أسامة المحوري شاعر أنيق ينثر صلواته الشعرية في فضاء أنيق برقة ولطف وجمال ، يحلق بنا في رحلة شعرية وجغرافية وعاطفية ونفسية بخيال فني بديع وبإشراقات روحية تصل ذروة الجمال والإبداع .
لقد أثبت أسامة المحوري أنه صاحب ملكة إبداعية ثرية مندغمة بصوت فخم وبفن زخرفة الصوت ، يسيطر بإتقان على صوته ويجيد فن التجسيد والتصوير مع لغة الجسد التي تترجم بعمق روح شعره وفيض مشاعره بدقة ومهارة في غاية العمق والتجلي تسكن شغاف القلب.
يذكرني أسامة المحوري بالشاعر لطفي جعفر أمان الذي كان هرما سامقا في الشعر ، مدبوغ شعره بقوة الخيال ودقة التصوير وجزالة اللفظ وثراء العاطفة ، وأضافت فسيولوجيا صوته ملمحا عاطفيا وجماليا فاخراً في فضاء الشعر
مازلت أذكر وأنا طفل صغير عندما كانت عيناي ترنوان إلى الشاشة الفضية (التلفزيون) حين كان يلقي لطفي جعفر أمان قصيدة في رثاء الزعيم جمال عبدالناصر الذي مات في ( 27-9 -1970 ) لقد جذبني بصوته الفخم المتفرد في النطق والأداء ، وكان بليغ بقصيدته الرائعة المرفوقة بتعبير جسدية ترجمت صدق العاطفة والمشاعر في قالب شعري جميل.
وعلى صعيد متصل لا ننسى مهارة إلقاء الشعر الذي تميز به الشاعر عبدالرحمن فخري ، فهو يمتلك صوتا جهوريا يعطي إيقاعات سحرية للشعر بحس مرهف ووجدان ذكي وانسيابية صوته الجليل الذي يرتفع وينخفض ويتحول فجأة إلى الرقة والنعومة تبعا لما يقتضيه النص الشعري وتكنيك الإلقاء مصحوبا بلغة الجسد وذكاء العاطفة وجلال المظهر ودقة التعبير الشفهي والجمال لتصل قصيدته الشعرية إلى ذروة الجمال.
لا يهمني أن يكون أسامة المحوري من عترة أهل القصيدة العمودية أو من عترة أهل القصيدة النثرية الحديثة
كل ما يهمني الموهبة والإبداع وصدق المشاعر التي تصعد من الأعماق بنغمات حارة غير مصابة بالوهن الفني والتعبيري وبزيف الأحاسيس والمشاعر .
يهمني الإبداع وسلامة الذوق وجودة السبك والقدرة الخلابة على التعبير بعمق وشمول وجمال مع صدق العاطفة والشعور والقدرة الفذة في التصوير الحافل باللمعات الإبداعية المندغمة بكثافة الشحنة العاطفية والبلاغية التي تصب السحر الشعري في النفوس ولها بريقها وألقها الساطع الخالي من الخواء الشعري ، وهذا ما نقرأه في شعر أسامة المحوري :
أنــت الـثـريا وكــل الـفـاتنات ثـرى
-سـبـحانك الله - إنــي لا أرى بـشرا
أرى الـنساء نـجوما عـند حـضرتها
وإذ أراهـا .. أراهـا الـشمس والـقمرا
.
يـرتدُ طـرفي حـياء -عـند رؤيـتها-
يـاويحَ قلبي .. إذا لم ارجع البصرا
واسـتقي نـظراتٍ الـحبِ -عـن لهفٍ-
كـنظرة - لـلقِرى - مـن أعين الفقرا
.
يـحار فـيك- ربـيب الـشعر -فـاتنتي
جـمـال عـينيك أعـيا سـيد الـشعرا
.إن كان للحسن -بين الناس- أغنية
لـكنت فـيها -وربـي- الـلحن والـوترا
أو سـميت بـفصول الـعام نـسوتنا
كنت الربيع .. وكنت الورد والمطرا
لن نضيف حديثا إن قلنا أن أسامة المحوري شاعر أصيل يتميز بخيال خصب يكتب القصيدة العمودية بصور شعرية حديثة وبلغة فريدة زاخرة بالجمال والتماسك وبتركيز وتكثيف شعري بديع بارع في الوصف والتصوير وبإيقاعات شعرية باهرة.
الميزة الشاخصة في شعر المحوري أنه لا يميل للغموض وماهر في صياغة ونحت الكلمات ، رشيق في الجزالة والدقة ويحمل الذكاء والموهبة ويداوي روحه بالشعر ولذة التعبير وبلاغة الإيحاء والإيماء، ولا يستخدم اللغة المتوعرة المتخشبة ،
الفاظه عذبة غير متكلفة تسيل رقة وعذوبة بنغمة جرس أنيقة ، وهو ثري في قاموسه الشعري على عكس بعض الشعراء الشباب ، الذي قال عنهم الشاعر والناقد الدكتور عبد العزيز المقالح :
أغلبية الجيل الجديد من الشعراء لا يرتبطون بصلة حميمة مع اللغة ، لذلك تبدو نصوصهم فقيرة لغويا ، ولا يشفع لها ما تتمتع به من ثراء في الصور الجديدة والتقنية الفنية العالية )
أنا شغوف بالنصوص الشعرية الجميلة للشاعر أسامة المحوري ولا أتشاطا معه في بعض الفقرات من زاوية عقلية :
عــالٍ كـأفـلاكِ الـسـماءِ
بـــلا ابــتـداءٍ وانـتـهاءِ
لـي وثـبةُ الـقدرِ الـيقينِ
ولـــي هـمـومُ الأنـبـياءِ
أقـتـاتُ أسـبابَ الـمهابةِ
مـــن نــهـودِ الـكـبـرياءِ
وبـبسمةِ الـصبرِ الجميلِ
أظـــلُ أعــبـثُ بـالـبلاءِ
أنـــا ربُّ هـــذا الـشِّـعرِ
والإلـهامِ مـن ألـفٍ لـياءِ
سـأجـرُّ مـنـه قـصـائدي
جـــرَّ الـخـليفةِ لـلإمـاءِ
لـــن تـنـجـبَ الـكـلماتُ
فلسفةَ المجازِ بغيرِ مائي
حـتامَ أحـمِلُ فـي يـديَّ
زمـامَ من سقطوا ورائي
وأظـلُّ أرفـعُ مـن لـقيتُ
كــأنـنـي يـــاءُ الــنـداءِ
من خلال النص السابق نلمس شيئا من روح المتنبي الذي كان يعتز بذاته ويعرف بنفسه وبشعره وبمكانته الأدبية ويرد على النقاد الصامتين الذين لا يكترثون بشعريته وفحولته وعلو كعبه في فضاء الشعر والإبداع وهو القائل:
أنا الذي نظر الأعمى الى أدبي
وأسمعت كلماتي من به صمم
قد يرى البعض في النص السالف الذكر نوع من تعظيم الذات ( أنا رب هذا الشعر ، جر الخليفة للإماء ، لن تنجب الكلمات فلسفة المجاز بغير مائي) إلا أننا عندما نقرأ هذا النص نكتشف أنه أنغمس في السكرات الروحية للشعر , وليس مقصده الغرور والتبجح ، لقد ورد على لسانه :
أسامة الشاعر مازال يحاول أن يكون سباقا للمعنى، مبتكرا للدهشة، مجددا للفكرة.
المحاولة منه لا تتوقف عند قصيدة ما فربما أخفق في هذه وأصاب في تلك .
الإبداع تجربة ، والشعر فكرة، والفكرة قصيدة ، والشعراء حدائق والقصائد زهور ولكل زهرة عطر ولون .
رب زهرة تذهلنا بعطرها وقصيدة بمعانيها وإن غاب المعنى غاب الشعر.
جملة يمكن القول أن الشاعر أسامة المحوري ثبت أقدامه في فضاءات الشعر ولديه طاقة إبداعية كبرى للتطور ، إذا ما استمر في مسلكه الحافل بالقوالب الإبداعية المتينة.
ولست أخطئ إذا زعمت أنه يقف على خط واحد مع الشاعر محمد ناصر الجعمي الذي يتسم شعره بالصدق الشعوري وبالعمق الفني وبفيض روحي شفيف.