آخر تحديث :الأربعاء-01 مايو 2024-01:56م

بخورُ عَدنيّ ولحجيّ؛ "عليّ الدرورة" شاعرُ البخورِ وقامُوسه

الإثنين - 02 أكتوبر 2023 - الساعة 12:37 م

د. مجيب الرحمن الوصابي
بقلم: د. مجيب الرحمن الوصابي
- ارشيف الكاتب


إذَا كانَ الإبداعُ في حدودِهِ هو تقديمُ الأشياءِ المألوفةِ بطريقةٍ غيرِ مألوفة، فهذا(الدرورة) يٌقدمُ البخورَ وكأنّنا لا نعْرِفهُ ويقولُ فيهِ ما لمْ يقلْه النواسيّ في الخمرِ، فَقدْ تعدّدتْ عِندهُ أنواعُه .. روائحُهُ ومجالسُه، كراماتُه وأذواقه، فنسجَ للبخور وحده اثني (12) عشر ديوانا، ويهمُّ بإضافةِ ديوانِ آخرَ هذه الأيام ... لذا يستحقُ أن يُلقب (عليُّ الدرورة) بشاعرِ البخورِ الأوّلِ في الدُّنيا، وليس البخورُ إلّا واحدًا من ميادينِ الدرورة الأديب المخضرم، .... وما المقامُ هنا لذكرِ فتوحاتِهِ ومنجزاتِهِ الإبداعيّة والأكاديميّة والفنيّة، فهي أكثرُ مِنْ أن تعدّ وتُحصى.


   وَالشَاعرُ  والباحثُ الأكاديميّ عليّ الدرورة قدْ فٌتن بالطبيعةِ وردًا وأزهارًا، وزنابق ورياحين ، مُروجًا وبساتين وطيورًا وفراشاتٍ؛ إذ تذوقت نفسُه كل تجلّيّات الجمال منذُ نعومةِ أظافره وريعان شبابهِ الذي لا يغادره، فقبلَ أربعينَ عامًا أصدرَ ديوانه الأوّل بعنوانٍ رمزيٍ ومكثفٍ (زهورٌ خضراءُ للموتِ) وطُبع في بيروتَ سنة 1984م.


   وَتدفّقتْ دواوينُه بعدَ ذلك تِباعاً، فأصدرَ عشراتِ الدواوين ولا زالَ يُحطِّمُ الأرقام مرتادًا آفاقًا جديدةً، ومسجلاً الريادةَ في فنون شتّى، وليس غريباً أنْ تُنجز عنه عديدُ الدراساتِ النقديّة من نقادٍ لهم أوزانهم في البلاد العربية، إلى جانب طلابِ الدراسات العُليا في الجامعاتِ.


 شَاعرُنا الدكتورُ (علي الدرورة) لهُ ظواهرُ ثقافيَةُ ومنجزات مقترنةٌ بِهِ، تميّزَ بِها عن غيره من الكُتاب والشعراء العرب ومنها توظيفه لثيمة ( البخور) في الشعر بطريقة استثنائية، وهو الموضوع الذي نخصص له حوارنا هذا الذي نتمنى أن يتكرر مرات أُخرى.


   عِندَ الدرُورةِ للبخورِ ألفُ حكاية إلا حكايةً لن تملَّ سماعها حتى يخيلُ إليك أن الرجل يحيا لأجل البخور متخصصاً فيه ويعرف كل أسراره منذ طفولته فصار رفيقه اليومي في حله وترحاله فيعدّ له (المباخر) أو (المجامر) ليحرقَ البخور فيعطّر الدنيا كما كان الكهّان في المعابد القديمة يحرقونه في طقوسهم العبادية.


      سَألتُه عَنِ البخورِ (العدني واللحجي) في اليمن فأدهشتني غزارته الثقافية وسعة اطلاعه؛ فأخذني برحلةٍ تاريخيّةٍ مع (القمندان) يبحثُ عن مجمرةٍ تصلح للبخور، للاحتفال بعد مغادرة الأتراكِ لحجَ في مطلع القرن الماضي، والرجل الأجنبي الذي أصبحت له رائحة في رواية علي المقري الشهيرة (بخور عدني)، وكان قبلُ رجلاً بلا رائحة، بل يعرف أسرار خلطات البخور المشهورة في جنوب اليمن وزباد سقطرى.


     درسَ الدرورة ُتقنياتِ صِناعةِ البخورِ بأنواعه العديدة وفنونه، والتي كما قالَ بعد بحثٍ طويلٍ تصلُ إلى (18) نوعًا متداولا في الهند والخليج والجزيرة العربية منذ عصورٍ موغلةٍ في القِدَم.

   وَلَم ينسَ في بحثه عن (البخور) أن يتطرق لكل جوانبه الثقافية والتاريخية والأنثروبولوجية، استعمالاته .. خصوصياته ...طقوسه في الحضارات القديمة وعبر العصور إلى وقتنا الحاضر.


       الدرورةُ شاعرٌ لا يفارقُه الدخونُ الأزرقُ، إنّه يشعلُ بخورًا ويتنفّس بخورًا ويكتب بخورًا وبه يتعطّر، ...من عالم البخور خرجنا منه بحصيلة هذا اللقاء عن عالم البخور ذلك العالم الجميل بروعته وجمالياته ذلك العالم الذي يعيش فيه الشاعر علي الدرورة.

.في أثناءِ الحديثِ تفاجأت بالباحث "الدرورة" يسردُ عليّ بعضَ الأمثالِ اليمنيّة وهو المتخصص أيضا في الأدب الشعبي وله مؤلفات فيه كثيرة، شارحا لها ولمعانيها
 

آخر بخورك يا عجوز، اتبخروا بعظامي لو.....، اللي مش والفه تتبخر تحرقه،... فوّح الشيطان يقومْ يروح ، فأدهشني بغزارةِ معارفِه وقلت في نفسي هذا ليس شاعرُ البخور فحسب بل موسوعته وقاموسه تمشي على قدمين

 

وبإذنِ اللهِ نقومُ بنشر الحوارِ الماتعِ مع شاعرِ البخورِ الأوّلِ في الدنيا

مجيب الرحمن الوصابي ...تونس الخضراء