آخر تحديث :الجمعة-15 نوفمبر 2024-11:41ص

من أين جاء اسم عُدَينة والعدين..!

الجمعة - 07 يوليه 2023 - الساعة 11:55 م
توفيق السامعي

بقلم: توفيق السامعي
- ارشيف الكاتب


تكثر الأسماء المكانية في اليمن المشتقة من الجذر اللغوي "ع د ن"، والتي منها "عُدَينة"، وهي اسم مدينة تعز القديمة، و"عَدَن" العاصمة اليمنية المؤقتة، و"العُدين"، وهي مديرية من محافظة إب، وكذلك "عدن الأشلوح" في مديرية السياني من محافظة إب، و"عَدِينة": إسم منطقة ومقبرة في مديرية جبل حبشي، و"عَدَنة": إسم قرية في جبل صبر، وأسماء أخرى كثيرة في اليمن لا نستطيع حصرها.

لكن الأهم هي أربع مناطق، وهي: العاصمة عدن، وعُدَينة (تعز القديمة)، والعُدين، وعَدِينة في جبل حبشي.

قد يقول قائل: لماذا ربطت قرية ومقبرة عَدينة في جبل حبشي بين الأسماء المهمة؟!

الجواب: سيأتي لاحقاً للأهمية..

عرَّفت معاجم اللغة هذا الاسم ومشتقاته بثلاثة تعريفات تكاد تكون الرئيسة بين كل التعريفات، وهي:
- مقر الإقامة والاستيطان الدائم، ومنها جاء استخدام "جنات عَدْن"
- وسط الشيء
- قلع الحجر

مع وجود تعريفات كثيرة غير تلك التعريفات بحسب اشتقاقات الكلمة نفسها، ك"عدينة" يقال للجماعة، أو المرعى، أو غير ذلك.

وفي الآرامية "ع د ن": غِنى، أسعد، زين، أنعم. وهو كذلك في السريانية وعبرية العهد القديم، وهو قريب من تعريف المرعى.

وهناك تعريف يتيم هو: المكان على ساحل البحر، أو المكان على حافة النهر. وهناك التعريف المحلي اليمني الخالص وهو من الاتجاه بمعنى الجنوب، يقال: "فلانٌ عَدَّن" أي اتجه جنوباً، والجهة العدنية يعني الجنوبية.

هذا التعريف اليتيم هو أقرب التعريفات للأسماء اليمنية لتشابه المعنى مع المبنى على أرض الواقع؛ فعدن مكان على ساحل البحر، وعدينة مكان على ضفة النهر (وهو النهر الساقط من جبل صبر)، والعدين منطقة على ضفة نهر في ذلك المكان.

لكن كل التعريفات السابقة، كما نعلم، فقد أخذها اللغويون عن اللغة الشمالية التي دونت في العصرين الأموي والعباسي، وقد لا تتفق كثيراً مع معاني الألفاظ للغة اليمنية الخاصة بأهل اليمن، وإن كانت هذه اللغة هي المؤثر الرئيس في الشمالية.
فللتعريفات اليمنية للأمكنة خصوصية خاصة تكون بحسب اللهجات اليمنية القديمة من سبئية وحميرية وحضرمية ومعينية وأوسانية وقتبانية ومعافرية..

وقد تتبعت هذه التسمية في كثير من الأماكن ووجدت أن ما يغلب عليها هو المقابر القديمة.

فعدينة تعز هي مكان المقبرة قبلي جامع المظفر، تقع أيضاً على حافة النهر النازل من جبل صبر، وأصبح اليوم مجرد مجرى سيل جاف، وقديماً كان نهراً جارياً بحسب المصادر التاريخية.

فالمقبرة هناك قديمة، وليس ما يعرف عنها فقط في أيام الدول الصليحية والأيوبية والرسولية، وإن كان الأخيرون زادوا من عملية الدفن فيها في عصورهم.

فأحياناً يطلق عليها "عُدَينة"، وأحياناً تضاف إلى ذي؛ فتسمى "ذي عدينة"، وهناك فرق بين الأمرين؛ فذي بمعنى صاحب، وهنا قد يكون المعنى صاحب القبر أو المقبرة، وكثيرة هي الأسماء بهذا الشكل في اليمن كذي أشرق وذي رعين وذي يحصب وذي البلس وذي الجُمال وغيرها.

وقد تحريت عن العدين، فهناك مقابر صخرية وموميات مدفونة في جبالها المطلة على مجرى السيل في عنة، والتي كانت قديماً نهراً جارٍ، بحسب مصادر محلية.

كما إن من تعريفات العدنة والعدين هو المرعى.

وليس صحيحاً ما يشاع بأن تسمية العدين من العودين القات والبن؛ فالشجرتان حديثتان في اليمن، وتسمية العدين قديمة. وهذه التسمية فقط مما يتأوله البعض من المتهبشين معلوماتياً لمقاربة محلية لا أكثر.

والآن نأتي إلى "عَدِينة" جبل حبشي وأهميتها، فهي مقبرة قديمة تعود إلى عصور ما قبل الميلاد بحسب ما أفادني بعض الباحثين من نفس المنطقة، وأحدهم أفرد دليلاً قطعياً في ذلك، وهي مقبرة لغير المسلمين ولا شك، وزاد من القبوريات فيها أثناء الحروب  التي جرت بين ذي نواس والأحباش أثناء المواجهات العديدة التي دارت بينهم، وكذلك للقبائل التي انتقم منها ذو نواس لمساندتهم الأحباش في غزو اليمن.

وكذلك هي تقع على ضفة نهر جارٍ صيفاً في ما نسميه في اليمن "السائلة".

ومن خلال ما مر بنا فإن عدينة تعني المقبرة أيضاً. وفي شرعب منطقة صغيرة تسمى العَدَن وهي مكان مقبرة قديمة أيضاً.

هناك تعريف نادر من خلال مسميات جسم الإنسان لدى المعافريين، ويشبه إلى حد كبير مواقع تلك المناطق بالشبه بجسم الإنسان. فمثلاً يُعرِّف المعافريون عاتق الجسم بـ"عُدْنْ"، جوار الرأس، وتكون مناطق عدن وعدينة والعدين هي مناطق حواف جبال صبر وحديد والعدين، وغيرها، فيشبه الجبل بالرأس وما دونه بالكتف.