتواتر، منتهجاً بالخبرة، قانونياً بالعرف ونظامياً يمارس في الأسواق والطرقات العامة والمنشآت والمرافق الحكومية له أحكام وضوابط، يسيره أفراد وجماعات لأخذ أموال الناس بالباطل تحت ذرائع عدة أبرزها الحماية والحفاظة والوفر المؤسسي.

سلوكيات النصب والابتزاز تمكنت وتجذرت على نحو غير معقول، فلم تعد مخجلة ومعيبة في نظر المجتمع بل مشروعة وأمراً مبرراً وضرورة لها تفهماً وقبولاً.
مسميات ذوي الكسب غير المشروع كالنصابين والمحتالين والخارجين عن القانون تعطلت، فلم تعد صالحة للتداول ومعرضة للنسيان اللغوي، فهي مسميات بلا مسمين؛ فالانتهاكات والتجاوزات الغير مشروعة قد شرعت وسنت.

غياب قوة القانون واستقلالية المؤسسات وضعف الوازع الديني والأخلاقي سبباً رئيسا في خلق جرأة التعدي على حقوق العباد في قلوب الذين يعلمون أن الحلال بين وأن الحرام بين وأن كل المسلم على المسلم حرام.

تأصلت وتمكنت هذه الممارسات في المرافق الحكومية، فتتم صناعة التجاوزات وابتكارها في هيئة مشاريع مؤسسية يشرف عليها الملاك المتسلطون على مؤسسات البلد. وآخر مشاريع الانتهاكات المشروعة تم في مطار عدن الدولي، حيث فرضت وشرعت أتاوات مالية بسندات رسمية على عربات نقل حقائب المسافرين. "المجانية في كل أقطار وأمصار العالم".

*تشريع السرقة وجعلها قانونية  جرم سبقنا به العالمين.*

هو نداء لأهل الحل والعقد، للمثقفين والإعلاميين والقانونيين ولكل عاقل وراشد في هذا الوطن، أن اصطفوا وأوقفوا هذه التجاوزات ولاتستحقرون أموال العباد المستقطعة مهما صغرت، فالدين شرع قطع اليد في بيضة.