آخر تحديث :الأربعاء-18 سبتمبر 2024-04:33م


سياسة تجهيل ممنهجة

الجمعة - 17 نوفمبر 2023 - الساعة 09:42 ص

د. عبدالعزيز صالح المحوري
بقلم: د. عبدالعزيز صالح المحوري
- ارشيف الكاتب


لجأ الاستعمار الفرنسي إلى محاربة الدين في دول المغرب عن طريق تهميش دور الدعاة وسحقهم اقتصاديا، فصار أئمة المساجد والقائمون عليها من أشد شرائح المجتمع عوزا وأكثرهم حاجة.
تبدلت -بالتالي- نظرة التقدير والتبجيل لهذه الشريحة إلى نظرة مغايرة تماما، وانعكست على كل ماله علاقة بالمساجد والدين عموما؛ فابتعد الكثير من المغاربة عن دور العبادة وكرهوا إرسال أبنائهم لتعلم الدين؛ فمن الذي يرغب أن يصير ابنه من هذه الفئة المسحوقة والمغلوبة.

الدور الممنهج الذي قام به الفرنسيون في بلاد المغرب العربي لمحاربة أهل الدين قائم اليوم في اليمن ولكن لمحاربة العلم وأهله وفرض سياسة تجهيل ممنهجة.

سحق التربويون والأكاديميون اليمنيون في المدارس والجامعات وصاروا أكثر طوائف الشعب معاناة وألما. أهينوا وأهين التعليم تبعا لذلك "فكرامة المهنة من كرامة الممتهن"؛ فلجأ الكثير منهم إلى مزاولة أعمالا وحرف أخرى لتوفير متطلبات المعيشة، فتجدهم باعة متجولين في الأسواق أو عمالا في المحلات التجارية أو منشغلون بالرعي والفلاحة.

انعكست ظروف المعلمين على واقع التعليم فتدنى إلى درجة مخيفة ومع ذلك ليست هذه هي المعضلة الأكبر بل هي تدني عدد المتعلمين أو ندرتهم -بالأصح- وخصوصا في التعليم الجامعي.
فقد عزف الطلاب عن الكليات ورغبوا إلى مؤسسات وثكنات عسكرية راتب الجندي في الشهر الأول من انضمامه أعلى من راتب أكبر بروفيسور.

الفوضى والهمجية التي يعاني منها مجتمعنا في الوقت الراهن هي نتاج سيطرة الغير متعلمين على جزء كبير في مفاصل الدولة، فنرى العصبية والتجبر والبطش كل يوم، ليردد المجتمع عبارته الشهيرة "هؤلاء لايحترمون القانون".
لم يعي المجتمع بعد بأن هؤلاء لايعرفون القانون -أصلا- ليحترموه.

من الجيد أن نعلم بأن هذا النشئ الغير متعلم والمسيطر، محاطا بأهل متعلمين وبمجتمع واع ومثقف، أسهم ذلك -ولو على نحو بسيط- في الحد من تفشي الانفلات والفوضى في البلد.

أريد أن أنوه وأنبه في مقالي هذا بأن سياسة التجهيل المفروضة على شعبنا ستسهم بعد عدة سنوات في إنشاء جيل جاهل غشيم متسلح بالهمجية ومتحصن بالفوضى، محاطا بمجتمع لايقل عنه جهلا وتخلفا. هذا الجيل هو من سيحكم البلد فنحن اليوم نرى بأعيننا توريث السلطة والقيادة، من الأخ إلى أخيه ومن الأب إلى ابنه، أي من الجاهل إلى الأجهل منه.