آخر تحديث :الأربعاء-18 سبتمبر 2024-04:19م


عسكر المدير

الجمعة - 24 نوفمبر 2023 - الساعة 12:00 ص

د. عبدالعزيز صالح المحوري
بقلم: د. عبدالعزيز صالح المحوري
- ارشيف الكاتب


تبدت في الآونة الأخيرة استراتيجيات إدارية غريبة، تناقلها السابقون من رؤساء الدوائر والمرافق الحكومية وانتهجها اللاحقون فغدت عرفا إداريا وبديلة ومتغيرة ثقافية.
فسياسة التملك بالمؤسسة والتصرف بقرارها ألجأت المدراء إلى ابتكار خطط فعالة واستراتيجيات مضمونة تجعل منها دويلة مستقلة قائمة بهم وواقفة عليهم. ولعل أبرز تلك القواعد الإدارية الحديثة التي غفل عنها القانون وانتبه لها الحكام المستفردون هي " *عسكر البعض لتحكم الكل* ".

يقر المدير مهام خاصة ومتغيرة تعتمد على توجهاته وسياسته بل ومزاجه، توزع على مجموعة من الموظفين (عسكر المدير) يمارسونها في إطار مجتمع المؤسسة لتحقيق أهداف المدير. وكما أن التكليفات خاصة فالأفراد أيضا يتمتعون بصفات وربما مواصفات خاصة ويتم اختيارهم بعناية؛ فليس الكل مؤهلاً ليكون خاصاً؛ فالأحرار لايقبلون.

مهام والتزامات الموظفين محددة ومبينة في القانون، وإسهام الموظف في أعمال إضافية وفقا لرغبته أو بناءا على تكليف من المدير أو من أحد مرؤوسيه لا يعد نقصاً بل هو تفضلاً وعرفاناً طالما كان الأمر يصب في صالح المؤسسة أو الصالح العام. ولكن أن يرتضي الموظف أدواراً وتكليفات كيدية خاوية المضمون فارغة الهدف لاتحقق غير طيش المدير وتسلطه، بل وتؤثر سلباً على مرفق العمل بخلق جو من عدم الاستقرار ورفع مستوى التيقظ والحذر وربما الخوف لدى باقي الموظفين، فقبوله ورضاه بمثل هذه المهمات يمثل استنقاصاً لذاته وجرماً في حق زملائه وعمله.

نشاط عسكر المدير وأدوارهم يختلف من دائرة لأخرى بناءاً على مدى الوعي الثقافي والفهم القانوني لدى الموظفين الآخرين. فيعظم وينشط حضور هذه الفئة في المؤسسات ذات الوعي الثقافي المتدنئ، فترتقي مهماتهم لتصل إلى حد  الاستقواء وإلحاق الضرر الجسدي بالآخرين، بينما يضعف نشاطها في المرافق الأكاديمية والقانونية وغيرها من ذوات الثقافة العالية والفهم القانوني الواسع ويقتصر دورهم فيها على التجسس والتنصت ونقل الحديث والافتراء وبث الدعايات.
تخلق هذه السلوكيات اختلالاً في النظام الاجتماعي داخل المؤسسة، فتزعزع ثقة الموظفين ببعض، فتقل فاعلية الأداء الوظيفي ناهيك عن وأد القدرات والمهارات وقتل الإبداع وإهدار الطاقات والإمكانيات.
يفقد العمل المؤسسي روحه في هذه المرافق فلا يكون لغالبية الموظفين عملا غير انتظار نهاية الدوام؛ فأي روح عمل ستنشأ لدى موظفين يتحاشون رئيس مؤسستهم وعسكره؟.

المدير الناجح هو ذلك الذي يميز القدرات فيستفيد منها ويسخرها لصالح العمل ولايتخذ القرارات الشخصية المبنية على فكرته ورؤيته بل يصنعها اعتمادا على أفكاراً جمة ورؤى مختلفة؛ فهو حريص على استثمار العقول وتوجيه الأفكار وترشيد القرارات؛ فيصنع الثقة بين الموظفين الذين يثقون به ويأنسون له.

*الإدارة السوية جهد وصناعة لايحسنها إلا الراشدون*.