آخر تحديث :الأربعاء-01 مايو 2024-12:59م

السرُّ فِيْ مبالغةِ الحوثيين بالاحتفالِ بالمولدِ النبويّ

الإثنين - 25 سبتمبر 2023 - الساعة 08:40 م

د. مجيب الرحمن الوصابي
بقلم: د. مجيب الرحمن الوصابي
- ارشيف الكاتب


لم تولِ طائفةُ الشيعة الزيديّة في تاريخها اهتمامُا أبدًا يُذكر بذكرى (المولد النبوي) كما يفعلُ الحوثيون اليومَ؛ إنّما يعظِّمونَ يوم (الغدير) اليوم الذي أعلن فيه النبي (ولاية) علي ونسله على الأمّه بِزعْمِهم، ويعدّونه يومًا مبجلا، بل رمزًا، وتفاضلا ... فَطِن ثوّار سبتمبر المجيد (1962) لرمزيّتهِ المضادة لأهداف الثورة؛ ليبطلوا الاحتفال بيومِ (الغدير) رسميًا.

   اشْهدي أيتُها الدُنيا اشهدي   لا أنا زيديٌّ ولا أنا شافعيّ


    (لَكُم عيدُكم ولنا عيدنا) بمضمون العبارة السابقة اتخذ الشوافع عبر تاريخهم وهم الأغلبية من السنة في اليمن من (مولدِ النبي) عيدًا شعبيًا لهم ومناسبة احتفالية كُبرى تكادُ تكون مضادة ليوم الغدير، وتوّجت (رسميًا) في عهد الدويلات الوسطى غير المتشيّعة في اليمن:( الزياديّة والرسوليّة والنجاحيّة ،.....)، ومظاهر هذا الاحتفال وطقوسه باقية في الثقافة الشعبية خصوصًا عند أهل تهامة والمناطق الوسطى وحضرموت، ونحن في سبيل توثيقها بإذن الله.


   إنْ كانَ (السَّلّالُ) قد أجهزَ على يومِ الغدير بالضربةً القاضيةِ كما يقول الباحثُ (محمد المقبلي)، فيومُ الغدير ظلّ مناسبةً احتفائية شعبية معظّمه عند الزيديّة؛ فــ الغدير عقيدةٌ وهويّةٌ وميزةٌ وتفاضلٌ، والشَّوافعُ في اليمن وهم الأغلبية لا يحتفلون بالغدير؛ لذا كما يصنِّفهم حُذَّاق الزيديّة قد حُرِموا من ولاية عليّ وآل بيته، فضلّوا واستحقّوا أن يكونوا من أدنى الناس رتبة ومكانة، وهنا يبرز وجهٌ من أوجه الصُّورة النّمطيّة التفاضليّة بين الزيدية والشافعية أو بين اليمن الأعلى واليمن الأسفل، فالزيود يحتقرون ضمنيًا الشّوافع  ... ( وأهل مطلع لا يزوّجون بناتهم لأهل منزل)؛ وأظنُّ أنّ هذا التمايز الإثني المذموم ما هو  إلا صورةٌ معكوسةٌ من التمايز في إطار الزيدية نفسها بين (الهواشم والقبائل)؛ وتمتدّ جذوره التاريخية إلى ما قبل الإسلام والتمذهب وسنأتي عليه لتفكيكه في ورقة علميّة أخرى.


      اليومَ نشهدُ تحوّلاً دراماتيكيًا في (المسيرة) فقد سطى الحوثيون على (المولد النبوي) وتملّكوه وبالغوا في العناية به بشكل يفوق احتفالهم بعيدهم التاريخي التمييزي يوم (الغدير)، بل يرصدون له الموازنات الضّخمة من أقوات الناس الجياع المقهورين ، ويطغى الاخضرار الكوميدي على كل شيء لأيام وأسابيع.

 

       مَا السرُّ في الاهتمامِ المبالغِ فيه اليوم بالمولدِ النبوي عند الحوثيين ورسائله المضمرة؟

  أرى أنّ الأمر ليس له علاقة بالدين والتديُّن أو الطاعة والتقديس إنّما الأمر فعل سياسيٌّ بامتياز؛ وعلينا أن نعترف لأنصار الله بالدهاء والمكر والله خير الماكرين.


    فثمّة صورةٌ نمطية منتشرة عن الحوثيين شكّلها الواقع الجديد؛ وبالغ الإعلام المناوئ لهم منذ ظهورهم في تصويرهم بأنهم صاروا (رافضة) ونزعوا ثوب الاعتدال الزّيديّ ذي الصبغة الاعتزالية بأثر من إيران؛ فشرعوا في سبّ الصحابة والنيل من أمهات المؤمنين، وتظهرُ قصيدة في صحيفة الثورة الرسمية تلمز في حقّ السيدة عائشة، يتمّ الاعتذار عنها رسميًا في اليوم التالي.


    وتنظَّمُ في صنعاءَ وصعدة ومدن متفرقة مجالس للعزاء والّلطميّات بذكرى استشهاد (الحسين) وتتداولها وسائل الإعلام مرسِّخةً عند الناس الصورة النمطية عن الحوثيين؛ بأنهم خرجوا عن جادَّة الصواب ومشروع فتنة كبرى لتحوّلهم إلى شيعة جعفرية.


    وهنا يبدأ التفكير بجدِّيّة بعكس هذه الصورة النمطية تمامًا، من خلال الاحتفال الكبير المبالغ فيه بالمولد النبوي، ليظهروا مدى توافقهم مع الغالبية وسماحتهم وتناغمهم مع كل المذاهب الإسلامية في مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي في العالم وفي مناطق الشافعية في اليمن التي شهدت حالة من الاحتقان المذهبي و المدّ السلفي الذي فسَّق وحرّم إقامة الموالد والزيارات وجعلها من البدع المنكرة رغم تغلغلها في ثقافة الناس، فيظهرون أكثر قربًا وسماحةً في الدّين.


خُلاصةُ القولِ إنّ الاحتفال المبالغ فيه بالمولد النبوي عند الحوثيين لا يقصد به وجه الله ولا طاعته، ولا عشق النبي بل هو فعل سياسي بامتياز... هل بدأتم تستوعبون؟ إذا عُرف السبب....

   ( وأنا أقول لمو حماري يعرج)

      مجيب الرحمن الوصابي  .... تونس الباهية